اخبار المغرب

من نقوش القصور إلى الصحراء.. أكمير يرصد الجوار المتجذّر بين المغرب وإسبانيا

يعود بياض لباس النساء في المآتم إلى “عادات موريسكية ما تزال في المغرب”، وفق الأكاديمي عبد الواحد أكمير، الذي ألقى، مساء الأربعاء بالرباط، المحاضرة الافتتاحية للندوة الدولية للمعهد الملكي للبحث في تاريخ المغرب التابع لأكاديمية المملكة، المعنونة بـ”المغرب وإسبانيا: جوار متجذر في التاريخ منفتح على الحاضر والمستقبل”.

وقال عبد الواحد أكمير إنه منذ القرن الثامن الميلادي “وقعت قطيعة ثقافية وسياسية مع المرحلة السابقة من العلاقات بين البلدين، أي منذ وصول الإسلام إلى إسبانيا إلى الوقت الراهن”.

وأضاف: “مفهوم إسبانيا كان يوجد عندما وصلها المسلمون، وهناك من يرى أنه استُعمل من قبل الفينيقيين الذين وصلوها في القرن التاسع قبل الميلادي، وهناك من يربطه بالرومان. واستعمل المسلمون [سْبانيا] بدليل قطع نقدية (…) لكنه كان مفهوما جغرافيا يتعلق بالمجال ولم يكن سياسيا، بين القرنين الثامن والخامس عشر”.

وميز المحاضر بين إسبانيا المسلمة والمسيحية؛ فـ”حركة السكان المهمة، مدنيا وعسكريا، كانت إلى إسبانيا المسلمة، وهي حركة استمرت إلى القرن التاسع، حيث هاجرت قرى كاملة من المغرب إلى إسبانيا، ومع انتقال الناس تنتقل الأفكار والعادات واللغة، ثم كانت الهجرة بين إسبانيا المسلمة وإسبانيا المسيحية، وأغلب المهاجرين رجال، ومنهم من هاجر على جذع شجرة، ووقع الزواج المختلط”.

ومن بين ما استشهدت به المحاضرة مصادر إسبانية حول “الجينيالوجيا والجغرافيا” ذكرت أنه بسبب هذا الزواج المختلط كان “تسعون في المائة من أمراء بني أمية إسبانا”، وهم فئة “المُوَلَّدين” الاجتماعية.

وعن لغات إسبانيا المسلمة، سجلت المحاضرة تعددها، ثم ذكرت أن “اللغات العالمة كانت هي العربية واللاتينية، وعاب الراهب ألبرتو القرطبي، في القرن التاسع، على الشباب المسيحي المثقف إتقانه العربية وشعر العرب، وعجزه عن كتابة جملة واحدة باللاتينية، فانتقلت إذن العربية إلى إسبانيا المسيحية، وظهر المستعربون”، علما أن “الترجمة سابقة على مدرسة المترجمين في طليطلة في القرن 13 عشر، فقد كانت منذ القرن العاشر”.

وواصل أكمير: “حتى الصلوات كانت بالعربية، والبابا غريغوري عاب [الخرافة الطليطلية]، أي الصلوات المترجمة إلى العربية”، كما انتقل “الفنّ المدجّن من إسبانيا المسلمة إلى إسبانيا المسيحية”، وقدم مثالا على ذلك بـ”قصر المعتمد ابن عباد الذي شيَّد جزأه الأكبر بيدرو الأول المسيحي، بنقوش وآيات قرآنية كان لها بعد جمالي وليس روحيا، بعدما آل الحكم إلى المسيحيين؛ وهذا يظهر التداخل الكبير، فلن تجد فرقا بين قصر بيدرو الأول والقصور والمساجد المغربية مثل صومعة حسان”، كما دخل “البرنس ذو الأصل المغربي حتى الكنائس”.

ومن أوجه التداخل الثقافي أيضا “الطبخ الذي فيه كثير من التقاطع بين الأكل الإسباني والأندلسي والمغربي، والسياسة حيث كانت في عهد ملوك الطوائف سلالات مغربية بالمعنى الواسع للمغرب، وهي أسر أمازيغية مثل بني زيري، وبني ذي النون، وبني غانية”.

وتابع: “ثم صارت عاصمة إسبانيا المسلمة مراكش، في عهد الموحدين كانت إسبانيا المسلمة جزءا من المغرب، وآخر من تدخل من المغاربة بإسبانيا المرينيون، قبل هزيمتهم في معركة طريفة”.

بعد ذلك، جاء الاستعمال السياسي لـ”إسبانيا”، أي منذ القرن السادس عشر، فيما كانت “وصية إيزابيلا تتحدث عن قشتالة، لا عن إسبانيا، ووصيتها مهمة لنقلها الصراع للضفة الأخرى، بتوصيتها باحتلال السواحل الجنوبية، وهكذا احتل الإيبيريون السواحل المغربية والمتوسطية، فجاء الأندلسيون ثم الموريسكيون المطرودون لاعتبارهم مسلمين، وهنا شكّك في عقيدتهم وصعب عليهم الاندماج”.

لكن “رغم احتلال الموانئ المغربية، لم تتوقف العلاقات الدبلوماسية”، ثم حل “القرن التاسع عشر، الذي لم يكن سهلا، بسبب الصراعات، وجاء مجموعة من المثقفين والمغامرين الإسبان إلى المغرب”، واستمرت الهجرات الإسبانية التي لم تقتصر على الشمال فقط، بل وصلت إلى الدار البيضاء والرباط، وفي القرن العشرين “بدأت تظهر جالية مغربية في إسبانيا أغلبها من التجار”.

وأبرز أكمير مفارقة بين الحمايتين الإسبانية والفرنسية، حيث “كان ما يقع في باريس يلقي بضوئه على الرباط، فيما العكس بإسبانيا حيث كان ما يقع بالمغرب يغير الحكومة أو النظام، مثل حرب مليلية، وحرب الريف التي حدث بسببها الانقلاب العسكري، كما بدأت الحرب الأهلية الإسبانية من تطوان وحسمت لصالح الجنرال فرانكو بفضل 80 ألف مغربي”.

وفي السنوات الخمسين الأخيرة، كان الملف الأساسي بين البلدين هو الصحراء، إلى حين “تغيير الموقف الإسباني في السنة الماضية 2022″، الذي رأى فيه “قرارا هيكليا لا ظرفيا”، يخدم “مصلحة إسبانيا” و”الاستقرار” نظرا لتطورات منذ إعلان المغرب مقترح الحكم الذاتي، وتلقي الحكومات الإسبانية له منذ ثاباتيرو، ثم راخوي، وصولا إلى سانشيز.

وعرّج المحاضر على التعاون الراهن في “الملف الأمني” وقدم مثال “الهجرة”، والتعاون المتزايد بنسبة 10 في المائة سنويا بين البلدين، مذكّرا بأن “55 في المائة من صادرات إسبانيا تأتي إلى المغرب”.

وفي شق التعاون الثقافي، تحدث عبد الواحد أكمير عن “حضور ثقافي متجذر منذ القرن العشرين للمدارس الإسبانية، التي تصل إلى غاية العيون، بمرتادين 80 بالمائة منهم مغاربة، يذهبون بعد ذلك إلى الجامعات الإسبانية، ومعهد ثيربانتس الإسباني حضوره هو ثاني أكبر حضور عالميا بالمغرب بعد البرازيل”.

واستحضر المحاضر “تعليم المواد العلمية باللغة الإسبانية في بعض المدارس المغربية، من أجل الانتقال السلس إلى الجامعة الإسبانية”.

واجتماعيا، قال المحاضر إن “أهم جالية بإسبانيا هي الجالية المغربية، وهي أيضا أهم جالية من حيث المساهمة في صندوق الضمان الاجتماعي، وهناك حاجة للاندماج المهني والقانوني والتربوي”، علما أن بإسبانيا 190 ألف تلميذ مغربي إسباني؛ مزدوج الجنسية”.

ثم استرسل قائلا: “المغرب بعث 100 أستاذ لتعليم الجالية اللغة العربية، وهو أمر يجب أن يتم بعقلانية، فهم أطفال مختلفون عن المغاربة في المغرب والإسبان في إسبانيا، وقضية الإسلام في إسبانيا تحتاج معالجتها وأخذها بعين الاعتبار، فعدد المسلمين مليونان، 70 في المائة منهم مغاربة”.

واعتبر أكمير أن “الورش الكبير والصعب هو الاندماج الاجتماعي”؛ فـ”أي بلد فيه الإسلام فيه الإسلاموفوبيا، وتسميه إسبانيا المورو فوبيا، وهناك أيضا الموروفيليا التي هي حب للثقافة الإسلامية بشكل لا يوجد في بلد آخر”، لكن الانتقال من الإسلاموفوبيا إلى الإسلاموفيليا يحتاج “إرادة للفاعل السياسي، والاشتغال مع رجال التربية والأدب”.

المصدر: هسبريس

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *