اخبار المغرب

هل تغرد فرنسا خارج “السرب الأممي” في جلسة مجلس الأمن حول الصحراء؟

في ظل الأزمة الدبلوماسية بينها وبين الرباط، وعلى بعد أسابيع قليلة من الجلسة المرتقبة لمجلس الأمن الدولي حول الصحراء المغربية بعد أن أنهى ستيفان دي ميستورا، المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء، جولته في المنطقة؛ تثار الكثير من التكهنات بشأن موقف فرنسا المرتقب خلال هذه الجلسة الأممية، وحول ما إن كانت ستحافظ على مواقفها التقليدية الداعمة للمسار الأممي أم إنها ستفضل هذه المرة “التغريد خارج السرب الأممي”، خاصة باعتبارها دولة دائمة العضوية في مجلس الأمن ومؤثرة على النحو في صناعة القرار الدولي.

من جهتهم، قال محللون: “على الرغم من الفترة الحرجة التي تمر بها علاقات باريس مع الرباط فإن فرنسا لا يمكن أن تغامر بفتح جبهة مواجهة دبلوماسية جديدة مع المملكة”، مشددين على أن “المعارضة القوية الداخلية لسياسات ماكرون الخارجية والتزامات فرنسا تجاه شركائها الغربيين” كلها معطيات تؤكد أن الموقف الفرنسي خلال جلسة مجلس الأمن المقبلة لا يمكن أن يخرج عن المواقف الأممية الكلاسيكية لباريس في هذا الشأن وعن مواقف حلفائها الذين عبروا عكسها عن مواقف أكثر تقدما ووضوحا بتأكيدهم على السيادة المغربية على الصحراء، خاصة الولايات المتحدة الأمريكية.

حسابات انتخابية والتزامات دولية

البراق شادي عبد السلام، خبير دولي في تحليل الصراع وتدبير المخاطر، قال إن “ما يجب الانتباه إليه هو أنه توجد معارضة قوية لسياسات ماكرون الداخلية والخارجية، سواء في المنطقة المغاربية أو منطقة الساحل والصحراء، والتي جلبت لفرنسا سلسلة من الانتكاسات الجيوسياسية المتتالية التي فقدت على إثرها نقاط ارتكاز استراتيجية لنفوذها في هذه المناطق”.

وأضاف البراق أن “التوتر الحالي في العلاقات المغربية الفرنسية مرده الأساسي هو السياسات الماكرونية التي تعاكس المواقف السيادية المغربية الثابتة في ما يخص ملف تدبير العلاقات الثنائية الفرنسية المغربية”، مشيرا إلى أن “السلوك المنتظر للخارجية الفرنسية في السياق الحالي هو خفض التصعيد الدبلوماسي مع المملكة المغربية”.

وبخصوص موقف باريس المرتقب خلال جلسة مجلس الأمن المقبلة حول الصحراء المغربية، أوضح الخبير ذاته أن “المطالب المغربية الواقعية بتطوير الموقف الفرنسي إلى اعتراف رسمي بالسيادة وفتح قنصلية بالأقاليم الجنوبية لتكريس هذا الاعتراف، أضف إلى ذلك الحسابات الانتخابية الداخلية الفرنسية المتعلقة بالأصوات المغربية في النظام الانتخابي الفرنسي، كلها معطيات قد يكون لها دور أساسي في عدم مغامرة باريس بموقف سياسي يعاكس مصالح المغرب في مجلس الأمن”.

ولفت المتحدث عينه، في تصريح لهسبريس، إلى أن “تصويت فرنسا في مجلس الأمن على القرار المتعلق بالصحراء المغربية سيلتزم بالمواقف السابقة التقليدية للجمهورية الفرنسية الخامسة في هذا الملف ولن يبحث ماكرون على تعقيدات جيوسياسية جديدة في شمال إفريقيا، مع ما قد يعنيه غير ذلك من إقبار للمستقبل السياسي لماكرون في المشهد السياسي الفرنسي”.

وحول ضمانات هذا الموقف الفرنسي، أورد البراق أن “ضمانات المغرب في هذا الإطار تتجلى أساسا في الإجماع الدولي على جدية المقترح المغربي الداعم لحل سياسي وتفاوضي تحت السيادة المغربية، وفي المواقف المغربية الثابتة في ما يخص سياسة المحاور الدولية وقدرة الدبلوماسية المغربية على تحييد ملف الصحراء من التدافع الجيوسياسي العالمي وإخراجه من مناطق التماس الجيوسياسي بين الأقطاب الدولية”.

وخلص إلى أن “السياسات الأطلسية الفرنسية في العالم والتزاماتها الدولية مع شركائها الاستراتيجيين في حلف الناتو تفرض على باريس التصويت لصالح قرار في مجلس الأمن يدعم جهود المغرب؛ لأن تصويت باريس السلبي سيكون تقويضا للجهود الدولية في البحث عن حل سلمي وتفاوضي ينهي عقودا من النزاع المفتعل والذي يعطل جهود التنمية بالنسبة للشعوب المغاربية”.

استعادة التوازن وإظهار لحسن النية

من جهته، قال محمد عطيف، باحث في العلاقات الدولية، إن “التجاهل المغربي لفرنسا ناتج بالأساس عن استمرار الازدواجية والضبابية اللتين تطبعان موقف باريس من قضية الصحراء المغربية”، مشيرا إلى أن “فرنسا رغم كونها دولة فاعلة في صناعة القرار الدولي على مستوى مجلس الأمن فإنها لا يمكن أبدا أن تخرج عن سياسة حلفائها الغربيين الذين يدفعون في اتجاه إيجاد تسوية سياسية عادلة وواقعية للنزال المفتعل حول الصحراء المغربية”.

وأضاف عطيف أن “الدولة الفرنسية أظهرت للعالم أنها لا تريد أن تخسر المغرب. كما أنها لا تريد أن تخسر الجزائر كذلك؛ فهي تحاول استعادة سياستها المتوازنة تجاه القوى الفاعلة في المنطقة المغاربية.. وبالتالي، ففي ظل التوتر الذي يطبع العلاقات بين الرباط وباريس فإن الأخيرة لا يمكن أن تخطو أية خطوة في اتجاه خلق أزمة جديدة مع المغرب”.

وأوضح المتحدث عينه، في تصريح لهسبريس، أن “الدولة الفرنسية ستحافظ على موقفها التقليدي في مجلس الأمن كنوع من إظهار حسن النية تجاه الرباط والرغبة في استعادة العلاقات معها، على الرغم من وضوح المقاربة المغربية في هذا الإطار”.

ولفت الباحث في العلاقات الدولية إلى أن “فتح جبهة جديدة في الأزمة ما بين البلدين على مستوى مجلس الأمن الدولي لا يخدم الدولة الفرنسية، خاصة في ظل الوضع الدولي الراهن وفي ظل تراجع النفوذ الفرنسي في عدد من مناطق العالم والمراحل الانتقالية التي يعيشها النظام العالمي الحالي”، مشيرا إلى أن “كل الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن تربطها علاقات استراتيجية مع الرباط؛ ومن ثمّ فلا يمكن أن تسمح لفرنسا بالتعبير عن موقف سياسي معاكس للتوجه الدولي الذي يسير في اتجاه التصفية النهائية لهذا الملف”.

وخلص إلى أنه “على الرغم من الميل النسبي لفرنسا في اتجاه الجزائر فإنها يمكن أن تتجاهل الدينامية التي تعرفها قضية الصحراء المغربية على المستوى الدولي أو أن تقف عائقا أمام الجهود الأممية في هذا الإطار”، مذكرا بأن “فرنسا صوتت لصالح القرار رقم 2554 في أكتوبر الماضي في عز الأزمة الدبلوماسية مع المغرب. وعليه، فمن المستبعد أن تنخرط باريس في أية خطوة من شأنها أن تثير مسؤوليتها السياسية عن أي انحراف لمجلس الأمن في تعاطيه مع قضية الصحراء المغربية”.

المصدر: هسبريس

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *