اخر الاخبار

زيارات الرئيس تبون تفرض الاستثمار في النتائج

ختم الرئيس عبد المجيد تبون، جولته الدولية بلقاء قمة مع نظيره التركي رجب طيب أردوغان ومباحثات موسعة شملت الوفد الوزاري المرافق له في الجولة، تحت عنوان عريض هو تقييم ما تم قطعه من أشواط في التعاون الثنائي بعد عام من زيارة الدولة التي قام بها تبون إلى تركيا العام الماضي.

قبل ذلك، بحث تبون مع أمير دولة قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، ما تم في الميدان من مشاريع جرى الاتفاق بشأنها بمناسبة لقاءات وزيارات الوفود الاقتصادية بين البلدين.

أما في الصين، فكانت الزيارة استثنائية بنكهة استراتيجية نظرا للظروف التي تحيط بها وتوقيتها الذي جاء بعد زيارة دولة ناجحة إلى روسيا، أحد الأقطاب التي يتشكل منها النظام العالمي الجديد، سياسيا واقتصاديا وعسكريا.

وفي انتظار ما ستسفر عنه الاتصالات والمشاورات بين المسؤولين الجزائريين وشركائهم في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية وكندا وأيضا في جنوب شرق آسيا، تبقى بوصلة الجزائر تتحرك بكل اتجاه يحقق المصالح العليا للبلاد ويعلي صوتها في المحافل الدولية.

وإلى أن تؤتي هذه الزيارات ثمارها في المدى القريب والمتوسط، تتجلى أمام المراقبين الكثير من المؤشرات على توجه جديد في السياسة الخارجية للجزائر، تقوم على البراغماتية الاقتصادية وتوظيف الأوراق الرابحة لإقناع الشركاء الدوليين بموقع ومكانة الجزائر في ما يجري من تحولات متسارعة، خاصة في ظل السباق المحموم بين القوى العظمى من أجل الظفر بتحالفات وتنسيقات في القارة الإفريقية التي يجمع الجميع على أنها هي مصدر حلول العالم من أزماته الاقتصادية والطاقوية.

وفق هذا المنظور، تقف الجزائر في مفترق طرق يتطلب الكثير من التحليلات والقراءات لواقع عالمي يختلف كل الاختلاف عن ما عايشته الطبقة السياسية والنخب الوطنية خلال الحقب السابقة، إذ لم يعد هناك مكان للعواطف في العلاقات الدولية ولم يعد هناك وقت يضيع في لقاءات لا تجلب المنفعة، وهذا ما يستوجب فهم الآخر ومتطلباته والسرعة في الإبرام والتفاهم ودقة التنفيذ والوفاء بالالتزامات تفاديا لخسران الثقة.

ولأجل ذلك، تظهر حقيقة مستجدة وجب التنويه بها، وهو اعتماد الدبلوماسية الجزائرية على خطة لإعادة الانتشار المركز والبراغماتي في كبريات وأهم العواصم العالمية وإقليميا وجهويا، سعيا لتدارك الوقت الضائع خلال العقدين الماضيين بسبب صراع المصالح والغنائم بين مكونات “العصابة” التي استولت على صناعة القرار بعد مرض الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة، وشاركت في الهدر والتبديد والتقاسم مع أطراف أجنبية تعرقل مسار استعادة المال المنهوب بمبررات تضرب بعرض الحائط الاتفاقيات الدولية السارية في هذا المجال.

ومن الضروري أيضا الانتباه إلى الحاجة الملحة لإعادة ترتيب أولويات العمل الدبلوماسي للمرحلة المقبلة، فمثل هذه الزيارات الرئاسية لا يجب أن تبقى صورا وفيديوهات تحفظ في الأرشيف، بل يجب أن يتبعها تحرك دبلوماسي مكثف لتسريع تنفيذ الاتفاقات وتجسيد التفاهمات ميدانيا بعيدا عن الأعذار، لأن الطرف الآخر لن يقبل بالتسويف والتماطل، وإلا سارع للاستبدال والإحلال متى شعر باللامبالاة، مثلما حدث سابقا مع مشاريع هيكلية نسفت بعد الاستسلام لإملاءات أجنبية، مثلما حصل للمشاريع الهيكلية والبنى التحتية التي تعطلت بحجة غياب التمويل! كما يتوجب على باقي مكونات المجتمع، من رجال أعمال إلى رجال ثقافة ومؤثرين في شتى المجالات، مرافقة هذه التحركات الدبلوماسية وتوجهات الدولة.

 

تعدد الأقطاب

 

إن العالم اليوم يتجه نحو الشرق، مهد الحضارات، وعلى من يهمه الأمر النظر بعين فاحصة ومتمعنة للتهافت الكبير عليه من جانب دول عربية وإفريقية غنية، بواسطة إبرام شراكات شاملة مع نمور آسيا والتنين الصيني والدب الروسي، والابتعاد بقدر ما تسمح به الظروف عن غرب لم ينجح بعد مرور أكثر من 30 عاما على فرضه منطق العولمة القائم على تغيير جلد الاستعمار القديم الخشن بجلد أكثر نعومة ورفض شراكات رابحة مع الغير في الجنوب والشرق.

وبإمكان الجزائر، في ظل هذه المستجدات الدولية والأزمات المحتدمة، التركيز على العمل الدبلوماسي داخل القارة الإفريقية بإعادة توزيع أوراقها مع الشركاء التقليديين فيها، بالاستعانة بالدبلوماسيين المخضرمين أصحاب الباع الطويل داخل هيئات وهياكل الاتحاد الإفريقي وعمداء الدبلوماسية الذين تقاعدوا والاعتماد عليهم لإنشاء مراكز ونوادي تفكير وجسور وهمزات وصل مع النخب والقادة في إفريقيا والفضاء العربي والأوروبي.

كما تستوجب الديناميكية التي أرساها الرئيس تبون، من خلال جولاته الدولية الأخيرة، العودة إلى أرضية ندوة السفراء والقناصلة (نوفمبر 2021) والاستئناس بها، بل وتفعيل توصياتها، لاسيما ما تعلق بالملحقيات الاقتصادية والثقافية، لتكون مراكز متقدمة مهمته الترويج للاقتصاد الوطني ومخرجاته واقتناص الفرص التي تعود بالفائدة للشركات الوطنية من القطاعين العمومي والخاص.

كما لا يمكن إغفال الجالية الوطنية في المهجر ودورها في التأثير الإيجابي هناك والاستثمار في اللقاءات التي يعقدها رئيس الجمهورية معهم بمناسبة زياراته وعدم إضاعتها، وذلك عبر الإسراع ببناء شبكات دولية تربط الجالية، تمهيدا لوضع إطار دولي لها يربطها مباشرة بالوطن الأم وتجنيبها السقوط فريسة لتلاعبات وأجندات مخابر دولية.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *