اخبار

نصر تموز وخط الانحدار الإسرائيلي بين وعدين..

بقلم : د. وليد القططي:

قال الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في خطابه الأخير لمناسبة الذكرى السنوية الـ17 لنصر تموز/يونيو 2006 إنَّ “انتصار تموز 2006م وضع العدو الإسرائيلي والكيان الإسرائيلي على خط النزول وخط الانحدار”، وأضاف أنَّ “انتصار 2000 أنهى مشروع إسرائيل الكبرى، وجاء التحرير في غزة (2005) ليؤكد هذا الأمر”.

ما قاله السيد حسن نصر الله عن نصر تموز وعلاقته بخط الانحدار الإسرائيلي يقودنا إلى تسليط الضوء على بداية هذا الخط منذ الانسحاب من لبنان عام 2000، والذي يقع بين وعدين؛ وعد بلفور ووعد الآخرة.

كان “وعد بلفور” عام 1917م أهم نجاح للحركة الصهيونية، إذ وعدت بريطانيا اليهود الصهاينة بإقامة وطن قومي لهم في فلسطين التي كانت على وشك أن تُحتل في نهاية الحرب العالمية الأولى. وبهذا الوعد، بدأ خط الصعود الصهيوني باتجاه إقامة “دولة إسرائيل” على أرض فلسطين، وتخللته محطات عديدة.

أهم هذه المحطات هو محطة “صك الانتداب” عام 1922 الصادر عن “عصبة الأمم”، الذي دُمج فيه وعد بلفور، فأصبح وثيقة دولية بعدما كان وثيقة بريطانية فقط، ومحطة “قرار التقسيم” عام 1947 الصادر عن الأمم المتحدة الذي أعطى اليهود 56% من أرض فلسطين.

وقد وصل خط الصعود الإسرائيلي إلى ذروته في إعلان “دولة إسرائيل” على 78% من أرض فلسطين الانتدابية، ليكتمل هذا الصعود باحتلال ما تبقى من فلسطين في حرب حزيران/يوليو 1967، بعد تأكّد الكيان من ضعف العرب في حرب العدوان الثلاثي عام 1956، لتكون الحروب الثلاث الأولى هي ذروة الصعود والعلو الإسرائيلي. 

بعد الحروب الثلاث، توقفت “إسرائيل” عن الانتصار، لتبدأ مرحلة جديدة انتقالية ما بين النصر والهزيمة أو ما بين الصعود والانحدار، بدأت بحرب تشرين الأول/أكتوبر عام 1973، التي حقق الجيشان السوري والمصري فيها نصراً واضحاً في بداية الحرب تحوّل إلى شبه تعادل عسكري في نهايتها مع نتائج سياسية أخرجت مصر وجيشها من الصراع في مقابل استرداد سيناء منقوصة السيادة.

بعدها كانت حرب لبنان الأولى عام 1982، التي حقّقت فيها “إسرائيل” نصراً عسكرياً واضحاً على قوات منظمة التحرير الفلسطينية شبه النظامية، ونصراً سياسياً واضحاً تمثّل بوصول بشير الجميل إلى الرئاسة وتوقيع اتفاقية 17 أيار مع لبنان.

ولكن سرعان ما تبخّر النصر السياسي بعد مقتل بشير الجميل وسقوط اتفاقية 17 أيار بدعم سوريا، وتحوّل النصر العسكري إلى هزيمة استراتيجية بفعل مقاومة حزب الله التي أنجزت انتصار 2000 بانسحاب “جيش” الاحتلال الإسرائيلي من جنوب لبنان من دون شروط أو قيود. 

انتصار 2000 افتتح خط الانحدار الإسرائيلي المؤسِس لكلّ انتصارات المقاومة في لبنان وفلسطين؛ ففي العام نفسه، بدأت الانتفاضة الفلسطينية الثانية المعروفة بانتفاضة الأقصى، التي كان من أهم نتائجها تفكيك المشروع الاستيطاني الإسرائيلي في قطاع غزة وانسحاب “الجيش” الإسرائيلي منه عام 2005 بفعل ضربات المقاومة الفلسطينية المتواصلة.

وكانت المحطة المفصلية في خط الانحدار الإسرائيلي هي حرب تموز 2006 المعروفة إسرائيلياً بحرب لبنان الثانية، والمعترف بها إسرائيلياً كهزيمة عسكرية واضحة أرست معادلة ردع جديدة لم تعتدها “إسرائيل” في حروبها السابقة مع الجيوش النظامية العربية، لتبدأ بعدها حروب المقاومة الفلسطينية منذ عام 2008، حتى معركة ثأر الأحرار الأخيرة، مروراً بسيف القدس وغيرها، والتي جاءت في سياق خط الانحدار الإسرائيلي. 

خط الانحدار الإسرائيلي مرتبط بالمأزق الأمني الوجودي الذي رافق الكيان الصهيوني منذ نشأته، فالأمن فيه مرتبط بالوجود، ففقدان الأمن بسبب الحروب المتكررة، وعمليات المقاومة المستمرة، يجعلان الكيان الصهيوني أكثر الدول خطراً على اليهود في العالم، وهذا يُناقض الرواية الصهيونية بأنَّ “إسرائيل” ملاذ آمن ليهود العالم، ويقوّض أساس المشروع الصهيوني القائم على الأمن الذي يجلب الهجرة للاستيطان في “أرض الميعاد”.

وقد دخل على خط الانحدار الإسرائيلي الخطر الديموغرافي الفلسطيني ما بين النهر والبحر، بعدما تساوى عدد الفلسطينيين مع عدد اليهود في فلسطين التاريخية الانتدابية، وكذلك تزايد التناقضات الداخلية الإسرائيلية العميقة بشأن هُوية “الدولة” وطبيعة النظام السياسي. 

وقد تنبّه لهذا الانحدار الإسرائيلي الكثير من المفكرين الصهاينة، منهم أمنون روبنشتاين، بقوله: “إن الكيان الإسرائيلي لا يمكنه البقاء مطلقاً بسبب نوعين من التهديد: خارجي… وداخلي”، موضحاً طبيعة هذين التهديدين بالمقاومة العربية والتناقضات الداخلية.

وكتب عبد الوهاب المسيري في موسوعته عن الصهيونية عن هذين التهديدين: “إنَّ إسرائيل تتفكَّك من الداخل بسبب تناقضاتها الداخلية… ودور المقاومة في تعجيل نهايتها”. وفي كتابه “الحرب على غزة ونهاية إسرائيل”، توقّع نعوم تشومسكي “نهاية إسرائيل” عام 2030 بسبب هذين التهديدين الخارجي والداخلي.

نصر تموز 2006 هو نقطة تحوّل تاريخية ما بين بداية “إسرائيل” ونهايتها، ومحطة مركزية فصلت بين مرحلتي الصعود والانحدار الإسرائيلي، وتاريخ جوهري ما بين وعدين؛ وعد بلفور الباطل ووعد الآخرة الحق، وعد يتلاشى ويندثر، ووعد يبقى ويزدهر.

الوصول إلى وعد الآخرة يحتاج إلى مشروع تحرير يضع عجلات الفعل المقاوم على مسار قطار القدر الإلهي المسافر نحو محطة وعد الآخرة من دون تواكل يُعوق الفعل أو تهوّر يُحبط الفعل، ويحتاج إلى وعي مع بصيرة يخرج العمل الإنساني من قاعة الانتظار على رصيف هامش التاريخ ويحميه من القفز في فراغ التاريخ، ويحتاج إلى قوة تكمل معادلة الإيمان والوعي كشرط للنصر بما تحمله من معاني الفاعلية والتأثير، وإلى وحدة وطنية وعربية وإسلامية بوصلتها فلسطين وقبلتها القدس، تجمع كل الثوار المؤمنين بمشروع المقاومة والتحرير، وفي طليعتهم محور المقاومة أو حلف القدس.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *