اخبار المغرب

استطلاعات الرأي والنية السيئة

كاريكاتير: عماد السنوني

علي الوكيليالجمعة 26 ماي 2023 12:18

استطلاع الرأي وسيلة متحضرة لمعرفة ما يفكر فيه الناس، ما يريدون، ما يكرهون، ميولهم السياسي والديني والاستهلاكي، إلى غير ذلك. وهي وسيلة إعلامية في الغالب، وقد تكلف جهاتٌ حكومية أو شركاتٌ مؤسساتٍ خاصةً باستفتاء الآراء لغرض معين. لذلك، يبدو الأمر ضروريا قبل اتخاذ القرارات الصائبة. وليكون استطلاع الرأي موضوعيا وعلميا إلى أبعد الحدود، يجب أن يخضع لمنطق السؤال وطبيعة العينة والمجال الجغرافي وهوية المستطلَع رأيُه، وغير ذلك من الاحتياطات التي تعطي نتائج صحيحة.

فإذا كان الموضوع يخص جغرافية واسعة تحتضن ساكنة كبيرة، فالعيّنة ستكون كبيرة أيضا؛ استطلاع رأي رجال الأعمال ليس هو استطلاع رأي المتقاعدين ولا هو استطلاع رأي السائقين المهنيين ولا هو استطلاع رأي أطباء جراحة الدماغ، مثلا. ويكون الأمر أكثر تعقيدا حين تستطلع رأي 37 مليون مغربي، فالعينة يجب أن تمس 0.1% من المواطنين على الأقل، وأن تمثل جميع فئاتهم: أغنياء، فقراء، طبقة متوسطة، ملتزمين بالدين، غير ملتزمين. وأن تؤخذ العينات من جميع التراب الوطني ما أمكن ذلك.

وكذلك طريقة طرح الأسئلة، يجب أن تكون واضحة وغير موجِّهة للرأي، ويستحسن ألّا يكون الجواب فيها بنعم أو بلا وإنما بجملة تبريرية، وألا يكون السؤال عاما فضفاضا وإنما محددا دقيقا. فحين تسأل عن موافقة أو عدم موافقة المواطن على الحكم بالإعدام، فأنت غير مضطر للسؤال من منطق ديني، لأن المستجوب يكون جوابه مختلفا بين المنطق الإنساني والمنطق الديني. انطلاقا من القصاص سيؤْثر استعمال الشرع كما هو واضح في القرآن، لكن إذا كان السؤال محايدا، فإن الجواب سيكون مختلفا.

وقد ألفنا قراءة نتائج استطلاعات الرأي فتنزل علينا كالسحر، نصدق نتائجها دون السؤال عن مصدرها والجهة التي أنجزتها وكيف تم استطلاع الرأي، وغير ذلك، بينما النية الصادقة وراء أي استطلاع رأي ليست مضمونة دائما؛ فقد تكون هناك إرادة خبيثة لتوجيه الرأي العام، أو دفع جهة ما للتراجع عن قرار أو تشريع أو قانون أو العكس من ذلك، أي دفع هذه الجهة إلى المضي فيما أقدمت أو ستقدم عليه.

طالعت مؤخرا نتائج استطلاع الرأي حول موقف المغاربة من تعدد الزوجات، وحين بحثّ عن حجم العينة وجدتها لا تساوي حتى عُشُر المغاربة الذين يمشون في شارع محمد الخامس بالرباط، لتحاول الدراسة إقناعنا بأن 80% من المغاربة يحبذون تعدد الزوجات. هذا عن العينة الميكروسكوبية. أما عن ماهية السؤال الذي طُرح على العينة، فهو يقتضي الحياد والموضوعية، كأن لا تطلب من المستجوب رأيه في مسألة إباحة الدين للتعدد، لأن أغلب المغاربة غير معترضين على أنه حلال، وإذا غيرتَ السؤال وطلبت من المغربي إن كان لا مانع لديه في إضافة زوجة ثانية أو ثالثة أو رابعة، سيعترف لك بعجزه المادي أولا، ولأن ذلك سيخلق له حربا بين الضرائر ويغِلُّ قلب أبنائه وبناته عليه. وإذا طرحت سؤالا أكثر دقة فسألت عن العدل العاطفي (وليس الجنسي) بين الزوجات، سيعترف لك 90% من المستجوبين باستحالة ذلك.

كان من المفروض أن تكون الدراسة أكثر علمية فتقول: إن 80% من المغاربة يرون التعدد حلالا وليس حراما، وأن 70% لا يريدون إدخال أي تغيير على مدونة الأسرة، لكن 3% منهم يمارسون التعدد فعلا، وأن 5% لا ينوون استغلال هذا الحلال، وأغلبية 90% غير قادرة على العدل بين النساء. وإذا كنا نريد معارضة وزير العدل فيما يريد إدخاله على المدونة، فليس بالتدليس والكذب بعينة صغيرة لا تمثل شيئا من المجتمع المغربي وتقِّوله ما لم يقل. هناك وسائل أخرى لمعارضة الوزير بدل استطلاعات الرأي سيئة النية. ألا هل بلغت؟ اللهم فاشهد.

استطلاع الرأي المغرب النية

النشرة الإخبارية

اشترك الآن في النشرة البريدية لجريدة هسبريس، لتصلك آخر الأخبار يوميا

يرجى التحقق من البريد الإلكتروني

لإتمام عملية الاشتراك .. اتبع الخطوات المذكورة في البريد الإلكتروني لتأكيد الاشتراك.

لا يمكن إضافة هذا البريد الإلكتروني إلى هذه القائمة. الرجاء إدخال عنوان بريد إلكتروني مختلف.>

المصدر: هسبريس

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *