اخبار المغرب

صعوبات البحث والتنقيب تعترض طريق محقّقي الأدب المغربي الحديث والقديم

لا تقف صعوبات البحث والتنقيب والجمع فقط في وجه من يبحث عن الأدب المغربي القديم الذي حجبته السنون والقرون، بل تقف أيضا في وجه الباحث في أدب البلاد مطلعَ القرن العشرين؛ فـ”الباحث في أدبنا المغربي يصاب باندهاش شديد وخيبة أمل، عندما يبحث عن إنتاج بعض أدبائنا المعاصرين، إذ يقف على عكس ما كان يتصور، ويجد نفسه أمام أدب ضائع أو شبه ضائع، يبدو وكأن قرونا طويلة تفصلنا عنه، فيتألم لهذا الأدب المغربي الذي أصيب حديثه بما أصيب به قديمه، وأُرخيت على بعض نماذجه المعاصرة السدول الكثيفة الحاجبة نفسها التي أرخيت على أكثر نماذجه القديمة”.

نبه إلى هذا اليزيد الراضي في جمعه وتحقيقه ودراسته “ديوان سيدي داود الرسموكي”، الذي صدرت طبعته الجديدة، بعدما نفدت طبعته الأولى الصادرة سنة 1991، بعد قوله إنه: “بتوفيق وعون من الله وتيسير، تمكنت، منذ نحو ثلاثين سنة، من جمع شعره وتحقيقه ودراسته، تحت إشراف أستاذنا اللامع الفاضل، عميد الأدب المغربي بلا منازع، الدكتور عباس الجراري”.

وأضاف المحقق: “تتضاعف فرص التشتت والضياع كلما تعلق الأمر بأديب مغمور (…) لم يُقدَّر له أن يحتل المواقع الاجتماعية المرموقة التي تجعله عرضة للأضواء، وتمكنه من أخذ نصيبه من الشهرة، وحظه من اهتمام الخاصة والعامة”.

وتابع: “إذا كانت آدابنا العربية في مختلف المناطق تحتاج إلى بحث وتنقيب، فإن أدبنا المغربي أكثر احتياجا لهذا العمل من غيره، لأن الجهود انصرفت عنه مدة مديدة من الزمن، حتى كثر المفقود والمجهول، وتراكم المردوم تحت أنقاض الإهمال والنسيان، واحتاجت عملية الإنقاذ إلى جهود متوالية، وتعاون مخلص، وسيل من البحوث والدراسات”.

ومع أن ثلّة من أبناء المغرب لمّا هالهم واقع هذه الثقافة وهذا الأدب تصدّوا بكل إمكانياتهم للبحث والتنقيب، واستطاعوا أن يرسموا للأجيال الناشئة معالم الطريق، وأن يبعثوا الأمل ويحيطوا الطموح، بما أنجزوه من دراسات قيمة، فإن الأدب المغربي “بسبب خصبه وغناه، ما زال يطلب الكثير من الجهود، ويدعو الباحثين بإلحاح إلى الإقبال عليه والاهتمام بكنوزه وذخائره، والتصدي بالدراسة والتحليل لظواهره وقضاياه”.

وأمّن الدارس على خلاصة عباس الجراري حول حاجات الأدب المغربي، وكتب “نحن المغاربة ما زلنا في مرحلة التعرف على إنتاجنا الأدبي، والكشف عن كنوزه الدفينة، وإن حاجتنا إلى هذا التعرف وهذا الكشف، أشد بكثير من حاجتنا إلى التحليل والتعليق”، وإلا فإنه إذا ما لم نبادر إلى إنقاذ هذا الإرث “وافتكاكه من أسر الإهمال والنسيان، فإننا سنكون قد أسهمنا في ضياعه وفقده. وذلك يحتّم علينا أن نضع جمعه وإخراجه من ظلمات الخزانات الخاصة والعامة، إلى حيز النور، فوق كل اعتبار”.

كما يحتاج الأدب المغربي “دراسة واعية متأنية ناضجة، تستلزم أولا وقبل كل شيء أن يُجمَع إنتاج الأدباء المغاربة، كُتّابا كانوا أم شعراء؛ لأن غياب نص أو نصوص، فضلا عن ديوان أو دواوين، من شأنه أن يؤثر تأثيرا سلبيا على الدراسة، ويُحدِث الخلل في نتائجها، ويُضعف الثقة في أحكامها”.

وفي عمله من أجل جمع ديوان الأديب داود الرسموكي الذي “يمثل أحد الأقطاب الذين تأسست على جهودهم المخلصة، وعطاءاتهم الأدبية السخية، نهضة الأدب العربي في سوس”، في القرن العشرين، ذكر أنه “أديب أضاعه قومه، مذكّرا بما كتب حوله مؤرخ الأدب الفقيه محمد المختار السوسي في “المعسول”: “وإذا لَم يُسجَّل ما يقوله أمثال داود، فماذا يُسَجّل بعد؟!”.

وسلّط المحقق الضوء على حاجة سوس “الملحة إلى جهود الباحثين في مختلف المجالات الثقافية والأدبية؛ لأنها لم تعط بعد من العناية ما يتناسب مع ما تزخر به من ذخائر ثقافية وأدبية، فإذا كانت أقاليم المغرب كلها تحتاج إلى جهود مكثَّفة في ميدان البحث والتنقيب، فإن إقليم سوس يبدو أكثر احتياجا إلى هذه الجهود من غيره من الأقاليم، نظرا لإفراط علمائه وأدبائه في التواضع وهضم النفس، وتفريط حملة الأقلام فيه في تخليد الرجال وصيانة الإنتاج العلمي والأدبي”.

وليس مقصد تحقيق هذه الدواوين والكتابات والإبداعات مجرّد حفظ الذاكرة، بل أيضا كون دراسة أمثال الشاعر الرسموكي والاطلاع على سعة ثقافته، والإلمام بجهوده المخلصة في ميدان الأدب؛ “من شأنها أن تشحذ العزائم، وتُقوي الهمم، وتدفع الأجيال الناشئة إلى ترسّم تلك الخُطى، وتسلّق تلك القمم. وبذلك تنطوي دراسته على فائدة تربوية مهمة، نحن في أمسّ الحاجة إليها، نظرا لانهزام كثير من النفوس، وتسرّب اليأس إليها، ورضاها من الغنيمة بالإياب”.

المصدر: هسبريس

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *