اخبار السودان

المليشيا و تحديات فتح سوق الحصاحيصا السودانية , اخبار السودان

 

المليشيا و تحديات فتح سوق الحصاحيصا

محمد حسن كبسور

بشكل يومي تقوم سلطة الأمر الواقع المتمثلة في مليشيا الدعم السريع في مدينتنا الحصاحيصا و في أريافها، عبر مكبرات الصوت بالمساجد، بمناشدة المواطنين ليعودوا لحياتهم الطبيعة و أن يفتحوا الأسواق والمحال التجارية والمرافق الطبية..!!

 

و مع قناعتنا بضرورة استمرار الحياة و إنقاذ ما يمكن إنقاذه، تبدو المناشدة حميدة و مفرحة في ظاهرها إن أغفلنا الحقائق المهمة والفاجعة والتي تتلخص أولاً في أن مصدر الدعوة هو ذات المليشيا التي أنتجت كل هذا الواقع الأسود الماثل أمامنا اليوم..!!

 

إن غياب ثقة المواطن في المليشيا التي لطالما تم اتهامها بالغدر ونكص العهود، قد تزايد بعد أن خذلت الأهالي في الحماية من مظاهر التّفلّت التي سبقت دخولها للمدينة عقب انسحاب قوات الشرطة و هروب المساجين. بل و تصدّرت المليشيا عمليات النهب بشكل افظع بعد ذلك. واكتمل مشهد غياب الثقة بعد أن جنّدت في صفوفها مؤخراً بعضا من أصحاب السوابق الجنائية من أبناء المدينة..!!

 

و فيما تبدو المليشيا مهمومة بتشغيل السوق والمستشفي لإعطاء انطباع بأن المناطق التي تحت سيطرتها بخير، أو ربما لتجهيز المدينة لنهب قادم، يرزح أغلب السكان المتبقين في المدينة تحت ظروف أمنية و اقتصادية وصحية قاسية خلفتها عمليات القتل و الترويع و النهب المبالغ فيه و التي طالت كل شئ ابتداءً من المركبات و المدخرات و أجهزة الاتصال و الإلكترونيات والمقتنيات وغيرها، ثم تمددت لتطال الأدوية و مخازن السلع الضرورية ومحال قطع الغيار والبقالات والمصانع و غيرها.

واكتمل مشهد الرعب بتخريب السوق وحرق عدد كبير من المحال التجارية والمرافق العلاجية والخدمية، لتكون المحصلة حالة كاملة من الشلل المريع في كل نواحي الحياة و المتناغم مع أصوات الأسلحة النارية وسط غياب كامل للطمأنينة التي تعد الركيزة الأهم لانطلاق أي نشاط..!!

 

وفيما تواصل المليشيا تزويد المخابز بالوقود والدقيق المسروقَين، وتزويد المرافق العلاجية القليلة العاملة بالدواء المنهوب من مناطقَ اخرى، تطل مسألة التموين كإحدى المعضلات الكبيرة في تشغيل السوق و غيره من المرافق.

 

و كانت المليشيا قد نظّمت حملة نظافة للسوق، و قامت كذلك بترحيل مواقف المركبات السفرية إلي داخل السوق، و أصرّت علي ترحيل الفِرِّيشة والباعة من الأحياء إلي داخل السوق وسط دهشة أفراد المليشيا وتساؤلاتهم حول: لماذا لم يفتح هذا السوق اللعين علي الرغم من كل ما بذلناه..!!

 

و يبدو أن المليشيا تعاني مشكلة حقيقية في فهم الأثر الذي خلفه الاجتياح الذي مارسته و ما صاحبه من أفعال مريعة علي المنطقة و أسواقها، فالمدينة كانت في أمان و نابضة بالحياة و العمل و تحتضن ساكنيها وضيوفهم الهاربين من جحيم حرب الخرطوم و الآملين في رجوع جميل قريب.

ثم كان الاجتياح و ما صاحبه من جرائم و انتهاكات، فصار القادم مجهولاً بعد أن توسّعت رقعة الصراع لتشمل مناطق جديدة أوسع..!

 

و في ظل الأضرار الكبيرة التي طالت أغلب المحال التجارية والبضائع في السوق، يبرز السؤال المهم في الأذهان حول قدرة الناس علي البداية من جديد تحت مظلة من فعل بهم هذا، و تطل معه المخاوف حول الجدوى الاقتصادية لأي عمل في ظل هذه الظروف المحفوفة بالمخاطر والمفتوحة علي احتمالات تكرار عمليات النهب خصوصاً تلك التي ارتبطت بالمليشيا و أعوانها.

و تجدر الاشارة هنا إلى أن السرقات و إن تباطأت وتيرتها لا تزال مستمرة خصوصاً في الأحياء.

كما تعد احتمالات القصف الجوي من الطرف الآخر للحرب أيضاً مهدداً لا يمكن تجاهله عند الحديث عن فتح السوق أو استمرار ما تبقى من حياة.

 

و تتصدر مسألة جبر الضرر و تعويض المتضررين من السرقات و التخريب حافزاً مهماً في مسألة فتح الأسواق، كما تعد مسألة تشغيل المواصلات الداخلية تحدٍ آخر يتعارض كلياً مع سياسة المليشيا في نهب العربات والركشات والتكاتك والمواتر. ويظل موضوع ٱرجاع مركبات الناس واحدا من أوجب متطلبات تشغيل السوق.

 

ختاما لن تكفي المناشدات فقط لٱعادة الحياة إلى طبيعتها، فما حدث لم يكن بسيطاً أبداً، و ستستمر آثاره الاجتماعية والاقتصادية والأمنية لفترة ليست بالقصيرة، كما لن تجدي الحلول بالتجزئة، و ستظل المهمة الأساسية والواجب إنجازها هي إيقاف الحرب في كامل ربوع الوطن.

المصدر: صحيفة التغيير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *