اخبار المغرب

خطاب الإعلام الغربي حول قضايا الشرق الأوسط يتراجع مقابل سردية مضادة

تراجعَ تأثير وسائل الإعلام الغربي على الرأي العام في مختلف الدول الأجنبية، الذي كان يشكل إلى عهد قريب تصور المواطن الغربي حول عدد من القضايا خاصة المتعلقة بالشرق الأوسط.

خبراء يفسرون هذا المعطى بتنامي سردية مضادة لهذا الإعلام، تقدم معطيات وخطابا وصورا تمكن من دحض ما يقدمه الإعلام الغربي، وساهم في هذه السردية “مؤثرون” و”صحافيون مواطنون” وشخصيات من عالم الفن والتمثيل.

مصطفى اللويزي، خبير إعلامي، قال إن الإعلام الغربي يشكل ذراعا للسياسة الخارجية الأمريكية التي تتحكم فيه بشكل مباشر وغير مباشر، وتعتمد عليه في الترويج لعدد كبير من الأفكار والمعطيات التي تود جعلها حقائق لدى الرأي العام الأمريكي والعالمي.

وقال المتحدث: “وإن اعتمدت السياسة الخارجية الأمريكية على إعلام قوي وعلى الآليات الإيديولوجية للدولة، فالإعلام الاجتماعي ووسائل التواصل شكلت الإعلام البديل الذي جعل من الصور المضادة الآتية من أرض الميدان مثلا في غزة والصحافيون المواطنون يشكلون لعبة مضادة.

وقال إن “حماس” انتصرت في اللعبة الإعلامية بشكل كبير عبر صورة مضادة وخطابات مضادة، قامت بها منذ 7 أكتوبر من السنة الجارية، ولو أن أغلب القنوات الغربية لم تبث شريطها الإعلامي؛ فالرأي العام العالمي يقبل على تلك الصور، لأنها ممنوعة في وسائل الإعلام الرسمية.

وأكد المتحدث أنه بالرغم من أن “فيسبوك” لم يكن مفتوحا لدرجة كبيرة فإنه استغل بشكل كبير لتبليغ الرسائل المضادة التي لعبت دورا في تغيير الرأي العام العالمي مع مرور الوقت، إذ إنه “منذ العاشر من نونبر بدأنا نشهد أشياء كثيرة خاصة في أمريكا وفرنسا وبريطانيا، حيث لاحظنا تغير الرأي العام، وأصبحت لديه وجهة نظر أخرى وإقبال كبير كي يعرف ما الذي يجري بالضبط عبر اختلاطه بوسائل بديلة واكتشف أن وسائل الإعلام العالمية الرسمية التي كانت مقبولة إلى حد ما على أنها الرائدة في التواصل، أصبحت متجاوزة بحكم مؤثرين كبار، وممثلين كما هو حال جون كيوزاك الممثل الأمريكي الذي لعب دورا مهما في توجيه أصدقائه الممثلين بخصوص هذه القضية”.

وحول ازدواجية معايير الإعلام الغربي في معالجة القضايا، قال الخبير إن أرباب رؤوس الأموال المالكة لوسائل الإعلام الغربية هم أشخاص نافذون ويجعلون من الإعلام أكثر حرية في اللحظة التي لا تكون لديهم رهانات قوية على الأخبار، وعكس ذلك عندما يتعلق الأمر بأشياء استراتيجية، إذ لا يتسامحون في الكلمات والصور والخطاب والرسالة.

وأوضح الخبير ذاته أن وسائل الإعلام الفرنسية تعاملت مع الأزمة الأوكرانية بتعاطف كبير على مستوى الصورة والخطاب، والضحايا تم استقبالهم وكانت لهم أسماء؛ في حين في غزة الضحايا كانوا مجرد أرقام، ولا يقدمون إلا بشكل عابر.

المسألة في غزة، تابع اللويزي، كأنها حادث ليس إلا؛ في حين مثلت أوكرانيا مسألة استراتيجية إنسانية، وديكتاتورية تريد التنكيل والتهجير واستيطان أوكرانيا، في حين عند الحديث عن إسرائيل يتم طرح حرية الدفاع عن النفس.

وتساءل اللويزي: “هل استقبلت البلاطوهات الفرنسية مرة واحدة شخصا مثل سيرج آلان غريش، صحافي وكاتب سابق، مع العلم أنه من الشخصيات المتخصصة في الصراع في الشرق الأوسط؛ لأن معطياته وتحليلاته صادمة لأصحاب رؤوس الأموال ولأصحاب القرار”.

وتابع الباحث: “كان هناك إجماع غربي على اعتبار أن ما قامت به حماس إرهابا، وليس له سابقة ولم يسبق لإسرائيل أن قامت بأي شيء من هذا القبيل وأنها دولة، سلمية، والديمقراطية الوحيدة، كي يتم استعطاف الرأي العام الغربي. ونجحوا في ذلك لبرهة، لكن مع مرور الوقت تبينت البشاعة وتبينت الحقائق عبر سردية مضادة، بناها مواطنون بسطاء وأشخاص تعلموا أن يلعبوا بالصور والكلمات”.

مهدي عامري، رئيس شعبة التواصل والعلاقات العامة وأستاذ باحث بالمعهد العالي للإعلام والاتصال، قال إن العالم اليوم أمام أحداث غزة الأليمة، “ونقفُ على إفلاس النظام العالمي، وعجزه عن إحقاق الحق وإحلال السلام؛ فالغرب الذي يتبجح بإعطائنا دروسا في الرحمة وحقوق الإنسان وحق الشعوب في تقرير مصيرها ها هو ذا اليوم يقف على طرف نقيض مما يدعيه، ويكشف لنا عن ممارساته الخبيثة للنفاق السياسي وازدواجية المعايير”.

وأورد عامري أن المظاهرات الحاشدة في عدد كبير من الدول الغربية والمناصرة لحق الفلسطينيين في الحياةَ وفي إقامة دولتهم من النهر إلى البحر يثبت أن الخداع الذي يمارسه الاحتلال الإسرائيلي على الغرب قد فضحه أصحاب الضمائر الحية في بلاد الغرب وما أكثرهم.

وأورد الباحث: “كنا، قبل اليوم، نحسب أن البشرية قد قطعت أشواطا عملاقة في تفكيك السرديات العِرقية التي تستحل إبادة الشعوب الأخرى. كما كنا نعتقد أن العالم يتجه نحوَ إقرار نظام يحتكم إلى مواثيقَ دولية، ومؤسسات أممية تكبح جماح الدول المُتغطرسة وتلجم الكيانات المعتدية؛ غير أن العكس هو ما نعيشه”.

المصدر: هسبريس

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *