اخبار السودان

التنصل من شعار (العسكر للثكنات والجنجويد ينحل)

يرى بعض التقدميين ومؤازريهم أن شعار الثورة هو (حرية سلام وعدالة) ، وما عداه من شعارات فهي قليلة الأهمية أو ليست شعارات ثورية. وقد يستدل بعضهم على ذلك مثلا بأن بعض الشباب قد هتفوا في بعض المواكب (الثورة ليها شبابا لا عسكر لا احزابا) ويتساءلون كيف لهذا أن يكون شعاراً ثوريا وهو يقصي الأحزاب ويعتبرها ليست جزءا من الثورة.

إن شعار (حرية سلام عدالة) هو شعار ناظم لوجهة الثورة النهائية باعتباره غايتها العليا. أي أنهم صدقوا في أن هذا هو شعار الثورة الرئيس، ولكنه ليس الوحيد.

ولأنه شعار شديد التجريد، فإن الكثيرين يمكنهم أن يدعوا أنه يمثلهم. ولكن الشق الثاني من الشعار في مرحلته المتطورة تعافه نفوس الثورة المضادة.

لقد تطور هذا الشعار مع تعرجات الثورة وتقدمها، فقد كان في البداية (حرية سلام وعدالة .. الثورة خيار الشعب). وبعد أن حققت ثورة ديسمبر نجاحا ملحوظا وثبتت أقدامها على الأرض، وتأكد أنها ثورة ، وليست هبة عابرة ، تطور الشعار ليصبح (حرية سلام وعدالة .. مدنية خيار الشعب). وعندما ازدادت ثقة الثوار بأنفسهم، ولمواجهة بروز رغبة العسكر في إيجاد موطئ قدم لهم في المشهد الجديد ، تطور الشعار ليكون (حرية سلام وعدالة .. مدنية قرار الشعب).

اما شعار (العسكر للثكنات والجنجويد ينحل) فقد برز بقوة ، وأضحى السائد في المواكب منذ انقلاب 25 أكتوبر 2021 م. ربما يكون قد تم سك الشعار قبلها، ولكنه ساد بعد الانقلاب. ويمكنني أن أزعم أنه أكثر شعار هتف به الثوار ، على مدى عام ونصف ، وفي كل أنحاء السودان ، في فترة ما بعد الانقلاب وحتى اندلاع الحرب . ويكاد يكون ليس هنالك ثائراً لم يهتف بهذا الشعار بمن فيهم منسوبي تقدم ، أو قحت سابقا. لكل ذلك فإن هذا الشعار هو أحد أهم شعارات الثورة.

ان الشعار محل النقاش في صيغته الرئيسية ذو أربعة مقاطع (الثورة ثورة شعب .. والسلطة سلطة شعب .. العسكر للثكنات .. والجنجويد ينحل).

ومما يدلل على أهمية الشعار ومركزيته في الثورة السودانية ، أن لجان المقاومة استمدت عنوان مواثيقها منه. فكان عنوان ميثاق لجان مقاومة ولاية الخرطوم (ميثاق تأسيس سلطة الشعب) ، وعنوان ميثاق بعض تنسيقات الولايات (الميثاق الثوري لسلطة الشعب)، ومنهما تولد (الميثاق الثوري لتأسيس سلطة الشعب).

فكيف لشعار بهذا الأثر والخطر أن يكون شعارا قليل الأهمية ، أو يجرؤ ثائر لمحاولة إلقائه في سلة المهملات!

ومن شدة تعلق الثوار بهذا الشعار فإنهم يضيفون إليه أحياناً بهارات وتنويعات ، مثلا (الثورة ثورة شعب .. والسلطة سلطة شعب .. العسكر للثكنات .. الشارع للمكنات .. شفافته كنداكات .. والجنجويد ينحل) ، بحيث تظل القفلة دائما (الجنجويد ينحل) وده المجنن بوبي!

وغالبا ما يتم اختصاره في البيانات والهاشتاقات (العسكر للثكنات والجنجويد ينحل) ، وأزعم أن هذا الهاشتاق (الشعار المختصر) هو الأكثر استخداما ، بعد شعار (تسقط بس) الذي ساد مع ميلاد الثورة.

إن هنالك قوى داخلية وإقليمية ودولية تريد الحفاظ على مليشيا الدعم السريع ، لتستخدمها في حماية مصالحها غير المشروعة ، وتتخذها منفذا لنهب موارد البلاد. إن توجهات هذه القوى تتناقض مع هذا الشعار ، لذلك تسعى إلى تهميشه بل وتدميره.

 ونرى الآن أن عددا مقدرا من منسوبي ثورة ديسمبر الناشطين في السوشيال ميديا ، قد تراجعوا عن شعار الثورة (العسكر للثكنات والجنجويد ينحل) بوعي منهم أو بدون وعي.

وأصبح شعار بعضهم الجديد (الجيش ينحل والجنجويد ينحل) ليصعّبوا من مهمة حل الجنجويد ، ولسان حالهم ومقالهم يقول (لو دايرين تحلو الجنجويد خلاص نحلهم الاتنين لأنو الجيش ذاتو مليشيا) .

وضلت فئة مرتشية طريقها تماما، وهذه تريد ان يكون الجنجويد جيش البلاد الجديد.

وللأسف الشديد تُسهّل قيادة الجيش المتآمرة الحملة الإعلامية المناصرة للجنجويد، بسماحها ببروز مليشيات دعائية ككتيبة البراء الكيزانية.

من المتوقع أن تنتظم هجمة شرسة مباشرة على شعار (العسكر للثكنات والجنجويد ينحل) مع تجدد المفاوضات، التي تهدف القوى الإقليمية والدولية من خلالها ، إلى الإبقاء على مليشيا الجنجويد في مستقبل السودان.

المصدر: صحيفة الراكوبة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *