اخبار المغرب

مؤلف يرصد قضايا المغرب في الاستعمار

يستمر الباحث مصطفى الريس في التأريخ لقضايا المغرب من خلال الصحافة، في كتاب جديد صدر عن مؤسسة الموجة الثقافية بعنوان “المغرب في الصحافة العربية: قضايا ومواقف”، بين سنوات 1907 و1955.

يهتم الكتاب الجديد بما نشرته الصحافة المصرية والفلسطينية والصحافة العربية الموالية للاحتلال الفرنسي، وهو عمل مهدى إلى “الصحفي الفلسطيني وائل الدحدوح، إلى أيوب عصره، إلى سليل شعب الجبارين، إلى الشاهد الأمين على ما جرى وما يجري في غزة الأبية”.

يأتي هذا المؤلَّف الجديد إسهاما في “إغناء النقاش حول موضوع توظيف الصحافة في الكتابة التاريخية الذي لم يحظ بما يكفي من العناية”، ضاما دراسات تتناول قضايا مغربية متنوعة من تاريخ المغرب المعاصر، خلال فترة زمنية تمتد من سنة 1907، السنة التي شهدت قصف الدار البيضاء الذي شكل “بداية فرض الاحتلال على المغرب بالقوة العسكرية المسلحة”، إلى سنة 1955، التي عرفت إجراء مفاوضات إكس ليبان التي مهدت لعودة السلطان محمد بن يوسف إلى عرشه وتشكيل حكومة البكاي الأولى.

تهتم دراسات الكتاب الجديد بصورة المغرب “من خلال متون صحفية عربية مصرية وفلسطينية ومغربية، تتباين من حيث السياق التاريخي الذي أفرز نشأتها، ومن حيث خطها التحريري وتوجهها السياسي ومدة صدورها”.

تتناول الدراسة الأولى الاهتمام الكبير الذي أبدته “مجلة العمران” بالشأن المغربي خلال مطلع القرن العشرين، من خلال رصدها مظاهر التغلغل الأوروبي والأوضاع الداخلية الحرجة التي مهدت الطريق لفرض الحماية الأجنبية، وألهبت الاضطرابات الداخلية وأفشلت المحاولات الإصلاحية التي عمقت الأزمة المغربية.

الدراسة الثانية تتطرق إلى “السياسة الإسلامية الفرنسية” باعتبارها الوجه الناعم لما كان يسمى آنذاك السياسة الأهلية، بوصفها أنجع وسائل التغلغل السلمي الاستعماري التي وظفتها فرنسا في استمالة الأهالي إلى صفّها عبر دغدغة مشاعرهم وعواطفهم الدينية في القبول بالوجود الاستعماري، والتستر عما كانت ترتكبه من مجازر في حق شعوب مستعمراتها الإسلامية، وكانت “جريدة السعادة”، لسان حال الإقامة العامة، من الأدوات التي سخرتها فرنسا في الترويج لسياستها الإسلامية، ومخاطبة المسلمين بلغة الضاد”.

الدراسة الثالثة تهتم بـ”الوضع السياسي بالمغرب خلال الثلاثينيات من القرن العشرين من خلال جريدة الدفاع التي تعد من أكثر الجرائد الفلسطينية متابعة وتغطية لمجريات الأحداث والوقائع بالمغرب، حيث تطرقت إلى السياسة الاستيطانية الفرنسية والمطالب الإصلاحية للحركة الوطنية والسياسة البربرية الفرنسية، وقضية تجنيد المغاربة في قوات الجنرال فرانكو في الحرب الأهلية الإسبانية، ورصدت بالتفصيل مظاهر الدعاية النازية في المغرب.”

أما الدراسة الرابعة فتطرقت إلى موضوع الأزمة السياسية الأولى بين الإقامة العامة والقصر في أعمدة جرائد “الأهرام” و”المصري” و”المقطم”، إذ “قامت بتسليط الضوء عليها والتحليل العميق لها، وجعلت منها قضية قومية تستحق الاهتمام”، ومن بين ما اهتمت به هذه الدراسة “السياق التاريخي الذي أفرز هذه الأزمة وتمظهراتها، بالإضافة إلى استعراض مواقف الأطراف المتصارعة وتداعيات هذه الأزمة على مستقبل العلاقات الفرنسية المغربية.”

ويجد القارئ في الدراسة الخامسة تسليطا للضوء على إسهام “جريدة الوداد” في “تجديد الاهتمام بالزوايا والطرقية نهاية فترة الحماية الفرنسية، استجابة لرغبة الإقامة في إعادة التفكير في علاقتها مع شيوخ الزوايا والطرق الصوفية، وتجديد أدوارهم، والاستعانة بهم في تعزيز نفوذها. وقد دفع هذا الاهتمام بالصحف الموالية للإقامة العامة، وبخاصة جريدة الوداد، إلى فتح صفحاتها أمام شيوخ الزوايا للدفاع عن مواقفهم، ومواجهة كل أنواع الدعاية التي شنت ضدهم، ومحاولة تقليص قوة تأثيرهم الاجتماعي والسياسي”.

أما الدراسة السادسة فتنبش في ما نشرته “جريدة القيامة” الموالية للإدارة الاستعمارية الفرنسية من مواد صحافية مشحونة بـ”معاني الكراهية والإقصاء والتحريض على العنف والاستهجان والتحقير والسب والشتم الذي طال السلطان محمدا بن يوسف، وزعماء الحركة الوطنية، أواخر فترة الحماية الفرنسية”.

ويناقش مصطفى الريس مسألة الاهتمام بالتاريخ عبر الصحافة، قائلا: “لا ريب أن تاريخ الصحافة وإمكانية توظيفها كمادة في إنتاج المعرفة، يعتبر من الدراسات المستجدة التي لم تنل بعد كل ما تستحقه في البيبليوغرافيا العربية والمغربية من حيثُ البحث والتمحيص، لأن المنجز من الدراسات والأطاريح في هذا المجال مازال متواضعا ولم يرق بعد إلى تحقيق طفرة كمية ونوعية بإمكانها تعزيز رصيد الأبحاث التي تناولت تاريخ المغرب المعاصر.”

ويضيف: “تعزى ندرة الأبحاث الأكاديمية في المغرب بخصوص علاقة الصحافة بالتاريخ إلى ملابسات السياق التاريخي الذي نشأت فيه الصحافة في المغرب، وصعوبة الوصول إلى المصادر الصحفية في غياب مركز خاص بالتوثيق والأرشيف الصحفي، ووضعية الأرصدة والأرشيفات الصحفية التي يوجد معظمها عرضة للتآكل، وغياب فهارس للصحف تيسر للباحث ظروف الاشتغال على المتن الصحفي، بالإضافة إلى الخصوصيات التي يتميز بها المتن الصحفي المكتوب عن باقي المتون المكتوبة الأخرى، من حيث الحجم والشكل والإخراج، ومن حيث الأسلوب ونمط التحرير ومدد الصدور وتعدد الأنماط الصحفية.”

ويسترسل قائلا إن من مرامي هذا المؤلف “تحفيز الباحثين على الالتفات إلى المصادر الصحفية وتوظيفها في دراسة جوانب تاريخ المغرب المعاصر”، مع تنبيههم إلى الآليات المنهجية التي يتعين على الباحث الاستناد إليها أثناء تعامله مع مثل هذا النوع من المصادر”، لـ”التحكم في غزارة المعطيات التي توفرها الصحف، عبر اتباع خطوات منهجية تتعلق بمعرفة المنتج للمادة الصحفية والفئة المستهدفة ونمط المادة الصحفية، وربطها بسياقها التاريخي، مع اتباع المنهج التاريخي الذي يستدعي جمع المواد الصحفية وتصنيفها وتحليلها ثم تركيبها، لرصد أقصى درجة الصدقية فيها، بل وملاءَمتها مع وثائق أخرى غير صحفية.”

المصدر: هسبريس

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *