اخبار السودان

مخاوف من قتال دموي.. الفاشر في قلب الحرب السودانية

تشهد ولاية شمال دارفور منذ مطلع أبريل اشتباكات على جبهتين: الأولى بين قوات الدعم السريع والحركات المسلحة غربي الفاشر، وفي مدينة مليط التي تقع إلى الشمال منها على بعد 100 كيلومتر، والثانية بين قوات الدعم والجيش في الفاشر نفسها

التغيير: (وكالات)

تتعالى الأصوات الدولية التي تحذر من “هجوم” متوقع على مدينة الفاشر في إقليم دارفور في السودان الذي يشهد حربا منذ أكثر من عام.

ودعت وزارة الخارجية الأميركية على لسان المتحدث باسمها، ماثيو ميلر، في بيان “جميع القوات المسلحة السودانية إلى الوقف الفوري لهجماتها على الفاشر في شمال دارفور”.

وأضاف أن واشنطن تشعر “بقلق كبير إزاء التقارير الموثوقة عن قيام قوات الدعم السريع والميليشيات التابعة لها بتدمير قرى عدة على بكرة أبيها غرب الفاشر”، ودان عمليات القصف الجوي العشوائي التي قامت بها القوات المسلحة السودانية في المنطقة والقيود التي تواصل فرضها على وصول المساعدات الإنسانية المنقذة للحياة.

الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش أعرب في تصريحاته عن قلقه من هجوم وشيك محتمل على الفاشر.

منذ عام، تدور حرب بين الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو، ما أغرق البلاد في أزمة إنسانية خطيرة.

وخلال عام واحد، أدت الحرب في السودان إلى سقوط آلاف القتلى بينهم ما يصل إلى 15 ألف شخص في الجنينة عاصمة ولاية غرب دارفور، وفق خبراء الأمم المتحدة.

كما دفعت الحرب البلاد البالغ عدد سكانها 48 مليون نسمة إلى حافة المجاعة، ودمرت البنى التحتية المتهالكة أصلا، وتسببت بتشريد أكثر من 8.5 ملايين شخص بحسب الأمم المتحدة.

مدينة الفاشر السودانية.. التخلي عن الحياد

وتعد الفاشر مركزا إنسانيا لإقليم دارفور حيث يعيش حوالي ربع سكان السودان البالغ عددهم 48 مليون نسمة. ومع استضافتها الكثير من النازحين، ظلت المدينة بمنأى نسبي عن القتال بحسب فرانس برس.

وإقليم دارفور في المنطقة الغربية من السودان، تعادل مساحته مساحة فرنسا.

وتعرض الإقليم بالفعل للدمار قبل نحو من 20 عاما؛ بسبب سياسة الأرض المحروقة التي انتهجتها ميليشيات “الجنجويد” التي أدمج أعضاءها في قوات الدعم السريع في عهد الرئيس السابق عمر البشير.

والفاشر هي العاصمة الوحيدة لولايات دارفور الخمس التي لا تسيطر عليها قوات الدعم السريع، كانت قد دمرتها حرب أهلية حصدت مئات الآلاف من الضحايا والتي بدأت في 2003.

يضم سكان الفاشر ما يقدر بنحو نصف مليون شخص نزحوا خلال هذا الصراع السابق، ونزح نحو نصف مليون شخص إضافي إلى المدينة خلال الحرب التي اندلعت قبل عام.

تتمركز في الفاشر الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق السلام التاريخي الذي أبرم عام 2020 في جوبا مع الحكومة المدنية الانتقالية التي تولت السلطة عقب إطاحة الرئيس السابق عمر البشير.

وأبرز المجموعات تلك التابعة لكل من حاكم إقليم دارفور مني مناوي ووزير المالية جبريل إبراهيم. وقد منع وجودها قوات الدعم السريع من شن هجومها على المدينة، خصوصا بعد “مفاوضات غير رسمية” بين قوات دقلو وهذه الحركات، بحسب تقرير للأمم المتحدة.

ونتيجة تدهور الأوضاع في عاصمة ولاية شمال دارفور، أعلنت الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق جوبا في بيان منتصف أبريل أن “لا حياد بعد الآن”، مؤكدة أنها “ستقاتل مع حلفائها والوطنيين وقواتها المسلحة ضد ميليشيات الدعم السريع وأعوانها من المأجورين”.

ويقول سكان ووكالات إغاثة ومحللون لوكالة رويترز إن القتال من أجل السيطرة على الفاشر، وهي مركز تاريخي للسلطة، قد يطول أمده، ويؤجج التوترات العرقية التي ظهرت في الصراع الذي دارت رحاه في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين في المنطقة، ويمتد عبر حدود السودان مع تشاد.

لماذا تستهدف قوات الدعم السريع الفاشر؟

منذ مطلع أبريل، ترد أنباء عن وقوع انفجارات واشتباكات في القرى المحيطة للفاشر.

وقوات الدعم السريع التي يقودها محمد حمدان دقلو المعروف بـ”حميدتي” تسيطر حاليا على أربع من عواصم ولايات دارفور الخمس، ما عدا الفاشر التي تضم مجموعات مسلحة متمردة كانت قد تعهدت حتى الأمس القريب الوقوف على مسافة واحدة من طرفي الحرب؛ مما جنبها الانزلاق إلى القتال، بحسب فرانس برس.

لكن هذا الموقف تبدل قبل أسابيع مع إعلان جماعات متمردة أنها قررت خوض القتال ضد قوات الدعم السريع؛ بسبب “الاستفزازات والانتهاكات” المتهمة بارتكابها هذه القوات في الفاشر.

وتشهد ولاية شمال دارفور منذ مطلع أبريل اشتباكات على جبهتين: الأولى بين قوات الدعم السريع والحركات المسلحة غربي الفاشر، وفي مدينة مليط التي تقع إلى الشمال منها على بعد 100 كيلومتر، والثانية بين قوات الدعم والجيش في الفاشر نفسها.

ودفعت اشتباكات الفاشر إلى تصاعد القلق الدولي على مصير المدينة التي كانت مركزا رئيسيا لتوزيع الإغاثة والمساعدات.

وقال غوتيريش في العاشر من أبريل “قبل أيام هاجمت ميليشيات تابعة لقوات الدعم السريع قرى غرب المدينة وأحرقتها، مما أدى إلى نزوح جديد واسع النطاق ومخاوف من السيطرة على مصدر المياه الوحيد القريب من الفاشر” المدينة التي يقطنها مئات الآلاف من السكان.

تابع “اسمحوا لي أن أقول بوضوح: إن أي هجوم على الفاشر سيكون مدمرا بالنسبة للمدنيين، ويمكن أن يؤدي إلى صراع مجتمعي شامل في جميع أنحاء دارفور. كما أن من شأنه أن يقلب عمليات الإغاثة رأسا على عقب في منطقة هي بالفعل على حافة المجاعة”.

ومنتصف أبريل اتهمت لجان المقاومة بالفاشر، وهي مجموعات تطوعية غير رسمية، قوات الدعم السريع بـ”إحراق ست قرى في غرب المدينة”.

وقالت جماعتان متمردتان سابقتان بارزتان، هما جيش تحرير السودان بزعامة مني مناوي، وحركة العدل والمساواة بزعامة جبريل إبراهيم، إنهما ستتصديان أيضا لقوات الدعم السريع.

وتنحدر الجماعات المتمردة السابقة التي تقاتل إلى جانب الجيش من قبيلة الزغاوة التي تمتد عبر الحدود إلى تشاد، ويعتبر الزعيم التشادي محمد إدريس ديبي أحد أعضائها.

ويقول محللون إن مصادمات تنشب منذ أمد طويل بين القبائل العربية وغير العربية مثل الزغاوة حول الأراضي والموارد القيمة في دارفور.

ومما يزيد الأمور تعقيدا دخول القوات التابعة لموسى هلال، وهو قائد عربي بارز من أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين ومنافس لقائد قوات الدعم السريع حميدتي، على الرغم من انتمائه إلى نفس القبيلة.

وأكد متحدث باسم مجلس الصحوة الثوري تسجيلا مصورا لهلال وهو يخاطب القوات في شمال دارفور قبل أيام، لكنه قال إنه من السابق لأوانه القول ما إذا كانت القوات ستنضم إلى القتال في الفاشر أو في أي مكان آخر.

وقال يوناس هورنر، وهو محلل سوداني مستقل لرويترز “حتى لو كان هناك وقف لإطلاق النار بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، فإن الأمر أكبر من ذلك. ثمة حسابات يجري تسويتها وتوترات تتجدد”.

ومنذ بداية الشهر، تم تدمير ما لا يقل عن 11 قرية في ضواحي الفاشر، وفقا لصور الأقمار الصناعية التي حصل عليها مختبر الأبحاث الإنسانية بجامعة يال. وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن ما لا يقل عن 36 ألف شخص نزحوا.

حذر مسؤولون كبار في الأمم المتحدة مجلس الأمن الدولي الجمعة الماضية من أن نحو 800 ألف شخص في مدينة الفاشر السودانية معرضون “لخطر شديد ومباشر”.

وقالت روزماري ديكارلو، مسؤولة الشؤون السياسية بالأمم المتحدة، لمجلس الأمن المؤلف من 15 عضوا إن “القتال في الفاشر قد يطلق العنان لصراع قبلي دموي في جميع أنحاء دارفور”.

قوات الدعم السريع والعقوبات

قبل أيام دعت مجموعة من أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي إلى فرض عقوبات مباشرة على قوات الدعم السريع وزعيمها حميدتي.

ودعا المشرعون في رسالة طالبوا فيها الرئيس الأميركي، جو بايدن إلى فرض عقوبات على قوات الدعم السريع بموجب قانون ماغنيتسكي، مشيرين إلى أن حميدتي “ارتكب انتهاكات تستحق العقوبات”، في إشارة إلى اتهامات لهذه القوات بارتكاب جرائم اغتصاب جماعية واختطافات وانتهاكات لحقوق الإنسان، وتنفيذ اغتيالات سياسية، على ما أفاد تقرير نشرته مجلة فورين بوليسي.

وأمهل المشرعون إدارة بايدن 120 يوما، لتحديد ما إذا كان سيفرض عقوبات على قوات الدعم السريع أم لا.

وتنفي قوات الدعم السريع مهاجمة الفاشر، وقالت إنها حرصت على إبقاء الاشتباكات بعيدة عن المدنيين في المدينة، واتهمت الجيش والفصائل المتحالفة معه بمهاجمتها على مشارفها. كما نفت في السابق مسؤوليتها عن العنف العرقي في دارفور.

وفي سبتمبر الماضي أعلنت واشنطن فرض عقوبات على نائب قائد قوات الدعم السريع السودانية، عبد الرحيم دقلو، لدوره القيادي في القوات التي شاركت في “أعمال عنف وانتهاكات لحقوق الإنسان”.

وعبد الرحيم هو شقيق قائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو، المعروف باسم “حميدتي”، وتم إدراجه في قائمة العقوبات الأميركية “بموجب الأمر التنفيذي رقم 14098 لكونه شخصا أجنبيا، كان قائدا أو مسؤولا أو مسؤولا تنفيذيا كبيرا أو عضوا في قيادة قوات الدعم السريع، التي شارك أعضاؤها في تصرفات أو سياسات تهدد السلام أو الأمن أو الاستقرار في السودان”.

قالت الوزارة في بيان حينها إن تلك القوات شاركت في “مذبحة ضد المدنيين والقتل العرقي واستخدام العنف الجنسي”.

وقال عوض الله حامد مدير منظمة براكتكال أكشن في دارفور، متحدثا لرويترز من المدينة التي لا يوجد بها سوى عدد قليل من العاملين في المجال الإنساني الدولي، إن الفاشر نفسها لم تعد بها مياه جارية أو خطوط كهرباء عاملة منذ عام.

وأضاف أن مستشفى عام واحد فقط يعمل، بينما يكتظ النازحون بالمدارس والمباني العامة.

وقال جيروم توبيانا، الخبير في شؤون دارفور ومستشار منظمة أطباء بلا حدود الخيرية، لرويترز إن القتال الشامل “يهدد بالفعل بتعقيد وصول المساعدات الإنسانية، في وقت تظهر فيه البيانات المتاحة أن الفاشر تعاني أزمة غذائية خطيرة للغاية”.

منذ بدء الحرب، لم تدخل سوى كميات صغيرة من المساعدات إلى الفاشر، وهي القناة الوحيدة التي وافق عليها الجيش للشحنات إلى أنحاء أخرى من دارفور. ويقول السكان إنه على الرغم من أن الأسواق تعمل، إلا أن سيطرة قوات الدعم السريع على الطريق الرئيسي تسببت في ارتفاع أسعار الوقود والمياه والسلع الأخرى.

نقلاً عن الحرة/ واشنطون

المصدر: صحيفة التغيير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *