اخر الاخبار

الرئيس تبون في الميدان.. رسائل للداخل والخارج

تنطوي زيارة الرئيس تبون إلى ولايات العاصمة وتيبازة وبومرداس في يوم واحد، لمعاينة وتدشين وإعطاء إشارة انطلاق إنجاز مشاريع جديدة ضمن سياق رؤية رئاسية هدفها وضع القطار على السكة وتحريك المياه الراكدة بفعل سنوات من الروتين والاتكالية.

لقد سعى تبون، من خلال خرجته التي وافقت الاحتفالات الرسمية بعيد الاستقلال 5 جويلية، إلى بعث عدة رسائل للجزائريين وللنخب في المجتمع، ولكل من يتابع اضطلاعه برئاسة البلاد من مراقبين وسياسيين، كما سعى إلى بعث بإشارات إيجابية نحو شركاء الجزائر الدوليين. ضخامة المشروعات وميزانياتها المعتبرة التي دشنها تبون وأعلن عن إطلاقها، وعددها 15 مشروعا هيكليا واستراتيجيا، تبعث على الارتياح وتؤكد صواب الرؤية والأهداف.

فقد ارتهن العقل والشعور لدى بعض فئات المجتمع على استحالة تغيير الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، نافخين في النفوس ثقافة قاتلة هي تثبيط العزيمة واليأس، انطلاقا من أهداف شخصية ضيقة كثيرا ما جنت على البلاد ورهنت قدراتها لتكون عرضة للنهب من فئة قليلة ومن الخارج.

أولى الرسائل داخلية، وهي طمأنة الجزائريين بشأن مواردهم المالية التي يجب أن تصرف في الأوجه ذات المنفعة العامة وتقضي على الاختلالات المسجلة في علاج الأزمات الظرفية والتي تحولت مع مرور السنوات إلى قاعدة، وذلك بإيلاء تحسين معيشة المواطنين كأولوية لا تنازل عنها، وهو حتما ما سينعكس على البلاد بالاستقرار والأمان.

الرسالة الثانية، زرع الثقة في الكفاءات ومخرجات الجامعات والمعاهد الوطنية التي تخرّج سنويا مئات الآلاف من حاملي الشهادات في كافة المجالات، وخاصة في المهن التقنية والدقيقة التي يحتاجها الاقتصاد الوطني، وبالتالي الخروج من دائرة التبعية لمكاتب ة الأجنبية والشركات الأجنبية، بل ومنافستها في الفترة القادمة في أسواق دول الجوار التي يتوجب على الجزائر اقتحامها دون تردد، مثلما هو الحال في أسواق المنطقة المغاربية وجنوب الصحراء الكبرى.

رسالة أخرى يمكن استخلاصها من خرجة تبون، وهي دعوة الجوار الجزائري إلى الاقتناع بريادة الجزائر اقتصاديا بفضل ما حباها به الله من خيرات وثروات ومقدرات بشرية قادرة على نفع شعوب المنطقة التواقة إلى مبادرات وحدوية لا خيانة فيها ولا خداع ولا مؤامرات، باعتبار أن الجزائر مصدر للسلام وليس الحروب، ودليل ذلك صولاتها وجولاتها في العالم من أجل الدفاع عن مبدأ حل الأزمات سلميا وبالحوار. وليس أدل على ذلك من مسار السلام في مالي، وإصرار الجزائر على جلوس الأشقاء في ليبيا وجها لوجه من أجل إنقاذ بلدهم من مخططات التقسيم والتقزيم، فضلا عن نضال الجزائر منذ عقود من الزمن من أجل ركون المغرب للعقل والقبول بتصحيح خطأه الجسيم عندما قرر احتلال أراضي الصحراء الغربية ونهب خيراتها على حساب شعبها الرافض للاستسلام. كما لا ننسى استعداد الجزائر للتوسط بين روسيا وأوكرانيا لبذل مساعي حميدة في إطار المساعي الدولية والأممية لإسكات صوت البنادق في أوروبا، بفضل تجاربها الناجحة في الماضي مع أعقد الأزمات.

رسالة أخرى، الافتخار بشركاتنا الوطنية التي كثيرا ما تعرضت للتهميش والإقصاء، بل وللتشويه من طرف عصابات وبارونات متحللين من الواجب الوطني لحساب مصالح أجنبية لا ينالون منها سوى الإذلال والاحتقار بفعل الخيانة التي يمارسونها إضرارا للمصالح الوطنية، وأولوية الشعب الجزائري على غيره من الشعوب في التمتع بخيراتهم وثرواتهم ومشاهدة بلدهم يتبوأ المكانة التي تليق به بين الأمم.

 

بناء الثقة

 

نزول الرئيس تبون للميدان ومن بعده أعضاء الحكومة الحالية أو القادمة خلال الفترة المقبلة، مؤشر واضح على متانة مسار اتخاذ القرار في البلاد ووضوح الأهداف، والأهم من ذلك الحرص على حصد ما يزرع من برامج ومشاريع خدمة للصالح العام والوطن، بما يعزز حظوظ الجزائر في إقناع كبار هذا العالم بضرورة التعاون مع الجزائر دون عقد ودون الاضطرار لأخذ الإذن بالمرور عبر بوابة عواصم أخرى، وكذلك دعوة صريحة من الرئيس تبون إلى مجموعة “البريكس” ومنظمة شنغهاي للتعاون من أجل وضع الثقة في الجزائر لتحقيق المنفعة المتبادلة.

أخيرا وليس آخرا، إن المشاريع التي تم اعتمادها وتدشينها، في مجالات استراتيجية، وهي المياه والصحة والإسكان، مجالات تحسب لها المنظمات الدولية والدول الكبرى الكثير من الحسابات، على اعتبار أنها مقياس لقياس مدى متانة اقتصاد أي دولة وقدرة قيادتها في التجاوب مع التحديات الداخلية والدولية، وهذا ينعكس إيجابا على الدولة التي تنجح في تحقيق نموا وتنويعا لمشاريعها الإنمائية الاستراتيجية على التصنيفات العالمية، مثلما هو الحال بالنسبة لمؤشر التنمية البشرية والمستدامة، ومدى الاستجابة لأهداف الألفية المعتمدة من طرف منظمة الأمم المتحدة.

كل ما سبق من رسائل يحتاج إلى أن تنعكس محليا بمزيد من الفطنة واليقظة بضرورة مواصلة عمليات التطوير والتحسين وحماية خيرات وثروات الأمة من محاولات الابتزاز والنهب، ومعالجة اختلالات النشاط التجاري وإنهاء الرضوخ لضغوط أصحاب النشاط الخدماتي، ليتمكن المواطنون من العيش دون منغّصات وضجر من ممارساتهم التي تحتاج إلى سيف العدالة لقطع أيدي كل من يتلاعب بأقوات الأفراد والأسر وكسر قيود الروتين والبيروقراطية.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *