اخبار المغرب

الخمليشي ينتقد كثرة “التنازع والجدال” في نقاشات تعديل مدونة الأسرة

بشراكة بين جامعة محمد الخامس، ممثلة في كلية علوم التربية، وجمعية “ملتقى الأسرة المغربية”، التأمت ورشة علمية في موضوع “إصلاح مدونة الأسرة: الإشكالات والانتظارات”، مساء  الأربعاء فاتح مارس 2023 بمدرج كلية علوم التربية بالرباط.

المنظمون وضعوا سياق انعقاد اللقاء، الذي عرف حضور حقوقيين ومحامين ومختصين في الشأن الديني، “انسجاما مع مسار الجمعية الترافعي من أجل إقرار مدونة تضمن الكرامة والمساواة، مؤكدة على استحضار ملاءمتها مع دستور 2011 والمواثيق الدولية”؛ فيما قام بتسييره عضو المجلس الدستوري سابقا محمد الصديقي.

أحمد الخمليشي، مدير دار الحديث الحسنية، وقاض سابق، قال إن “العالِم والمجتهد في الدين الإسلامي موكول له أمران: نَقد نصوص الشريعة، ثم إبلاغها إلى الأجيال القادمة مع مواكبة السياقات الحضارية”.

وأثار الخمليشي في مداخلة له “سؤال الفرق بين العالِم والرسول”، قائلا: “هل للرسول غير هذه المهمة التي هي تبليغ الوحي ووضع أحكام للوقائع المستجَدّة؟”، معتبرا أنه “من الضروري الإجابة عن هذا السؤال”.

وثمّن مدير دار الحديث الحسنية “حركية الاجتهاد بخصوص مدونة الأحوال الشخصية في المغرب”، وزاد: “من المهم أن يخلُص العلماء إلى أحكام اجتهادية… وعندما نتحدث عن إمكانية مراجعة بعض مقتضيات مدونة الأسرة نقصد أحكام الاجتهاد”.

المتحدث ذاته عرّج خلال الندوة على المبدأ الفقهي الأصولي القائل “الحكم يدور مع العلة وجودا وعدماً”، مؤكدا أنه “المبدأ لا الذي لا نجد له تطبيقاً ولو في قضية واحدة بخصوص الأحوال الشخصية رغم أنه من الأهمية بمكان”، وتابع شارحا: “يُقرّبنا من التفاهم بين الآراء المختلفة بخصوص المدونة كما يساعدنا في التمييز بين أحكام نصية وتلك التي تأتي باجتهاد من الناس”، لافتا إلى أهمية “التأثير الذي يحدثه السياق الزمني”.

وأورد المختص في الشأن الديني بالمغرب، في هذا الإطار، مثالا لـ”مفهوم العدل والمساواة الذي يتغير بتغير الزمان وبالمفهوم التي يتناوله المجتمع كذلك”، معتبرا أن “الشارع والمشرع الديني خوَّل العالِمَ صلاحية إصدار الأحكام والاجتهاد المتنور”.

ولم يفت الخمليشي أن ينتقد كثرة “التنازع والجدال” الذي طالما ميّز النقاش العمومي حول إصلاحات مدونة الأسرة بالمغرب، متسائلا في نبرة استفهام واضحة: “هل في إثارة هذا الجانب وسيلة لإمكانية الحوار في ما بيننا؟”، ومشددا على ضرورة “التمييز بين أحكام معللة وعلّتها وسياق إصدارها زمانيا وتاريخيا”.

وأردف المتحدث ذاته: “وجب أن نأتي الأمر من أبوابه لكي يفهم الناس… مع الإشارة إلى عدم الجزم بأن أحكام الله غير قابلة للنقاش الهادئ والبنّاء، من خلال نقل النصوص ووضع الأحكام للوقائع غير الموصى بها في كتاب الله وسنة رسوله”.

“الشريعة أُنزلت لتُطاع؛ لا لتكون موضوع منازعة، لكن من الضروري تدقيق مفاهيمها”، يسجل الخمليشي، مشيرا إلى أن “الفتوى التي يصدرها العالِم المجتهد هي بمثابة حُكم من الله يُوَقِّع عليها”، قبل أن يستدرك بأن “هذا التصور يثير المعارضة الشديدة لدى البعض”.

وخلص المتحدث في كلمته أمام الحاضرين للورشة العلمية إلى أنه “يجب أن يستمع بعضنا إلى بعض عوض أن نرى تشدُّدَ فريق للرأي الذي يراه”، وزاد: “نحن في أمَسّ الحاجة ربما إلى إيجاد وسيلة للحوار بدل أن يُسَدّ الباب أمام الاجتهاد”.

كما أكد المحاضر أهمية “التدقيق في الاجتهاد المحكوم بظروف المكان والزمان، بدل اللجوء إلى المناقشة الحادة التي تتجاوز موضوع المدونة إلى العقيدة والطعن وتلجأ إلى وسائل غير مقبولة”، مستطردا: “مُشكلتنا الآن هي المناقشة والتداول في الحوادث والأحكام التي تعترض حياتنا”، ومشددا على أنه “من الأهمية النظر للموضوع بدقة ويُسر لإدراك مفهوم هذه الأحكام الإلهية، كما أنه من الخطير أن ننسب أحكام المجتهدين والعلماء إلى الله”.

من جانبه، أكد كيداي عبد اللطيف، عميد كلية التربية بالرباط، على أهمية “رفع الصوت الأكاديمي بخصوص إصلاح مشروع مجتمعي كبير، في وقت يظل مغيباً في معظم الأحيان”، متأسفا بالقول: “قد تحضُر الإيديولوجيا ويغيب العلم”.

واعتبر كيداي مساهمة الكلية التي يرأسها من خلال “العمل على قضايا بحثية وتخصصات أكاديمية تهم منشأ الأسرة المغربية، مثل وضعية الأطفال في وضعية صعبة”، منوهاً بجهود المجتمع المدني الذي تفاعل إيجابيا مع الدعوة الملكية للتفكير جماعياً في إصلاح متنور لبنود المدونة كي تساير تطور وضعية المرأة المغربية.

الصوت الحقوقي لم يغب عن فعاليات الورشة العلمية ذاتها من خلال عائشة الحيان، عن اتحاد العمل النسائي بالمغرب.

وبسطت الحيان، التي اشتغلت محامية، تفاصيل “مقاربة حقوقية تنتهجها الحركة النسائية المغربية منذ ثمانينيات القرن الماضي، حينما كان أغلب شباب لم يواكبوا بعد تعديل المدونة حينها”، واصفة تغيير قانون الأحوال الشخصية، بـ”المخاض الكبير”.

وشددت المتحدثة في معرض كلمتها على محورية “دور الباحث الأكاديمي من خلال دراسات واجتهادات علمية دقيقة ومتجردة”، ما يفتح الباب نحو “التأسيس للترافع استنادا إلى تراكم معرفي من طرف فقهاء قانونيين وباحثين متنورين”.

“بعد عقدين من الزمن منذ 2004 هل أصبحت المدونة صالحة؟”، تتساءل عضو اتحاد العمل النسائي، مشددة تبعاً لذلك على أهمية إشراك علماء الاجتماع في فهم أبعاد الإصلاح المرتقب للمدونة، “بحكم أن الأسرة خلية المجتمع الأساسية”.

ورغم إشادتها بما حملته نسخة 2004 من تطورات في وضع كثير من المغربيات، “رغم الثغرات التي يمكن تجاوزها من خلال عمل قضائي مجتهد وعقلاني”، ذهبت المحامية إلى التأسف لما وصفته بـ”تضييع زمن تشريعي مهم طيلة ولايتين حكوميتين قصد إصلاح القانون الأسري بعد تحولات مجتمعية بارزة”.

المصدر: هسبريس

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *