اخر الاخبار

فرنسا تعترف بمأزقها في الساحل

التوقيت مهم جدا لفهم أي حدث أمني أو سياسي أو ظهور إعلامي، وهو بالغ الأهمية في الحوار المنشور في تلفزيون فرنسي لأمير القاعدة في بلاد المغرب، والتوقيت يسهل تفسير الحوار ويعطي فكرة واضحة حول الجهة المقصودة بالحوار.

اعترف أبو عبيدة يوسف العنابي بشكل ضمني أن بقايا الجماعة الإرهابية الخاضعة لقيادته محاصرة في مخابئ وكهوف، وهي غير قادرة على أي فعل في الداخل الجزائري. 

ونقلت الوسيلة الإعلامية التابعة لدولة فرنسا عن الإرهابي العنابي “إنكار لحالة الضغوط الكبيرة التي يتعرض لها التنظيم الإرهابي بالجزائر”، حيث قتل أو اعتقل العديد من عناصره مؤخرا، “الأمر الذي دفع التنظيم لتركيز عملياته ونشاطاته جنوبا نحو مالي وبوركينا فاسو”.

تقرير قناة فرنسا 24 اعترف أيضا بالصعوبات أثناء الاتصال مع متزعم القاعدة العنابي، بالرغم من كونه تم إلكترونيا واستغرق سنة كاملة.

لا يمكن بالمطلق فصل توقيت نشر الحوار الصحفي لأمير تنظيم القاعدة في بلاد المغرب عن الأحداث الجارية في الصحراء الكبرى، بشكل خاص مع الأزمات التي تعيشها العلاقة بين باريس ومستعمراتها السابقة في الساحل.

خليفة عبد المالك درودكال على رأس القاعدة المغاربي لم يعد يمثل أي خطورة على الأمن والاستقرار في الجزائر، أبو عبيدة العنابي لا يثير أي قلق أيضا بالنسبة لدول الساحل والصحراء، وهذه المعلومة تعرفها أجهزة الأمن الفرنسية جيدا، والرسالة في حقيقتها كانت موجهة إلى واشنطن التي لديها ثأر قديم مع القاعدة وكل من يمثلها. فهل يجوز طرح سؤال حول تعاون أبو عبيدة العنابي في هذا؟ أم أن الأمر يتعلق بعملية استغلال واستدراج من أجل إثارة انتباه الولايات المتحدة إلى المأزق الفرنسي في الساحل والصحراء؟

الظهور الإعلامي الأخير لأبو عبيدة العنابي، أمير بقايا تنظيم القاعدة في بلاد المغرب، قدم دليلا جديدا على فاعلية الإجراءات الأمنية المتبعة لمكافحة الإرهاب في الجزائر وأكد أن الجماعة الإرهابية التي يقودها عجزت على عدة مستويات، الأول المبادرة في الميدان وأيضا “تجديد دماء الجماعة” وتعويض الخسائر الفادحة التي تعرضت لها المنظمة الإرهابية في السنوات الأخيرة. قراءة مضمون الحوار الصحفي المنشور في قناة التلفزيون التابعة للحكومة الفرنسية تقدم فكرة بالغة الأهمية، وهي أن بقايا قاعدة المغرب، ومن ضمنها قيادة الجماعة، فشلت في “الفرار” من الجزائر إلى دول الساحل وعجزت عن تكرار محاولة التحاق عبد المالك درودكال، الأمير السابق للمنظمة الإرهابية بالساحل والصحراء، أو نقل عناصر جزائرية لتنشيط العمليات الإرهابية في دول الصحراء الكبرى، وقررت لعب دور “القيادة الرمزية” فقط دون أي دور تنظيمي أو ميداني، مستندة إلى موقعها التاريخي، في استنساخ لتجربة قيادة تنظيم القاعدة الدولي الذي تحول إلى مجرد جهة مرجعية بلا قيمة، وهذا ما سبق لـ”” الإشارة إليه في تقرير سابق.

الفكرة الثانية التي قدمها الحوار الصحفي أن التنظيم لم يعجز فقط عن المبادرة في الميدان والتجنيد بل عن الدعاية، فمذ تنصيبه على رأس القاعدة في بلاد المغرب، لم يظهر أبو عبيدة العنابي حتى لممارسة “الدعاية” لجماعته الإرهابية عبر الأنترنت إلا في مناسبتين فقط طيلة الفترة بين تاريخ تنصيبه في خريف 2020 وتاريخ الحوار الصحفي في مارس 2023، في دليل آخر على فاعلية وصرامة الإجراءات والتدابير الأمنية المتبعة في الجزائر، ولكن توقيت تداول الحوار ونشره تدفع للتساؤل حول أي استغلال سياسي محتمل له بشكل خاص وأنه تزامن مع الانسحاب الفرنسي من مالي وبوركينافاسو.  

حاول أمير تنظيم القاعدة في بلاد المغرب، في حواره مع قناة فرنسا 24، التغطية على إفلاس جماعته بادعاء المسؤولية المعنوية عن العمليات في الساحل والصحراء، وهذا كلام غير دقيق يعرفه أي متخصص في الجماعات الإرهابية في المنطقة، لأن الجماعات الإرهابية في الساحل باتت الآن خارج سيطرة القاعدة في بلاد المغرب، لأن أكثر من 99 بالمائة من عناصرها ليسوا جزائريين، كما أن كامل قيادة هذه الجماعات ليست جزائرية. وقد اعترف أبو عبيدة العنابي بهامشية الجماعة الخاضعة لقيادته وأن دور بقايا القاعدة المغاربية بات محصورا في تقديم “توجيهات أو نصائح” للجماعات الإرهابية غير الجزائرية في الساحل والصحراء.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *