اخبار السودان

«ود زينب» رسول الحياة السودانية , اخبار السودان

أمل محمد الحسن

منذ اشتعال الحرب منتصف أبريل العام الماضي، غابت الأخبار المفرحة حتى أنني كنت أتفادى صفحات التواصل الاجتماعي التي باتت تحمل رائحة الموت! الصور، الفيديوهات التي أُرهقت إطاراتها بكم البؤس والدمار الذي تحمله.

الكراهية والتمثيل بالجثث. مع احتشاد صفحات الفيسبوك ومنصة )تويتر( التي تحولت لـ (X) دون سابق إنذار بلغة عنصرية بغيضة، إلى جانب الألفاظ النابئة والفجور في الاختلافات حد الوصف بالعهر وسب الأمهات!

وسط كل ذلك القبح؛ طل فيديو زواج (مؤمن ود زينب) البسيط تصاحبه أصوات الزغاريد والضحك والقفشات وهو يقول للموجودين في الزفة عقبال (العزابة) ويضحك الجميع.

مشهد زواج “مؤمن” و”ثويبة” صورة الحياة ضد الموت! صورة الجمال ضد القبح. جسّد هذا الحدث البسيط معاني كبيرة تشمل إقبال الشباب وإصرارهم على الحياة والاستمرار يتحدون العنف والقنابل والدانات والموت المجاني.

(مؤمن) أكثر الأشخاص الذين كان من  المتوقع أن يبتعدوا عن الحب والحياة لأنه شهد انعدام الدواء والرعاية الطبية وافترش أرض مستشفى “النو” شاهداً على الألم والمعاناة ورفيقاً للموت المجاني الذي يهبط ويحمل الناس على غفلةِ وضيقِ ذات اليد!

زواج “مؤمن” هو انتصار جديد يضيفه هذا الشاب النحيل ذو الشعر المجدول إلى انتصاراته الفردية التي فاقت انتصارات الجيوش المتقاتلة! انتصار فرد واحد يعمل على بث الحياة مقابل كل الأيدي التي تعمل على الموت، والدعوة والتهليل له!

سبق أن صنع “ود زينب” صورة أسطورية هو وعجلته التي كان يقودها وهو يشرع ذراعاه سامحاً للهواء أن يقاومه بلطف! عندما كان يتنقل وسط الحرب برصاصها وموتها وانفجاراتها وطائراتها المرعبة. يبحث عن شريط دواء ينقذ به حياة شخص ويعين به الطواقم الطبية المتناقصة يوما بعد يوم!

لم يكن “ود زينب” يحتاج لحدث جديد يصنع منه بطل؛ مجرد انطلاقه في حياته بالطريقة التي يؤمن بها، ينقل نماذج بطولية كل يوم.

صورة “مؤمن” في الزواج بذلك المزيج العجيب؛ “الراستا” والجلباب تحدثنا عن جيل الثورة الذي أثبت شجاعته وإصراره ومحبته الصادقة للوطن التي برهن عليها منذ اعتصام القيادة ثم عمل لجان المقاومة التي كانت تحرس الدقيق وتمنع التهريب وتعمل على النظافة والتعليم وتطوير الأحياء.

جيل رفض الخنوع الذي عاشه من قبلهم تحت ظل النظام “الديكتاتوري” وقرر ألا يسير بجانب الحائط، حملوا أكفانهم في المواكب وركضوا بصدور عارية تجاه العسف والبمبان والرصاص، يسقط شهيداً يخرج خلفه مائة ثائر!

في داخل مشهد الزواج صورة الغد، الذي نتمناه خالياً من الزيف والبهارج والتكليف الذي يثقل على الكاهل ويجعل الشباب يعزفون عن الزواج! بساطة (بلح)، (هتاف ثوري) و(مديح).

لم يحتاج لصناعة الصورة الأسطورية في خياله سوى أن يضع كفه على كفها، ويعلن فوزه بحبها، يتوجها أميرة المشاوير الصعبة المرهقة وتتوجه أميرها، وأي أمير ذاك الذي يمنح روحه رخيصة فداء الوطن والناس!

تلك الهالة التي تحيط بوجه النحيل “الراستا” هي التي منحتني أملاً جديداً؛ لا أعرف من أين يأتي بتلك الطاقة لكني على يقين بأن من يمنح يحصل على سعادة هانئة تنزل على القلب مثل الماء البارد في نهار صيف حار قائظ.

يا ليت “البرهان” و”حميدتي” يشاهدون ذلك الفيديو، وينفذ إلى دواخلهم، يخبرهم حقيقة هذا الشعب الذي لا يستحق ما يفعلونه به، ليفهموا الفرق بين أن تمنح الحياة مقابل أن تأخذها!

بعد رؤيتي لذلك الفيديو القصير، الذي مزج فيه “ود زينب” صورة القديم بالحداثوي “راستا” و”عمامة”. وأبشر يا عريس يرافقها هتاف ثوري ملأني طاقة هائلة.

شعرت بفرح لأول مرة منذ اشتعال هذه الحرب العبثية المدمرة! بل منحني (أمل) و(يقين) بأن الحياة لن تنتهي في السودان سيأتي أبناء “مؤمن” و”ثويبة”.

بذور الرحمة والحب والإنسانية تكنس آثار العسكر، عسفهم وغضبهم وسلاحهم وتضع بدلا عنه قبلة حياة!

المصدر: صحيفة التغيير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *