اخر الاخبار

التبذير في رمضان.. انخفاض ملحوظ

يودّع الجزائريون شهر رمضان المبارك هذا العام، في جو يسوده، ولأول مرة منذ سنوات طويلة، استقرار “متعوب عليه”، لاسيما فيما يخصّ حركة أسواق المواد الاستهلاكية الأساسية ووفرتها، وهي التي كانت بالأمس القريب تثير الكثير من الجدل وتصنع الحدث على مرّ شهر كامل، في زمن المضاربة والتلاعبات. ولعلّ هذا الاستقرار لا يعدّ الميزة الوحيدة لهذا الشهر، ولكن معه تم تسجيل تراجع ملفت جدا وجد مشجع لظاهرة التبذير الغذائي، لاسيما فيما يتعلق بالمواد المدعمة على غرار الخبز، سلطان موائد الجزائريين.

لم تعد شوارع الجزائر أزقتها وأحياؤها تستقبل تلك الأكوام من الخبز، المرمية بعشوائية في الطرقات وفي الأماكن المخصصة لرمي النفايات، ومعه أصناف وأنواع مختلفة من الأطعمة والحلويات، بداية بـ “البريوش”، وصولا إلى الزلابية وقلب اللوز والتورتات.. صور طالما شوهت المحيط ومعه صورة المواطن الذي اصطدم بـ “تهمة التبذير” التي سمحت لجهات عديدة برفع مطالب ملحة تقضي برفع الدعم عن هذه المادة الأساسية، هذا الدعم الذي يعدّ، حسبها، العامل الأول للإسراف في اقتناء الخبز بكميات لا حاجة إليها.

ومنذ بداية الشهر الفضيل، كثفت وزارة التجارة ومعها كل المؤسسات والدوائر الإدارية والجماعات المحلية، من نشاطاتها التحسيسية والتوعوية، بالتنسيق مع المجتمع المدني من جمعيات خيرية ومنظمات حماية المستهلك، وأفواج كشفية، في إطار المسعى الرامي إلى الحد من ظاهرة التبذير الغذائي.

وحسب المؤشرات والملاحظات الأولية لمؤسسات النظافة والتطهير لمدينة الجزائر، فإن كمية الخبز المهدور قد تراجعت بشكل ملحوظ جدا، بحيث كشفت مؤسسة “ناتكوم” أن مصالحها التقنية قامت برفع 1150 كيلوغرام من مادة الخبز خلال العشرة أيام الأولى من شهر رمضان الجاري، في مقابل 2764 تم رفعها في الفترة نفسها من السنة الماضية 2023، مذكرة بأن إحصائيات شهر رمضان لسنة 2023، انتهت بتسجيل رفع 7116 كيلوغرام من هذه المادة المدعمة من قبل المؤسسة ذاتها، وهي الإحصائيات التي استحسنتها منظمات حماية المستهلك واعتبرتها مؤشرا إيجابيا حول زيادة الوعي لدى المواطن الجزائري مؤخرا.

ومن جهتها، ضاعفت مؤسسة “إكسترانات” من جهودها هذه السنة للوقوف على عمليات النظافة والتطهير عبر مختلف نقاط نشاطها، مركزة على العمل التحسيسي الجواري لتوعية المواطن بضرورة التحلي بروح المسؤولية وترشيد استهلاك الخبز.

وفي هذا الصدد، كشف المكلّف بالإعلام والاتصال بذات المؤسسة، كريم موزالي، لـ “”، أن الأخيرة عمدت إلى تكثيف دورياتها خلال رمضان الذي يعرف زيادة كبيرة في حجم النفايات المنزلية: “وموازاة مع ذلك، عملت وحدة الإعلام والتطوير على اقتحام كل الفضاءات العامة والتجارية والمؤسسات التعليمية والأسواق والمطاعم والمساجد، وفي الأحياء السكنية، وباستغلال منصات التواصل الاجتماعي من أجل توعية المستهلك بخصوص ظاهرة التبذير”، مؤكدا تواجد إطارات وأعوان “إكسترانات” عبر كامل البلديات التي تقع مسؤولية محيطها على عاتق المؤسسة، وهي كل من بلديات المقاطعة الإدارية للشراڤة، وزرالدة، وسيدي عبد الله، وعين البنيان، وبراقي، وبئر توتة، والدار البيضاء، والرويبة والدرارية.

كما عمدت الوحدة إلى الاستعانة بعدة وسائل من شأنها المساهمة في إيصال الرسالة إلى أكبر عدد ممكن من المواطنين، على غرار توزيع المطويات، ونشر الفيديوهات عبر الويب، “ناهيك عن تأليف كتيب يتضمن عدة وصفات وتدابير لإعادة تدوير الخبز”، يقول المتحدث، منوها إلى أن كميات الخبز المسترجعة، التي توجه غالبا إلى مركزي الاسترجاع التابعين للمؤسسة بالرغاية والرويبة، قد شهدت هذه السنة تراجعا ملفتا مقارنة بالسنة الفارطة، على غرار كل المواد الاستهلاكية الأخرى التي طالما شكلت نقطة سوداء تشوه المنظر العام للمحيط بعاصمة البلاد، وتكبد خزينة الدولة خسائر معتبرة.

 

تبذير الخبز يكلّف 320 مليون دولار سنويا

 

ومن جهته، يرى الخبير في الاقتصاد، أمحمد حميدوش، أن التقليل من ظاهرة تبذير الخبز التي تكبّد الدولة خسائر مالية تصل إلى 320 مليون دولار سنويا، تستدعي إقامة دراسة معمقة تقوم بها وزارة التجارة وترقية الصادرات، والتفكير في مراجعة طريقة دعم سعر الخبز بتسويقه بسعره الحقيقي وتحويل الدعم إلى إعانة مالية للعائلات المعوزة، تفاديا لهذه الخسائر التي يمكن استغلالها في إقامة مشاريع تنموية، مؤكدا أن مبلغ 320 مليون دولار سنويا كاف لبناء 1600 مدرسة من 12 قسما سنويا، و3500 مدرسة من 6 أقسام.

 

الإخوان يموتون جوعا

 

“ربنا اغفر لنا طعامنا وشرابنا وإخواننا جياع”.. لعلّ هذا الدعاء الذي صدحت به حناجر الأئمة في جميع مساجد الجمهورية منذ حلول شهر رمضان، قد أبكى وهز نفوس المصلين، أمام تلك الصور الموجعة لإخواننا في غزة وهم يموتون جوعا ويسقط الأطفال والرضع مسلمين الأرواح لبارئها في ظل الحصار الشنيع والإبادة الجماعية التي يتعرضون لها من قبل الكيان الصهيوني مغتصب الأرض والعرض، ولعلّه السبب الرئيسي لفقدان الجزائري لذلك الشغف بأصناف الأطعمة والأشربة التي تعرض خلال الشهر الفضيل، ليكتفي بالضروريات فقط بعيدا عن اللهفة المعهودة خلال سنوات خلت، وكيف يلهف المؤمن للمأكل والمشرب والإخوة جياع، وأطفال يحملون شيئا من الماعون عسى أن يملأه أحدهم قليلا من الطعام، أو حتى رغيف خبز يسد جوع عائلة بأكملها.. فعلا غفر الله طعامنا وإخواننا يموتون جوعا.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *