اخبار المغرب

الصمدي يحث على مناقشة “مدونة الأسرة” وينتقد المبشرين بانقسام المغاربة

في سلسلة من الكتابات يشارك الأكاديمي وكاتب الدولة الأسبق المكلف بالتعليم العالي والبحث العلمي خالد الصمدي آراءه في النقاش الوطني الراهن حول إصلاح “مدونة الأسرة”، مدافعا عن قضايا من بينها عدم “تحنيط المنبر”، و”عدالة نظام الإرث” الإسلامي، و”ضرورة إشارة الأصبع إلى المشاكل الحقيقية” للأسرة والمجتمع، ومنها فساد العلاقات الاجتماعية وإفسادها.

واجب مناقشة الخطباءِ “المدونة”

قال الصمدي، ردا على رأي أن “السجال في قضايا الأسرة هو موضوع ذو بعد سياسي وتقدير شخصي واختلاف فكري، ينبغي ألا يثار على المنابر”، إنه يراد “فرضه على الخطباء حتى يبتعدوا عن تناوله بالنقد والبيان”، بينما “الأسرة وإصلاح مدونتها (…) شأن شرعي خالص ذو أبعاد دينية مجتمعية تربوية حقوقية اقتصادية تمس كل بيت؛ وبالتالي يقتضي البيان والتوضيح والفرز الصريح من الفقهاء والوعاظ والعلماء في وقت البيان والحاجة إليه”، مردفا: “قال علماؤنا رضي الله عنهم: ‘تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز’. ولماذا يصلح المنبر إذا لم يتناول فيه الخطيب قضايا المجتمع وصيانة الهوية والانتماء من كل انحراف بحسن تواصل ووسطية واعتدال؟ وإذا لم ينبه فيه إلى أقوال السامري وما فيها من أضاليل، يصبح بها ويمسي على الناس في كل المنابر المفتوحة أمام خُوارِ عجله الصقيل؟”.

وزاد المتحدث ذاته: “إذا حُرِم العلماء من وسائل الإعلام الرسمية والرقمية، وحيل بينهم وبين الناس، فأين يسمع الناس صوت الحق؟ وإذا لم يطلع الشباب على رؤية الإسلام لكثير من القضايا الدينية والشرعية في دروس وخطب المساجد ومحاضرات العلماء فأين سيجدون ذلك؟”، ثم استدرك قائلا: “نعم المنبر ينبغي أن يظل بعيدا عن السيئ من القول، وعن الاتهام، وتصنيف الناس بالتشكيك في النيات، لكنه منبر الأمة الذي ينوب فيه الخطيب عن أمير المؤمنين الإمام، وعن رسول الله خير الأنام، بأدب التنبيه (ما بال أقوام يقولون كذا وكذا). وقد خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يقل إلا حقا وصدقا في كل ما يهم المجتمع والأمة”، ثم أجمل بالقول: “وهذا وقت البيان قبل انهدام البنيان”.

كلفة انهيار الأسرة

في مقال بعنوان “وهم صناعة التيار” انتقد خالد الصمدي “المبشرين بانقسام المجتمع المغربي في علاقته بالنقاشات الدائرة حول المدونة إلى فسطاطين، وتيارين”، أي بين “من يقدس الإنسان”، و”من يقدس الأديان”، ثم علّق بأن هذه الفكرة توحي بأنه “لا يوجد في هذا البلد منذ تلكم الحقبة إلى اليوم علماء ولا فقهاء ولا مؤسسات علمية ودستورية، ولا باحثون نفسيون وسوسيولوجيون ولا أطباء ولا اقتصاديون، ولا قانونيون ولا مشرعون ولا قضاة مجتهدون، ولا أساتذة ولا مربون ولا آباء وأمهات واعون”.

ويدافع كاتب الدولة السابق المكلف بالتعليم العالي والبحث العلمي عن أن “المغرب لم يكن يوما ولن يكون حبيس هذه الثنائية المتوهمة”؛ بل “قد أصبح لمعظم المغاربة، وخاصة الشباب منهم، من الوعي الديني والفكري والاجتماعي والأسري ما جعلهم يعزلون” أصحاب هذه الدعوى، “بعد أن انتبهوا إلى خدعة تشويه المفاهيم وتسويقها، وفهموا علاقة النص الشرعي بالاجتهاد وحدوده، وميزوا بين الحكم والفتوى، وانتبهوا إلى أهمية القيم في صيانة الإنسان وإقامة العمران، دون تناقض مع الشرائع والأديان، بعد أن انفضحت الأجندة الدولية لحقوق الإنسان (…) وتكسرت على صخرة العزة أزلامها، وثار عليها الناس في بلدانها، وفقدوا الثقة في مؤسساتها”، في إشارة إلى الحرب الإسرائيلية على غزة المستمرة منذ ما يزيد عن نصف سنة، والمدعومة أمريكيا ومن دول أوروبية.

ومن بين ما انتقده الصمدي “كلفة انهيار الأسرة” التي تُهمَل في النقاش؛ ومفادها أنه “بانهيار حضن الأسرة” ينبغي أن تُفتح مؤسسات من بينها: دور رعاية الأطفال المتخلى عنهم، دور العجزة، مزيدٌ من السجون، انتشار دور البغاء، مؤسسات التكفل بالأمهات العازبات وأطفالهن، دور رعاية ذوي الاحتياجات الخاصة الذين تتخلى عنهم الأسر، مؤسسات علاج الإدمان والمخدرات، مزيد من المستشفيات لعلاج الأمراض النفسية، وأخرى للقيام بعملية الإجهاض، و”مساحات لدفن أجنة الزنا المسمى زورا العلاقات الرضائية”، وفتح مؤسسات تعليمية جديدة لاستدراك الهدر المدرسي الناتج عن عدم الاستقرار الأسري.

ثم علق المتحدث بأن “انهيار الأسرة” ترافقه “كلفة اجتماعية ونفسية ومادية كبيرة على الدولة والمجتمع؛ ولذلك كان الاستثمار في استقرار الأسرة استثمارا في استقرار الدولة والمجتمع، وانهيار هذه المؤسسة فتح للمجتمع على المجهول”، كما أنه دافع عن أن “حماية حقوق الطفل تبدأ بقوله تعالى: (ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا)”.

ثم استرسل الصمدي: “إلى الذين يتباكون على حق الطفل المولود من علاقة زنا في النسب، قائلين ما ذنب هذا الطفل الذي جاء إلى هذا الوجود ولم تكن له يد في ما صنع والداه، حين عبثا بنطفهما ذات يوم في نزوة عابرة وعلاقة غير محسوبة؟ كيف تتباكون على وضع هذا الطفل البريء وقد دافعتم باستماتة عن الحرية الفردية في العلاقات الجنسية، ورفع التجريم عن الزنا واعتبرتموه حرية شخصية في التصرف في الجسد، ودعوتم إلى توزيع العوازل الطبية وموانع الحمل في الطرقات بزعم الصحة الإنجابية، ودعوتم إلى حرية الإجهاض، وروجتم في وسائل الإعلام أن هذا الشكل من الحمل لا ينبغي أن ينظر إليه بنقص بقدر ما ينبغي تقبله بزعم أنه واقع في نظركم لا يرتفع؟”.

وواصل صاحب المقال: “لقد اعتبرتم تنظيم العلاقات الاجتماعية بالحشمة والستر تخلفا وتحجرا، حتى إذا وقع الحمل غير المرغوب صرتم تبحثون له عن أقرب طريقة للتخلص منه بالإجهاض، ولا مانع لديكم من رمي الأجنة في مطارح النفايات، ومن نجا منهم من هذا الوأد المعاصر والكارثة الماحقة صرتم تبحثون له يمنة ويسرة عن نسب وعنوان، عن طريق الدعوة إلى استخدام التحاليل الطبية، وحتى وإن نسبتموه لأب من زنا بأي طريقة كانت فسيعيش هذا الطفل البريء أو الطفلة البريئة عاهات نفسية مستدامة حين يصير شابا ويعرف أنه ابن علاقة غير شرعية، وسوف تتجنب الأسر مصاهرته مستقبلا، إن رغب في الزواج حرصا على استمرار واستقرار أنسابها الشرعية”.

نظام الإرث ونقاشُ التعصيب

في باب الإرث ذكر الصمدي أن “نظام الإرث في الإسلام كما هو معلوم لدى الجميع كله فريضة من الله وبيان من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا مجال فيه للاجتهاد، سواء في ذلك الإرث بالفرض أو الإرث بالتعصيب (…) وتبقى الحالة التي يتداولها النشطاء ويركبون عليها للدعوة إلى إلغاء نظام الإرث بالتعصيب هي حالة ميراث الأعمام أو أبنائهم إن اجتمعوا في التركة مع بنت أو بنات المتوفى حين غياب الابن الذكر العاصب، مع إثارة ما يترتب على ذلك من ظلم محتمل للبنات وأمهم، فهذه الحالة الوحيدة لا يمكن أن تقوم مسوغا على الدعوة إلى إلغاء نظام التعصيب برمته، الذي تؤطره نصوص قطعية”.

وزاد المتحدث شارحا: “هذه الحالة لا تتعلق بخلل في منظومة الإرث يقتضي الإصلاح، لكن مردها إلى خلل في نظام العلاقات الاجتماعية الذي ينبغي الاشتغال العميق بإصلاحه. وقد تضمن الفقه الإسلامي حلا لهذه النازلة في نظام الهبة والصدقة دون المساس بنظام الإرث، ويتمثل هذا الحل في هبة الأب لابنته أو بناته ما يشاء من ممتلكاته قيد حياته إن خشي عليهن ضيق العيش بعد وفاته، مع احتفاظه بحق الانتفاع منها، وينتقل هذا الانتفاع إليهن بوفاته. وهذه المعاملة يسميها الفقه الإسلامي ‘العمرى’، وهي جائزة شرعا ولا خلاف فيها”، وتابع: “وبالتالي يكون الفقه الإسلامي قد اجتهد من خارج نظام الإرث في رفع ما يمكن أن يقع من ظلم اجتماعي لا علاقة له بنظام الإرث، بقدر ما له علاقة بفساد الطباع والعلاقات الاجتماعية، لأن الأصل أن يكون الوارث بالتعصيب حاميا للأنثى لا مضارّا لها وقد يصل به الأمر إلى التنازل لها عن حقه في الإرث توددا لها وصلة إن رأى في أخذ نصيبه من الإرث ضررا بها. وقد أعطت الدولة مثالا من نفسها على ذلك حين تنازلت في النص الحالي للمدونة عن حقها في الميراث بالتعصيب (بيت المال) للورثة الوارثين بالفرض عند عدم وجود عصبة”.

كما يقدّر خالد الصمدي أن “دعاوى إسقاط الإرث بالتعصيب برمته أو تغيير بعض مقتضياته بدعوى أنه اجتهاد باطلة ولا تستند إلى أي أساس شرعي، إنما الغرض منها خلخلة نظام الإرث عروة عروة، لا أقل ولا أكثر؛ وعوض أن تشير الأصابع إلى مكان الخلل وهو فساد العلاقات الاجتماعية والسعي إلى إصلاحه، وجهت أصابع الاتهام إلى نظام الإرث في الإسلام في محاولة لتغييره، وهو المنظومة المتكاملة التي تحقق أروع صور العدل والمساواة لأنها تنزيل من عليم حليم”.

“البوليميك” البرلماني

عبّر المسؤول السابق والأكاديمي خالد الصمدي عن اطمئنانه إلى “التعهدات المؤطرة لمراجعة مدونة الأسرة، إلى حدود مرور النص بالمجلس الوزاري الذي يرأسه جلالة الملك؛ فلن تتضمن بحال ما يحل الحرام أو يحرم الحلال، وستقدم اجتهادات في ما يحق أن يكون فيه الاجتهاد”، ثم استدرك قائلا: “لكن المغاربة سيضعون أيديهم على قلوبهم حينما سيحال المشروع على البرلمان بغرفتيه؛ ليس بسبب عدم إيمانهم بأدوار هذه المؤسسة في ترسيخ التعددية وتدبير الاختلاف، ولكونها فضاء للتداول الحر والنزيه لكل ما يحال عليها من مشاريع قوانين بغية تجويدها ثم التصويت عليها بما يعكس إرادة الأمة في تشريعات تلبي حاجتها وتستجيب لطموحاتها، أو بسبب عدم وجود نخب في مستوى تحمل المهمة التشريعية والقانونية بوعي ومسؤولية، وإنما يعود ذلك إلى أنهم يعلمون أنه وصلت إلى هذه المؤسسة التشريعية، بسبب تصويت غير مسؤول وغير محسوب العواقب، بعض العاهات المستدامة التي تعاني من منسوب عال من الأمية الأساسية الأبجدية، والجهل المطبق بخطورة الأدوار التشريعية لهذه المؤسسة”.

وتابع المتحدث بأن هؤلاء “لا يعيرون اهتماما لتأطير التشريع بمقتضيات الدستور، ولا يشعرون بخطورة الجهل الشرعي والعلمي والقانوني في المس بهوية المغاربة ومنظومة قيمهم الجامعة وهم يقومون بمهمة التشريع، همهم الوحيد هو إثارة الزوابع طلبا لـ’البوز’ (الإثارة)، مع نشر التدخلات على المباشر، في خرق سافر للقانون الداخلي للمجلس أو استغلال الجلسات العامة لإثارة الزوابع؛ وكل ذلك من شأنه أن يؤلب الرأي العام ويخرج هذا النص التشريعي الهام من التداول التشريعي المسؤول إلى البوليميك (الجدال العمومي) الذي يعطل التشريع عوض إغنائه والرفع من جودته”.

ثم استحضر الصمدي التنبيه الملكي في رسالة إلى البرلمان بمناسبة مرور الذكرى 60 لتأسيسه “إلى ضرورة توفر مجلس النواب بغرفتيه على مدونة للأخلاقيات تحفظ لهذه المؤسسة هيبتها وحرمتها، كما سبق أن أمر بتوفير الموارد المالية اللازمة التي تمكن الفرق البرلمانية من التوفر على خبراء مختصين في القضايا المعروضة على اختصاصات المجلس لإعداد دراسات بشأنها، وتمكين النواب منها للاشتغال في ضوئها، إيمانا (…) بحاجة المغاربة إلى نصوص تشريعية جيدة تحترم هويتهم الجامعة وتنظم شؤون حياتهم وترقى بها إلى ما هو أفضل”.

وأردف كاتب المقال: “نقول هذا من خلال تجارب مرة سابقة عشناها تحت قبة البرلمان حولت النص المحال عليه من المجلس الوزاري من لباس أنيق متناسق الألوان إلى جبة مرقعة لا لون لها ولا طعم ولا رائحة، بسبب سياسة المزايدات والتوافقات على حساب جودة النص وفعاليته؛ فكان ذلك سببا في تعطيل مجموعة من الأوراش التي بنيت عليها آمال عريضة بسبب صدور نص تشريعي في الرسمية تنتجت عنه صعوبات جمة أمام المشتغلين بالتنزيل في المؤسسات التنفيذية، وهو ما عانت منه المدونة الحالية المصادق عليه سنة 2004، ما عرضها مجددا للتعديل بعد مرور 20 سنة على العمل بها”.

وتساءل الصمدي في ختام شهادته على تجربته الوزارية في علاقتها بالبرلمان: “هل ستكون المؤسسة التشريعية في مستوى اللحظة فتقطع الطريق أمام هذه الكائنات، أم ستسقط في مطب المزايدات وتعيد ملف مراجعة المدونة إلى نقطة الصفر بإفراغه من محتواه، بعدما بذل فيه المغاربة عبر مؤسساتهم العلمية والفكرية والدستورية جهودا كبيرة طيلة ما يقرب من السنة حتى تخرج للناس مدونة تليق بالأسرة المغربية ترفع تحدياتها وتستجيب لحاجاتها هوية وتنمية؟”.

المصدر: هسبريس

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *