اخبار المغرب

عندما أشعلت المساواة في الإرث سجالا داخل لجنة مراجعة مدونة الأسرة

خلال مرحلة تعديل مدونة الأحوال الشخصية، نادت أصوات من “التوجه الحداثي” داخل أعضاء اللجنة الملكية الاستشارية المكلفة بمراجعة المدونة بالاجتهاد في مسألة نصيب المرأة من الإرث، مراعاة للتحولات التي عرفها المجتمع المغربي؛ لكن هذه الدعوات لم تلْق تفاعلا إيجابيا.

التوجه الذي تبنى طرح تحريك مياه الاجتهاد في مسألة عدم مساواة نصيب الرجل والمرأة في الإرث، كما جاء في مجلد الأعمال التحضيرية لمدونة الأسرة، اعتبر أن للإسلام اعتباراته في تحديد نصيب المرأة دون نصيب الرجل استنادا إلى المحيط الاجتماعي الذي كان سائدا في شبه الجزيرة العربية وقت ظهور الإسلام.

وعزز التوجه ذاته موقفه بكون المرأة في الجاهلية كانت تُعتبر ملكا للزوج تدمج في ميراثه بعد وفاته فيرثها أخوه، وتُعتبر حقا لعصبة زوجها الميت لهم أن يزوّجوها بأحدهم أو بمن شاؤوا أو يمنعوها من الزواج حتى لا تأخذ شيئا من مال زوجها فتفوته عليهم.

وقال أحد أعضاء اللجنة: “إذا عرفنا أن كل الميراث كان يذهب للأبناء الذكور (في عصر الجاهلية)، وأن كل ما كان للبنت أن تتمناه بعد وفاة أبيها هو أن يعطفوا عليها بشفقتهم، أدركنا أن الأمر لم يكن بالسهل على الإسلام الذي مكّن المرأة من نصيب إجباري في الميراث قليلا كان أم كثيرا، وأخرجها من حالة هي أشبه بالرقّ”.

وأضاف أن تمكين الإسلام للمرأة من نصيب إجباري من الإرث كان شديد الوقع على عوائد الجاهلية؛ بل وحتى على المسلمين آنذاك. ومن ثم، جاءت عادة تحبيس الأب لأمواله على أبنائه الذكور للتملص من فريضة الميراث التي فرضها الإسلام للمرأة، وما شابه ذلك من أعراف لا تزال قائمة إلى اليوم؛ من بينها عدم تفويت الأراضي الزراعية للنساء في بعض المناطق القروية بالمغرب.

وبينما لا يزال مطلب المساواة في الإرث بين النساء والرجال في المغرب في منأى من أن يمسه التغيير، على الرغم من مطالبة الجمعيات الحقوقية بذلك. واعتبر التوجه الذي نادى بالاجتهاد في هذه المسألة، داخل لجنة مراجعة مدونة الأحوال الشخصية، بأن الإسلام عندما أقر ميراث المرأة نصف ميراث الرجل “برهن على حكمة الخالق في التدرج في الأحكام لضمان قبولها”.

واعتبر أن “الإسلام لم يقر ذلك كأصل من أصوله لا يتخطاها، والدليل على ذلك هو تمكينها من نصيب أوفر من نصيب الرجل في بعض الحالات، مما ينفي اعتبار نقص ميراث المرأة كنتيجة حتمية لأنوثتها. كما أنه لم يحكم على بذلك على جوهر موقع المرأة في المجتمعات الإسلامية حُكما لا يمكن أن يتغير بتغير الزمان والمكان، وأن الإسلام في جوهره يرمي إلى العدالة التامة ويقبل بمبدأ المساواة الاجتماعية بين الرجل والمرأة عند توفر إمكانيتها”.

وبالرغم من الدعوة إلى الاجتهاد في مسألة نصيب المرأة من الميراث، فإن التوجه الذي نادى بذلك خلال مرحلة إعداد مدونة الأسرة الحالية أقر بأن ذلك لن يكون في المتناول بسبب البيئة الثقافية السائدة.

وقال أحد أعضاء اللجنة، الذي قدم تحليلا مفصلا في الموضوع، إن “هذا التحليل ليس للنداء بإقرار مساواة الرجال والنساء في الإرث في مشروع مدونة الأسرة، لا لما يمكن أن يكون في ذلك من مساس بالشريعة الإسلامية؛ بل لوعيي بأن الظروف المغربية الحالية، بما فيها الظروف داخل اللجنة، لن تقبل بذلك”.

واستدرك بأن “هذا لا يعني أن التشريع الحالي أو المقبل هو نهاية المأمول الذي ليس بعده تغيير”، معتبرا أن الموانع المتعلقة بالظروف المغربية “لا تمنع من فتح المجال أمام اجتهادات، على غرار ما قامت به بعض البلدان الإسلامية لحل معضلات اجتماعية”.

ويتضح، من خلال ما هو منشور في مجلد الأعمال التحضيرية لمدونة الأسرة، مدى احتدام النقاش بين أعضاء اللجنة التي أشرفت على مراجعة المدونة السابقة في المسائل ذات الارتباط بالجانب الديني؛ فعند مناقشة مسألة الوصية الواجبة، ذهب أحد أعضاء اللجنة إلى القول إن “مدونة الأحوال الشخصية تشرّع ما لم يشرعه الله، وهو الذي تولى بنفسه قسمة التركة ولم يترك ذلك لأحد من عباده”، مستدلا بالآية الكريمة: “يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين”.

واعتبر العضو ذاته أن الوصية الواجبة “تثير العديد من الإشكالات لدى الفقهاء؛ لذا نطالب كمسلمين وكعلماء وكمغاربة أن يحذف الباب المتعلق بهذه الوصية نهائيا، وأن يتم الرجوع إلى ما كان عليه الوضع قبل إقرارها”.

عضو آخر من “التوجه المحافظ” داخل اللجنة اعتبر أن العلماء نصوا على الوصية الواجبة في مدونة الأحوال الشخصية، “حيث فُرضت عليهم فرضا لاعتبارات خاصة آنذاك، يمكن معه القول إن سكوتهم دليل على رضاهم بذلك”.

وأضاف أن اللجنة “أمام موقف حرج لا يمكن السكوت عليه، فالمواريث لا يدخل فيها القياس ولا الاجتهاد، إنما هي أحكام وقواعد شرعها الله تعالى”، وأن الأحكام يجب أن تستند على الشرع، فما لا يوجد فيه نص لا في الكتاب ولا في السنة ولا في الإجماع يجب استبعاده بصفة قطعية دون هوادة ولا تأخير”.

في المقابل، طالب عضو آخر بالإبقاء على الوصية الواجبة، مبرزا أن العلماء الذين صاغوا مدونة الأحوال الشخصية سنة 1957 راعوا الجانب الاجتماعي؛ وهو ما جعلهم يقرون الوصية الواجبة”، معتبرا أن الإسلام “مبني على التكافل الاجتماعي من خلال محاولة إيجاد الوسائل الضرورية لمساعدة كل من هو محتاج سيما إذا كانوا من الأقارب”.

وبين الرأي الذي طالب بحذف الوصية الواجبة والرأي الذي طالب بالإبقاء عليها، كان هناك رأي وسط بين أعضاء اللجنة الملكية الاستشارية لمراجعة مدونة الأحوال الشخصية، عبر عنه أحد الأعضاء بالقول: “إذا أجزنا هذه الوصية نكون قد خالفنا ظاهر الكتاب والسنة، وإذا أقدمنا على حذفها سيكون في الأمر إحراج”.

ودعا العضو ذاته إلى التعاطي مع المسألة بشكل مرِن، من خلال إعطاء وجهة نظر أعضاء اللجنة في المذكرة التي ستُرفع إلى الملك، “وفيها يذكر أن اللجنة تدارست موضوع الوصية الواجبة وأنه لم تجد لها أي سند شرعي ترتكز عليه، على أننا من جهة أخرى نعمل على التوسيع في باب التنزيل وتبسيط إجراءاته، ونرّغب الناس في العمل به”.

ولم يُفلح الأعضاء الذين طالبوا بإسقاط الوصية الواجبة في تحقيق مطلبهم، حيث تم الإبقاء عليها في المواد من 369 إلى 372 من مدونة الأسرة.

المصدر: هسبريس

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *