اخبار السودان

جلسة في حضرة مناضل

خطرفات ذاتية

سايمون دينق

في ذات أمسية ما قبل أيام قلائل لا تتعدى الاسبوعين من الان، حظيت بجلسة استثنائية نادرة مع أحد المناضلين القدامى، ويشغل في الوقت الحالي منصب حكومي، وذو نفوذ وجاه، وكنت برفقة بعض الأصدقاء من سوق (كاستوم) حيث نعمل، وبالرغم من أننا اتينا اليه لنشكي له (مشكلة محددة) نعاني منها في السوق الجديد وتوقعنا منه أن يساهم في حلها بحكم منصبه، الا ان الرجل لم يفعل، وأصر أن يقحم خلال حديثه معنا اشياء من عنده لا تعنينا ابدا ولا تفيد القضية التي جئنا من اجلها، وليته اكتفى بذلك !!، بل القى علينا محاضرة مطولة عن النضال وبطولات الحركة الشعبية التي شارك هو في صنعها، ولم ينس جليسنا تذكيرنا بالمعاناة والمتاعب الجمة التي عاشوها في الادغال وتغلبوا عليها بالصبر والعزيمة والاصرار.. أو كما قال..!

حدثنا بحسرة باينة على وجهه عن التضحيات الجسام التي قدمتها تلك المناضلات اللواتي كن يرفعن (صناديق الذخيرة) للجيش فوق رؤوسهن (أيام النضال) ويقطعن بها مسافات بعيدة سيرا على الاقدام وقد تمتد رحلة المتاعب احيانا الي أيام وشهور وهن غائبات عن أسرهن وأزواجهن واطفالهن، ويضيف محدثنا بأن تضحياتهم تلك مجتمعة هي التي صنعت دولتنا الفتية التي نتذوق فيها الان طعم الحرية التي ما كنا نعرفها، إذ ننعم تحت رحمتها برغد الحياة وملذاتها.. ويكرر “سعادته” أن تضحياتهم هذه رفعت عنا ظلم مقيم جثم على صدورنا ردحاً من الزمان بسبب حكومات الظلم التي تعاقبت على حكم السودان، ويتسأءل: هل يجوز لنا أن ندمر بلادنا التي تعبنا من أجلها بايدينا بعد كل هذه التضحيات الممهورة بدماء الشهداء وقدامى المحاربين!؟.

قلت له في خضم تعقيبي على تساؤله ان تدمير البلاد أمر غير اخلاقي ووخيمة العواقب وغير مقبول، بل لا يجب التفكير فيه حتى … و… ولكن يا سيدي..! لا علم لنا بمن يريد أن يدمرها كما نجهل (رغد الحياة) الذي تتحدث عنه وفوق ذلك، هذه ليست هي القضية التي اتينا اليك من أجلها !!

قال وهو يبتسم في وجهي.. يا صديقي أنا سمحت بفرصة حديث لثلاثة أشخاص منكم وإستنفذتمونها كلها وانت لست ضمن المتحدثين.. !؟ ولكن تأكد أنني ملم بكل تفاصيل قضيتكم (الخاسرة) من مصادري الخاصة وسأعمل على معالجة ما يمكن معالجته بخصوصها، وشاكر لكم هذا اللقاء.

وبعد خروجنا منه، أخبرني رفقائي بشائعات المجالس المغلقة وما يهمس به في ليالي المدينة، عن رجل أعمال شهير قيل إنه يراد أن يُسند له منصبا مهما في الدولة وهو شخصية لا تحظى برضا (الحرس القديم) في منظومة رفاق الحزب الكبير، ويبدو ان (سعادته) من بين المتحفظين عليها.. والله أعلم ..

ما علينا..ولكن المؤكد أن حديث الرجل لا يخرج من إطار (البلد دا ما بي شهادات).. فاغلب (الكماردة) جمع كمرد، يعتقدون أنهم أصحاب الفضل الوحيد بسبب النضال، ويجب أن يحظوا بالنصيب الكبير في هذه البلاد ولغيرهم الفتات.. بل لا يجوز لأحد حسب ايمانهم أن يوجه لهم صوت لوم في فسادهم واخفاقاتهم واخطاؤهم الكثيرة من خارج دائرة (المناضلين)، ومن المؤكد ان النموذج الذي تحدثت عنه شذ قليلا في اعتناق هذا (المنطق العقيم) الذي يشتهر به اغلب (الكماردة)، فكيف له بأن يتوهم أن الكل ينعم (برغد الحياة) مثلهم وواقع الحال يشهد أن السواد الأعظم من هذا الشعب (عداهم) يرزح تحت وطأة أسوأ أزمة اقتصادية طاحنة، خانقة، مؤلمة، مميتة، لم يسبق لها مثيل في التاريخ منذ العصر الحجري.. يا ترى هل يقرأ سعادته نشرات الأخبار في الصحف اليومية!؟ الم يخبره أحد كم بلغ سعر صرف الدولار في السوق الاسود والابيض معا!؟.

كدت ان اسأله ذلك السؤال نفسه .. اي شعب وفي أي كوكب كنت مناضلا فيه !؟… الله المستعان …

وألقاكم

السبت 20 ابريل 2024 جنوب السودان جوبا

المصدر: صحيفة الراكوبة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *