اخبار السودان

لماذا فشلت مبادرات إيقاف حرب السودان؟! السودانية , اخبار السودان

 

اندلعت الحرب في أبريل الماضي بسبب خلافات حول صلاحيات الجيش وقوات الدعم السريع التي نص عليها الاتفاق الإطاري الذي وقعت عليه قيادة الطرفين، تمهيدا لنقل السلطة المدنية وإجراء انتخابات حرة

تقرير: التغيير

تدخل حرب 15 أبريل بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، عامها الثاني دون أن تضع المبادرات الإقليمية والدولية حدا لمعاناة الشعب السوداني الذي تدفق بالملايين في مخيمات النزوح واللجوء بالداخل والخارج، وسط تحذيرات دولية من مجاعة كارثية تضرب السودان بعد تدمير البنية التحتية بشكل كامل. كما فشلت الجهود المحلية والإقليمية والدولية في إنهاء الصراع المستمر منذ سنة  بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.

اندلعت الحرب في أبريل الماضي بسبب خلافات حول صلاحيات الجيش وقوات الدعم السريع التي نص عليها الاتفاق الإطاري الذي وقعت عليه قيادة الطرفين، تمهيدا لنقل السلطة المدنية وإجراء انتخابات حرة.

مبادرات عدة

طرحت قوى دولية وإقليمية ومحلية مبادرات عدة لوقف القتال حتى لا يصل إلى حرب أهلية شاملة، من أبرزها المبادرة السعودية الأميركية المعروفة  بـ”منبر جدة”، ومبادرة الهيئة الحكومية للتنمية” إيغاد”، ومبادرة دول الجوار التي تضم مصر وإثيوبيا وجنوب السودان وتشاد وليبيا وأفريقيا الوسطى وإريتريا، بالإضافة إلى “وثيقة المنامة” التي كانت آخر مبادرات العام الماضي لحل الأزمة السودانية، التي انخرط فيها بسرية نائب قائد الجيش شمس الدين كباشي ونائب قائد الدعم السريع عبد الرحيم دقلو، بواسطة ثلاث دول، إلا أن كباشي عقب عودته من العاصمة البحرينية المنامة هاجم القوى السياسية وقوات الدعم السريع أمام جمع من أفراد الفرقة 18 مشاة  بمدينة كوستي في ولاية النيل الأبيض جنوب السودان، وأكد أن لا تفاوض مع ما وصفها بـ” المليشيات المتمردة وشدد على أن “الحل سيكون عبر البندقية”.

إيجاد تسوية

يقول المحلل السياسي د. محمد تورشين، إن المحاولات كانت ترمي لإحداث تسوية سياسية من خلال منبر الإيغاد والاتحاد الأفريقي، ودول جوار السودان ممثلة في مصر والمبادرة الليبية، ومنبر جدة ومباحثات المنامة. وكلها مساع إقليمية ودولية الغرض منها محاولة إيجاد تسوية.

ويضيف تورشين لـ«التغيير» أن كل المبادرات فشلت تماما لأنها لم تحقق أي هدف ولم تناقش القضايا بشكل جاد، ومنبر المنامة لم يتم الكشف عن تفاصيله.

وأشار إلى أن “منبر جدة من أكثر المنابر دقة وتنظيما، وحتى الآن لم يتم الكشف عما تمخضت عنه الكثير من الاتفاقيات، بحيث إن الجيش السوداني يتحدث عن إعلان المبادئ الذي تم توقيعه في مايو الماضي، ولم يتم الإيفاء والتنفيذ من قبل الدعم السريع، لذلك أتوقع أن تكون المسألة معقدة جدا ومستمرة هكذا”.

حل الأزمة

وأوضح تورشين، أن الحراك لم ينجح لاعتبارات عدة لأن كل الأطراف التي طرحت هذه المبادرات لديها تحفظات ولديها رؤى للحرب ومن أشعلها ومن المستفيد منها، وكل طرف لديه مقاربة مختلفة وكل هذه المقاربات والتباين في وجهات النظر لا تسهم في إيجاد تسوية أو حل للأزمة وربما يعقدها.

ولفت محمد تورشين، إلى أن المجتمع الدولي سينشغل في مقبل الأيام بمسائل مهمة كالغزو الإسرائيلي لغزة والحرب في أوكرانيا، إلى جانب أن القوى الأوروبية لديها انتخابات داخلية، والولايات المتحدة الأمريكية لديها انتخابات داخلية أيضا، كل هذه الأمور ستجعل القوى العظمى منشغلة بحالها في ظل محاولة إعادة تشكيل النظام العالمي الجديد، وهذا الأمر يجعل كثير من التحالفات تتشكل في إطار هذه الوضعية”.

وتوقع المحلل السياسي، أن يؤثر ذلك على مجريات الحرب في السودان، بالإضافة إلى أن التفوق في ميدان القتال سيفرض أجندته التفاوضية ورؤيته للفترة المقبلة”.

جهات خارجية

ساعد دخول دول عربية وغربية في تأجيج الصراع في السودان، سواء على المستوى السياسي أو العسكري أو اللوجستي، مما أعاق جهود السلام، وظهر التدخل الخارجي بشكل علني بعد الشكوى التي قدمتها بعثة السودان في الأمم المتحدة ضد دولة الإمارات، واتهامها لها بشكل صريح بأنها تدعم قوات الدعم السريع.

وسبق أن حذرت استخبارات إقليمية ودولية من أن الصراع في السودان قد يتحول إلى حرب بالوكالة بين دول إقليمية ودولية تسعى لتعزيز نفوذها في المنطقة بسبب الموقع الاستراتيجي للسودان على ساحل البحر الأحمر الذي يشهد تنافسا إقليميا ودوليا وتناميا للوجود العسكري والأمني لدول ذات مصالح متضاربة، ومن المتوقع أن يؤدي هذا التنافس إلى نشوب توترات قد تتطور إلى عنف دولي وإقليمي مسلح.

تحقيق أهداف

يقول أستاذ العلاقات الدولية بالجامعات السودانية د. عبد الرحمن أبو خريس، إن الحرب ليست سودانية سودانية بسبب التدخل الدولي منذ أيامها الأولى وهذا يطول فترتها، باعتبار أن المصالح الخارجية أكبر من المصالح الداخلية، ولديهم أهداف يريدون تحقيقها من خلال الحرب.

ويضيف أبو خريس لـ«التغيير» أن الانقسامات الداخلية بين المدنيين وعدم وضعهم لرؤية موحدة لإيقاف الحرب جعل طرفي النزاع، يلجأون إلى الاستنفار لحسم الحرب عسكريا وهذا يضيق المبادرات لحل الأزمة السودانية.

وشدد على أن يكون الحل عبر حوار سوداني سوداني يجلس فيه الجميع لمناقشة قضايا العالقة منذ قيام الدولة السودانية.

واستعصى حل الأزمة السودانية على القوى الدولية والإقليمية والمحلية، وفشلت جميع محاولات حل الصراع، سواء من خلال المفاوضات أو الضغوط الدولية، فيما يرجع مراقبون أسباب الفشل إلى تعنت الأطراف المتنازعة، وعدم وجود إرادة حقيقية للوصول إلى حلول مرضية للطرفين “.

المؤتمر الوطني

وبدوره، يرى عضو تنسيقية القوى المدنية والديمقراطية “تقدم” ماهر أبو الجوخ، أن “الحرب بعد عام أثبتت أن تكلفة استمرارها مروعة وكارثية وأن الإسراع في إيقافها يظل هو الخيار الأفضل للبلاد والعباد، ففعليا لو قدر لهذه الحرب أن تتوقف في الأيام أو الأسابيع أو الشهور الأولى لكان حجم الخسائر البشرية والإنسانية والاقتصادية والاجتماعية والنفسية أقل من تكلفة استمرارها وتمددها، وفي ذات السياق فإن الإسراع بوقفها الآن سيكون أقل تكلفة من تحقيق هذا الأمر بعد مرور عامين أو ثلاثة”.

ويضيف أبو الجوخ لـ«التغيير»، أن السمة الأساسية الواضحة للعيان بعد عام على اندلاع الحرب هو صعود وبروز دور حزب المؤتمر الوطني المحلول في إدارة وقيادة هذه الحرب، لكن بالتوازي مع ذلك فإنه بعد مرور عام على الحرب تبدو التصدعات داخل المعسكر المساند للجيش أكثر وضوحا من قبل وهذا مؤشر خطير باعتباره قد ينتج في حال استمراره وتصاعده لانفجار الخلافات وسط هذه المجموعة المتعددة التي تفتقد للانسجام وتختلف وتتنازع المطامع بين مكوناتها في ما يجمعها بشكل أساسي الكراهية من القوى السياسية الديمقراطية المدنية عموما وتحالف قوى الحرية والتغيير باعتبار أن هذا هو القاسم المشترك الوحيد بينها حيث تتربص كل مجموعة وقيادات بالآخرين”.

وتابع:” لذلك فإن في ما يجمعها بشكل أساسي الكراهية من القوى السياسية الديمقراطية المدنية عموما وتحالف قوى الحرية والتغيير باعتبار أن هذا هو القاسم المشترك الوحيد بينها حيث تتربص كل مجموعة وقيادات بالآخرين، ولذلك فإن اندلاع صراع هذه المجموعات المتناقضة سيترتب عليه تعقيدا للمشهد، لكنه على الناحية الأخرى قد يفتح الطريق أمام الاقتناع بضرورة إنهاء الحرب لكون ضررها أبلغ والمستفيدين منها فئة محدودة أبرزهم قادة ومجموعة النظام البائد وحزبه المحلول، مع عدم إغفال ارتباك انتهاكات بواسطة قوات الجيش سواء كان عبر القصف الجوي للمناطق المأهولة بالمدنيين خاصة عبر الطيران أو الاعتقالات واستهداف على أساس اثني أو بسبب التصنيف على أساس الموقف السياسي من منسوبي القوى السياسية أو أعضاء لجان المقاومة وغرف الطوارئ بشكل إجمالي فإن الشق الأكبر من تلك التجاوزات مرتبطا بشكل أساسي بمنهجية وسياسة ورؤى النظام المباد وبالتالي فإن هذه التجاوزات تبقى ذات صلة بقيادة وارتباط النظام المباد بالحرب.

وأردف: “بالتوازي مع ذلك فإن الدعم السريع الذي خالف توقعات الكثير من المراقبين والمحللين ولا يزال قادرا على الوجود العسكري الذي أظهر براعة عسكرية وإعلامية وحتى في تقديم خطاب سياسي بوصفه يخوض معركة ضد الفلول والنظام المباد ويسعى لتأسيس حكم مدني ديمقراطي، إلا أنه تأثر بتورط قواته والمجموعات المتحالفة معه في انتهاكات مروعة لحقوق الإنسان واستهداف أملاك المواطنين وهو ما جعله فعليا في وضع سياسي وأخلاقي أضعف وهو ما أثر على استراتيجيته في التمدد صوب مناطق جديدة سيما بعد التداعيات التي نتجت عن سيطرة قواتها على ولاية غرب دارفور ومناطق واسعة بولاية الجزيرة ومدينة ود مدني حيث تسبب سلوك قواتهم في تلك المناطق في إحراج قيادة الدعم السريع وما ترفعه من شعارات وجعلهم في خانة المتهمين بارتكاب جرائم حرب وقد يكون سبب في تقليل اندفاع قواتهم لمناطق جديدة خوفا من توسعة نطاق الانتهاكات”.

وأشار إلى أن أبرز نتائج الحرب متمثلة في الحالة الإنسانية فالبلد الذي ينظر إليه باعتباره “سلة غذاء العالم” يواجه أكثر من عشرين مليون من سكانه خطر الموت جوعا بسبب انعدام الغذاء ويسجل حالات وفيات على مدار الساعة للأطفال جوعا”.

ويشهد السودان أسوأ كارثة إنسانية في العالم، ويعاني الملايين من السودانيين من نقص الغذاء والدواء والخدمات الأساسية، بينما يتعرضون للقتل والاغتصاب والتشريد والانتهاكات الممنهجة من قبل أطراف الصراع.

حذر برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، من أن أزمة الجوع في السودان ستصل لمستويات غير مسبوقة ما لم يحدث تدفق مستمر للمساعدات عبر جميع الممرات الإنسانية الممكنة.

ويحتاج نصف سكان السودان، أي حوالي 25 مليون شخص، إلى المساعدة الإنسانية والحماية، ويواجه ما يقرب من 18 مليون شخص انعدام الأمن الغذائي الحاد، وفقا لأرقام الأمم المتحدة.

وحثت بعثة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق بشأن السودان الخميس، الأطراف المتحاربة في السودان على الوقف الفوري لإطلاق النار، ووضع حد للهجمات على المدنيين، وضمان وصول المساعدات الإنسانية دون عوائق لملايين الأشخاص الذين هم في أمس الحاجة إليها، مع دخول النزاع المميت عامه الثاني.

وتطالب قوى دولية بفتح ممرات آمنة لإيصال المساعدات الإنسانية الضرورية لملايين السودانيين، وقالت سفيرة واشنطن بالأمم المتحدة:” إذا لم تتراجع القوات السودانية فورا على مجلس الأمن التدخل لإيصال المساعدات إلى دارفور”.

ولفت ماهر، إلى أن السودان يسجل أكبر حالة نزوح داخلي في العالم جراء الحرب مع استصحاب التداعيات الناتجة عن ظروف النزوح واللجوء، أما على المستوى الاقتصادي فبخلاف الدمار والخراب الذي طال البنية التحتية الاقتصادية المقدر بعشرات المليارات من الدولارات وما تلا ذلك من فقدان الملايين لوظائفهم ودخولهم وتراجع الإنتاج المحلي الزراعي وعودة دولة الجباية لتمويل الحرب وتنام وتمدد شبكات الفساد التي تستغل الأوضاع الناتجة عن الحرب التي ستثقل كاهل المواطنين والمواطنات”.

وقالت الأمم المتحدة إن المعارك بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع تسببت في نزوح 8 ملايين شخص، وفي 21 ديسمبر قدر متحدث باسم الأمم المتحدة أن النزاع يشكل “أكبر أزمة نزوح في العالم”.

ويقول ماهر، إن الملمح الأبرز لهذه الحرب هو تهاوي قبضة الدولة المركزية وتراجعها واندثارها سواء كان ذلك في مؤسساتها العامة العسكرية والمدنية فالأمر لم يقتصر على تسبب الحرب لنقل عاصمتها ومركز ثقلها الاقتصادي والسياسي والإعلامي من الخرطوم إلي بورتسودان، وإنما طال حتى قدرتها على التحكم في كل شيء ولأول مرة نشاهد مقر السلطة المركزية خارج نطاق خدمات أساسية كالإنترنت بشكل عقابي ومقصود في حين ظلت قادرة على التحكم في الخدمات وعقاب الآخرين، وفي ذات المنحى رأينا انتشارا لأجهزة أسترالينك التي تتيح الوصول المباشر للإنترنت دون احتياج للدولة ومؤسساتها وخارج نطاق سيطرتها وإمكانية سيطرتها وتحكمها، لذلك قد تبدو تلك حوادث عرضية إلا أن مضامينها تمثل فعليا تدشينا لحقبة جديدة خلال وبعد هذه الحرب سيكون الخاسر منها هياكل ومؤسسات الدولة المركزية التي بات واضحا أنها بعد نهاية هذه الحرب لن تكون كما كانت قبل 15 أبريل 2023 م حيث ستتغير الكثير من القواعد والأسس التي ستحدث تحولات سياسية واجتماعية واقتصادية غير مسبوقة في تاريخ السودان منذ استقلاله في يناير 1956 م.

بارقة أمل

على الرغم من الفشل الذي لازم كل المنابر والمبادرات إلا أن منبر جدة لا زال يمثل بارقة أمل حال توافق طرفا الصراع على العودة إليه تحت الضغط الداخلي والخارجي، باعتبار أنه المنبر الوحيد الذي نجح في جمع الطرفين بعد اندلاع الحرب، كما أنه نجح في حملهما على توقيع عدة هدن سابقة واتفاقات بشأن تأمين المدنيين وانسياب المساعدات الإنسانية.

 

 

المصدر: صحيفة التغيير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *