اخبار السودان

الوطن أنثى إلاّ السُّودان الرجل «أبو جلابية وتوب»

الوطن “أنثى” إلاّ السُّودان الرجل أبو “جلابية وتوب

عبد الله عيدروس

كثيراً ما أوقفتني عند سماعي لنشرات الأخبار العربية عن السودان قول مذيع أو مذيعة النشرة: “ورفضت السودان”، أو “اعترضت السودان”، أو غيرها من الكلمات بإعتبار أن التأنيث مرتبط  بالفاعل في الخبر، وهو “الدولة” التي تؤنث، وأعتقد أن ما لفت نظري بأن أدبنا، وفننا في السودان يخاطب الوطن مذكرًا، وربما في صورة “الأب” بينما في سياقنا الإقليمي العربي يقترن الوطن بصورة الأنثى، أو “الأم”. فالسوريون مثلا: سوريا عندهم مؤنثة، وكذلك مصر وليبيا، وكل باقي الدول، ربما لا يشابهنا في ذلك سوي العراق.

قد يكون مصدر “التذكير” الذي يخلق البلبلة لدينا من اللغة العربية نفسها، فالكلمة “السودان” في المؤلفات العربية القديمة يقصد بها الأقوام سود لون البشرة، في مقابل “البيضان” للأقوام ذوو البشرة البيضاء، والاسم هنا مذكر لكن عند قول: “بلاد السودان”، فهنا البلد مؤنث و”دولة” السودان أيضا الدولة مؤنثة فمن أين جاء التذكير في الوجدان والأدب السوداني؟

تعد أغاني الفنان الراحل محمد وردي الوطنية من أكثر الأغنيات انتشارا، وإذا أخذنا نماذج منها مثل: أغنية (يا بلدي يا حبوب) فنجد “يا بلدي يا حبوب/ أبو جلابية وتوب/ وسروال ومركوب/ وجبة وصديرية وسيف وسكين/ يا سمح يا زين”. فهنا تجد الوطن في خاطر شاعر القصيدة سيدأحمد الحاردلو رجل من خلال الإشارة الرمزية إلى قطع الملابس، والملحقات التراثية السودانية، بما فيها “التوب”. فالسياق الذي يذكر فيه يحدده بما كان يلبسه الرجال، ولا زال البعض في أواسط وشرق السودان.

ولنأخذ نموذجا آخر من أغنيات (محمد وردي)، وكلمات الشاعر (محجوب شريف)، وهي أغنية “وطنا الـ باسمك كتبنا ورطنا”، وهي نص يخاطب الوطن فيه في كامل الأغنية في مقام التذكير؛ وكذلك في أغنية “عرس الفداء” للشاعر مبارك بشير يستمر الاستغراق الوجداني في مفردة “الوطن” مذكرا وهنالك غيرها من الاغنيات الكثير.

الحالة الوحيدة التي تأنث فيها الوطن كانت في أغنية “عزة في هواك”، للفنان ومؤلف كلماتها خليل فرح, وهنالك رواية متواترة عن تفسير ذلك في أن المخاطب في النص كانت “العازة” زوجة البطل “علي عبداللطيف”، زميل خليل فرح في حركة اللواء الابيض التي قاومت الاستعمار.

هنالك طبعا أيضآ الشاعر حميد الذي يوطن في وجدانه “نورا” كرمز للوطن، وهي ماخوذة من اسم بلدته ومسقط رأسه “نوري” التي هي “نورا” ذاتها بلهجة قومه الشايقية.

هل السودان مذكر أم مؤنث؟ فلنتأمل هذه الفكرة ونتوغل في الأسئلة، وربما سبب هذا العنف الرابض في جنبات أرض الوطن سببه هذه الجلابيب والسيوف والسكاكين في صورته الوجدانية المتخيلة.. فماذا لو كانت صورة أنثي؟

 

المصدر: صحيفة التغيير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *