اخبار المغرب

الشكدالي يهتم بسيكولوجيا الإنسان المرقمن

“في بحثنا عن الشهرة، نسقط في التشهير بذواتنا”؛ لأن “الإنسان المُرقمن” عندما لا يجد قيمة ينشرها، “يسقط في إظهار مناطقه الحميمية”؛ استنتاج من بين استنتاجات أخرى شاركها الباحث في علم النفس الاجتماعي مصطفى الشكدالي مع الحاضرين في تقديم أحدث كتبه “سيكولوجيا الإنسان المرقمن”.

جاء هذا خلال موعد ثقافي نُظّم بشراكة بين مركز مغارب للدراسات في الاجتماع الإنساني وكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، ناقش كتاب الشكدالي، الصادر عن مؤسسة “باحثون”، “سيكولوجيا الإنسان المرقمَن: التنشئة الخوارزمية وبناء الهوية في عصر الثورة الرقمية مقاربة سيكو سيبرانية”.

وقال مصطفى الشكدالي إن “الإنسان الرقمي” يستعمل التكنولوجيا، أما “الإنسان المُرَقْمَن” الذي يتحدّث عنه فـ”تستعمله التكنولوجيا”، وتابع: “التكنولوجيا قد تأخذ العديد من الأبعاد، وتعوّض وظائف نفسية لا يستطيع الإنسان أن يحققها بنفسه، وبهذا يتغير سلوك الإنسان (…) ويعتقد أن هناك أشياء يستعملها لكن هناك تحكمية خوارزمية تتحكم فيما نكتب وننشر”.

ثم استرسل موضحا: “نحن مسيَّرون لا مخيرون، خاصة إذا لم تسعفنا قدرة ذهنية على الكشف عن هذه التحكمية الخوارزمية”، وعدم الاستيعاب يسقط في “ليكستيميتي” وفق جاك لاكان، وهي “نشر الحميمية” وضد “الحميمية”؛ “بنشر ما بداخل الإنسان من تخيّلات وهواجس ورغبات، وسقوط الأنا الأعلى (الفرويدي) أنا التحفظ والأخلاق، مما يصبح معه الجسد كاشفا عن حميميته في كل شيء”.

وتابع المحاضر: “الفضاء السيبراني فضاء خاص بالتنشئة الخطيرة جدا لبعدها التكنولوجي، و”الأنا السايبورغ” (…) كان شخصية أسطورية هلامية، لا تكون إلا في أفلام الخيال”، لكنها صارت تتحقّق في حالات طبية تعزز الحياة والسمع والحركة.

بل إن هذا الأنا المعزّز بالآلة يوجد “داخلنا؛ فنفكر بالتكنولوجيا، وهذا الإدراك الذي ندرك به الأشياء، وهو ما يغذي طريقتنا في التعامل، بسبب سيطرة على الذهن بنماذج مفبركة انطلاقا من التحكمية الخوارزمية، وهي تبحث عن الحشود التي يمكن فيها البيع والشراء، وهذا الجانب الاقتصادي والإشهاري هو النتيجة المبرمجة للتكنولوجيا”.

وزاد الشكدالي: “لم يعد هناك مجتمعٌ كما كنا نعرفه، فالتنشئة الخوارزمية خلقت مجتمعا مرقمنا بطريقة أخرى، خلقت إنسانا آخر؛ ومن أصل ثمانية مليارات من البشر على كوكب الأرض، أزيد من 6 مليارات متصلون، وتغيرت مفاهيم وأشياء وعلاقتنا بالذات، وحتى الطقوس المقدسة مستها الطقوس الرقمية (…) مثل الطقوس الجنائزية المرقمنة، التي تبثّ رقميا، وتعطينا أحيانا فرجة مرضية، تغيب عنها قدسية الموت. والعيد الأضحى مثلا؛ فما الذي يعنيه “سيلفي الخروف”؟ تسلية للإنسان المرقمن، الذي رقمن كل شيء، بما في ذلك العادات والتقاليد”.

وحول “السيلفي”، تطرق الباحث إلى وجود “هوية رقمية متحوّرة، كانت سباقة للتحوّر أكثر من الفيروس”، قائلا: “لقد كذّبت عنوان كتاب ‘أنا أوسلفي إذن أنا موجود’، فالحقيقة “أنا أوسلفي إذن أنا مرئي” (…) السيلفي بحث عن الوجود، ولو اقتنعت بوجودي لما قمت به.”

كما تناول مسألة “السيلفي” أمام المرآة، قائلا: “المرآة في حد ذاتها إشكال كبير في علم النفس، أما السيلفي أمام المرآة (…) أنظر إلى أنفسي وأجدني جميلا وأعتقد أن الآخرين سيجدونني جميلا. هي علاقة تخفي ما تخفيه وتظهر ما تظهر: جرح نرجسي حاولت ما أمكن الكشف عنه، وما يعزز ما قلته عن المرآة محاولة إعادة خلق الذات؛ فقبل التكنولوجيا عشنا حياة واحدة بمستويين داخلي وخارجي، لكن مع وجود الفضاء السيبراني، نعيش جميعا حياة موازية، مما دفع بالكثيرين إلى محاولة إعادة خلق ذواتهم من جديد؛ كأنهم لا يرضون عن ذواتهم، بسبب المسافة بين التصورات المثالية والواقع”.

وقدم الشكدالي مثالا بـ”الوجوه المفلترة”، التي “تحسّن” ملامح الوجه، ولون العينين، ليزيد: “العالم السيبراني واقعي، لا افتراضي، والصدمة تحدث عندما نعود إلى الواقع (…) توجد مسافة بين الواقع والمواقع، بسبب إعادة خلق الذات، وإرادة أن أكون مرئيا بطريقة أخرى غير الواقع الذي أنا بصدده”.

لكن هذه المسافة تنمحي بين الواقع والمواقع؛ فـ”ما هو سيبراني يتشكل في الواقع، فقد دخلتُ مقهى في طنجة وظننت نفسي في تطبيق ‘تك توك’، بسبب طريقة مكياج الناس ولباسهم”، وفق المحاضر.

ونفى الباحث في علم النفس الاجتماعي عن نفسه المعاناة من “رهاب التكنولوجيا”، قائلا: “يوجد من يخاف التكنولوجيا”، و”استدرك قائلا: هذا الكتاب دعوة للتناظر الفكري، وهذا الموضوع يفوق أي باحث، ومحلل بسيط، وهو كتاب يدعو إلى التفكير وإعادة النظر، وليس كتابا مكتملا”.

كما أوضح الشكدالي أن “من يندد لا يفكر، وكذلك من يبحث عن الحل مباشرة، فالحل في التشخيص، ومعرفة الميكانيزمات المتحكمة في التكنولوجيا التي تستعملنا أكثر مما نستعملها”، وبالتالي “الواقع الذي نعيشه علميا، لا أخلاقيا فقط، يجب أن يشرّح ويفهم في كل مستويات الحياة؛ لأن الإنسان المرقمن يقتات على الزيف والتفاهة، يصوّر أكثر مما يأكل، كان الأكل يخرج من منزله فصار يدخله من الخارج. يوجد شيء ما، إنسان في ذهنه الجانب التكنولوجي الذي يحدّده، وعلينا كباحثين مهتمين، وعلى الإعلام، الكشف لا الانبهار، لأن ما نعيشه اليوم يقتضي ذلك؛ فلنا خوف فقدان الهاتف الذكي، وعندما نسمع التنبيهات مباشرة نحمل الهاتف مثل كلب بافلوف!”.

المصدر: هسبريس

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *