اخبار السودان

أي مجلس سيادة وأي جيش وأي تفويض؟؟

د. أحمد عثمان عمر

 (١) عدنا مجددا إلى نغمة تفويض الجيش مضافا اليها هذه المرة الاعتراف بشرعية مجلس السيادة ، في إطار حملة واسعة من نفس الحركة الإسلامية ومن معها ممن يسعرون الحرب ويطالبون بإستمرارها ، بالمواكبة مع هجوم بشع على كل من يقول “لا للحرب”، وتضييق غير مسبوق على الحريات، واعتقالات مستمرة للناشطين من القوى المدنية ، في محاولة مسعورة لتجريف الساحة السياسية. كل ذلك الهدف منه واضح، وهو التمهيد لعودة الحركة الإسلامية لسلطة استبدادية مطلقة عبر الحرب ورسملة نتائجها ، عبر المفاوضات المتوقعة مع مليشيا الجنجويد المجرمة في حال قيامها. فتجريف الحياة السياسية يسمح بإعادة تشكيل الخارطة السياسية بمستوى يرفع القدرة التفاوضية للحركة الإسلامية ممثلة بالجيش المختطف ، ويمنع مشاركة قوى التيار التسووي في الغنيمة او على الاقل يقلل نصيبه عند لحظة توزيع الغنائم. ولتحقيق ذلك، لا بد من ترفيع الجيش المختطف إلى موقع سلطة شرعية ، ممثلة في مجلس سيادة شرعي يمثل الدولة ويحظى بمكانة دولية تؤهله ليصبح صاحب الصفة في الحكم وفي تمثيل السودان في المحافل الدولية. ولهذا نرى الحساسية المطلقة تجاه تجاهل المجتمع الدولي لسلطة الأمر الواقع ومؤتمر باريس مثال لذلك ، ومحاولة اكتساب الشرعية البائسة عبر دعوات التفويض المتكررة ، توسلا لشرعية لا سبيل لاكتسابها دستوريا بأي صورة من الصور. والأسئلة المنطقية التي يثيرها الحديث الممل عن تفويض الجيش والاعتراف بشرعية مجلس السيادة ، هي اي جيش وأي مجلس سيادة وأي تفويض ولماذا الان؟

(٢) والملاحظة الاولى على خطة التفويض هذه هي انها تبحث عن شرعية لمجلس السيادة غير الشرعي ، عبر تفويض الجيش المختطف ، بدلا عن ان تبحث عن هذه الشرعية في الوثائق التأسيسية التي تم تكوين هذا المجلس وفقا لها بصورة طبيعية. فالمعلوم هو أن أي مؤسسة دستورية ، تستمد شرعيتها من الدستور لا من أي مؤسسة أخرى من مؤسسات الدولة. والدستور الذي يحكم البلاد حتى هذه اللحظة ، هو الوثيقة الدستورية المعيبة، ووفقا لها هذا المجلس المزعوم غير شرعي حتى ينقطع النفس. فهو ناشئ عن انقلاب عسكري ، تم تعديل الوثيقة الدستورية بموجبه تعديلا غير دستوري وباطل ، صادرا من رئيس مجلس السيادة السابق ، الذي لا تعطيه الوثيقة الدستورية حق اصدار اي تشريع من أي نوع ناهيك عن تعديل الوثيقة نفسها والتشريع على مستوى دستوري. ولسنا في حاجة للقول بأن مابني على باطل فهو باطل. وانعدام الشرعية هذا، يؤكده رفض المجتمع الدولي بلا استثناء الاعتراف بإنقلاب أكتوبر ٢٠٢١م المؤسس لهذا المجلس ، والفشل في تعويمه برغم توقيع اتفاق برهان/حمدوك الذي شرعن الانقلاب في السياسة الداخلية وكان سقطة كبرى لا تغتفر ل”المؤسس”. ومؤدى ما تقدم ، هو أن أي محاولة لشرعنة هذا المجلس ، تصدم مباشرة بالدستور ساري المفعول الذي يثبت عدم الشرعية الناتجة عن بطلان التعديلات التي اجراها قائد الانقلابات المزمن عليه ، وبحقيقة انه سلطة أمر واقع نتجت عن انقلاب عسكري صريح وغير معترف به. لهذا لا يمكن ان يستمد المجلس المزعوم شرعيته من الجيش المختطف الذي قام بالانقلاب وتنكر للشرعية سارية المفعول بموجب الوثيقة الدستورية المعيبة الحاكمة من وجهة نظر دستورية محضة.

(٣) والجيش المختطف نفسه ، لم يعد هو المؤسسة العسكرية الشرعية القومية المتعارف عليها ، من الناحيتين القانونية والسياسية. فمن ناحية قانونية ، يخضع الجيش الان لقيادة غير شرعية لم تعين بالصورة القانونية المطلوبة في قانون القوات المسلحة. فالقائد العام الذي يخضع الجيش غير شرعي لأنه لم يعين من قبل رئيس الجمهورية المعزول ولا من قبل رئيس وزراء الحكومة الانتقالية الذي آلت اليه سلطات الرئيس بنص الوثيقة الدستورية المعيبة. فهو قد عين نفسه بنفسه كقائد للقوات المسلحة ، والقانون ببساطة لا يعطيه هذه السلطة واغتصاب السلطة لا يكسبه الشرعية. فوق ذلك وبالإضافة اليه ، قائد الجيش الذي يأتمر الجيش بأوامره غير شرعي بموجب صريح نصوص قانون تقاعد ضباط القوات المسلحة ، وذلك لتجاوزه السن القانونية. وهذا يعني ان الجيش الان مؤسسة غير شرعية تنفذ أوامر قيادة غير شرعية وتأتمر بأوامرها. أما من الناحية السياسية ، فالجيش الحالي هو منفذ انقلاب القصر على المخلوع ، وهو الحاكم بصورة غير شرعية لحين اصدار الوثيقة الدستورية ، وهو المسئول عن منع الانتقال واستمرار التمكين ، وهو المسئول عن فض الاعتصام ، وهو المسئول عن اختطاف السلطة التشريعية واستمرار قتل الثوار في ظل حكومة ما بعد سقوط المخلوع شبه المدنية ، والمسئول كذلك عن انقلاب أكتوبر ٢٠٢١م الذي قوض النظام الدستوري ، والمسئول ايضا عن جرائم الحرب المستمرة منذ اندلاعها وعن اشعال الحرب تماما كما مليشيا الجنجويد المجرمة مسئولية عن ذلك ، والمسئول فوق ذلك عن صناعة مليشيا الجنجويد المجرمة وتمكينها ، وعن الفشل في القيام بواجبه الدستوري والقانوني بحماية المواطنين من بطشها وتنكيلها. ولو تجاوزنا جدلا حقيقة أن الشرعية لا تستمد من المؤسسات بل تستمد من الدستور، وقبلنا بأن يستمد مجلس السيادة المزعوم شرعيته من الجيش ، نجد ان الجيش نفسه غير شرعي ، وكما يقال في المثل الدارج ” مقدود ما رقع مقدود”، ولا شرعية تستمد من جسم غير شرعي حتى وان قبلنا بتجاوز صحيح الوضع القانوني والدستوري ورضينا بأن تشرعن مؤسسات أجسام أخرى.

(٤) مفاد ما تقدم هو المطالبة بتفويض الجيش المختطف وشرعنة مجلس سيادة الانقلاب عبر ذلك التفويض ، هو محاولة جديدة لشرعنة انقلاب الحركة الإسلامية الذي أعادها للسلطة وجعل منها سلطة أمر واقع تنازعها مليشيا الجنجويد المجرمة هذه السلطة في المواقع التي احتلتها. ومناورة لتوزيع نفس الخمر العتيقة في قناني جديدة ، لن تغير من طبيعتها ولا وضعها القانوني حتما ، ولن تسمح بشرعنة لانقلاب فشل تعويم نفسه حينما كان فتيا وطرفي الحرب الماثلة على رأسه معا في وحدة قيضت لهما ارتكاب جميع الجرائم منذ انقلاب القصر الذي قطع الطريق امام انتصار الثورة. والمطالبة المذكورة في هذا الوقت ، تعني ان الجيش المختطف يفتقر إلى الشرعية المطلوبة ، ويحتاجها بشدة لتحسين قدرته التفاوضية في منبر جدة المتوقع انعقاده مجددا خلال هذا الشهر ، وهي تؤكد معرفة القيادة غير الشرعية للجيش بأنها بلا شرعية دستورية أو قانونية ، وأنها بحاجة إلى تفويض ما يجعل لها صوتا مقبولا ومركزا افضل عند مواجهة المجتمع الدولي. والمطالبة ايضا تأتي في اطار محاولة الحركة الإسلامية شرعنة واجهة سلطتها الانقلابية (مجلس السيادة) ، مع إعطاء شرعية لاستمرار الحرب وذخيرة لمن يصرخون لتسعيرها، في اطار تسويق بعض انتصارات الجيش المختطف المحدودة، بإعتبارها مقدمة لنصر حاسم ليس هناك اي نذر بحدوثه في ظل توازن القوى بين الجيش المختطف ومليشيا الجنجويد المجرمة. وخلاصة الأمر هي انه لا تفويض لمؤسسات غير شرعية ، ولا شرعية تكتسب من تفويض أصلا بالمخالفة لنصوص الدستور ساري المفعول، ولا شرعية ستعطى لانقلاب اكتوبر ٢٠٢١م والمؤسسات غير الدستورية الناشئة عنه. ونحن نثق في ان شعبنا واع ولا يحتاج إلى من ينبهه إلى ذلك ، بالرغم من ضغوط الحرب وتداعياتها. فإستجداء التفويض عبر استغلال ضغوط الحرب والخوف من المليشيا المجرمة مصيرها الفشل الأكيد. وقوموا إلى ثورتكم يرحمكم الله!! .

المصدر: صحيفة الراكوبة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *