اخبار

الحساسية تجاه الضرورة..مهند عبد الحميد

دعا قرار صادر عن مجلس الأمن الدولي رقم 2720 إلى اتخاذ خطوات عاجلة للسماح فورا بإيصال المساعدات الإنسانية بشكل موسع وآمن ودون عوائق ولتهيئة الظروف اللازمة لوقف مستدام للأعمال القتالية. وقبل أن يجف حبر القرار وضع وزير الخارجية الإسرائيلي العوائق بالقول، إن إسرائيل ستواصل لأسباب أمنية فحص كافة المساعدات الإنسانية المقدمة لغزة وهذا يعني أنها ستتحكم في كمية ونوع المساعدات إلى ما هو اقل بكثير من سد رمق الحياة وأقل بكثير مما يحتاجه الجرحى والمرضى من علاج، وهو ما أكدته المنظمات الدولية.
الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس اعتبر أن استمرار الهجوم الإسرائيلي يخلق «عقبات كبرى» أمام توزيع المساعدات مؤكدا أن وقف إطلاق النار وحده هو «السبيل الوحيد لتلبية الاحتياجات الماسة للسكان في غزة ووضع حد لكابوسهم المستمر».
قرار مجلس الأمن الذي أُطلق عليه اسم القرار الإنساني لم يحل مشكلة المساعدات الإنسانية وخاصة في المناطق الشمالية التي تمنع دولة الاحتلال وصول المساعدات الغذائية والطبية إليها، وتعاني من خطر المجاعة والأوبئة بوتائر متزايدة. والقرار من ناحية أخرى، يجيز ضمنا مواصلة حرب التدمير والإبادة الإسرائيلية تحت لافتة «تهيئة الظروف اللازمة لوقف مستدام للأعمال القتالية». هذا ما يعكسه تفاهم أميركي إسرائيلي حول استمرار العدوان وتصعيده دون سقف زمني، مقابل إدخال مساعدات إنسانية مقننة بالمقاييس والشروط الإسرائيلية التي تحظر وصول المساعدات إلى شمال غزة. وما يعنيه ذلك من استمرار توفير الغطاء والدعم الأميركي للعدوان واعتبار الحسم العسكري هو الحل الوحيد.  
بسبب الموقف الأميركي الداعم للعدوان، يتفاقم الوضع الإنساني في قطاع غزة بشدة، وتتواصل عمليات تدمير مقومات بقاء المجتمع ووضعه في شروط غير إنسانية. يقول الخبراء، إن الهجوم العسكري على قطاع غزة هو من أكثر أنواع الهجوم دموية وتدميرا. فتتحدث التقارير عن جرائم قتل ما يزيد على 20 ألف فلسطيني وجرح ما يقرب من 60 ألف شخص، 70% من الشهداء والجرحى من الأطفال والنساء، وعن تدمير ثلثي المباني السكنية والتجارية في شمال القطاع، وربع المباني في جنوبه، كما جرى تدمير معظم البنية التحتية من مدارس ومستشفيات – خرج عن الخدمة 27 مستشفى من أصل 36 مستشفى و110 مساجد و3 كنائس، وجرى تعطيل الكهرباء والاتصالات والبنوك وتدمير 39% من الأراضي الزراعية في شمال القطاع و20% في الجنوب وتشريد 1,9 مليون من قطاع غزة أي 85% من السكان. ويواجه نصف مليون شخص، أي قرابة ربع السكان، خطر الجوع بحسب تقرير صادر عن برنامج أممي يرصد مستويات الجوع في العالم. وفي الأسابيع الستة المقبلة، قد يجد جميع سكان القطاع البالغ عددهم 2,4 مليون نسمة، أنفسهم في الوضع نفسه. وبحسب المنظمة فإن «المجاعة تقترب في غزة. السكان يتضورون جوعا ويبيعون أغراضهم مقابل الغذاء»، مضيفا، «الآباء يحرمون أنفسهم حتى يتمكن أطفالهم من تناول الطعام. يقول تقرير لمنظمة «اليونيسيف»، إن 1.2 مليون شخص يعانون من مستويات طارئة من انعدام الأمن الغذائي الحاد. ويضيف، إن جميع الأطفال دون سن الخامسة والبالغ عددهم 335 ألف طفل معرضون بشدة لخطر سوء التغذية الحاد. وتقدر «اليونيسيف» بأن 10 آلاف طفل دون سن الخامسة سيعانون من اكثر أشكال سوء التغذية الهزال الشديد وسيحتاجون إلى أغذية علاجية. وتشعر «اليونيسيف» بالقلق بشأن تغذية 155 ألف امرأة حامل وأم مرضعة، بالإضافة إلى أن 135 ألف طفل دون سن الثانية، احتياجاتهم الغذائية الخاصة تتفاقم.  
في كل يوم إضافي من العدوان، يزداد خطر الموت والدمار وتهجير المواطنين من مكان إلى  آخر داخل قطاع غزة. كما حدث مؤخرا مع أجزاء من مدينة خان يونس ومخيمي البريج والنصيرات ومنطقتي الزهراء والمغراقة التي تضم 6 مناطق إيواء. وبدون إعلان، تسعى دولة الاحتلال إلى تحويل القطاع أو الأجزاء الحيوية منه الشمال والوسط إلى مكان غير آمن وغير صالح للحياة البشرية والاستقرار، وسط تواطؤ أو صمت دولي لا مثيل له.
وفي هذا السياق، يسعى المعتدون عبر المزيد من القتل والتدمير والترهيب والتجويع إلى خلق وتنمية استعداد لدى المواطنين للبحث عن مكان آخر آمن تتوفر فيه شروط الحياة خارج قطاع غزة، وهو ما اصطلح على تسميته التهجير الطوعي الذي لم تستبعده الدول المؤيدة للعدوان، بل حاولت تمريره في بداية العدوان تحت ذريعة حماية المدنيين أثناء الحرب.
الخطر الداهم والعذاب والبؤس والمصير المجهول الذي يهدد المواطنين لا يحظى بالاهتمام اللازم والضروري ولا حتى بوضوح الحد الأدنى. فمنذ بداية حرب الإبادة صارت مهمة حماية 2.4 مليون فلسطيني من خطر الموت وخطر تدمير البنية التحتية للمجتمع الغزي وإذلاله وتهجيره هي المهمة المركزية للحركة السياسية ولكل مكونات الشعب الفلسطيني في مختلف أماكن تواجده. وبناء عليه فإن كل تكتيكات المقاومة من المفترض أن تصب في هذه المهمة. فإذا كان هدف العدوان الإسرائيلي هو تدمير المقاومة وحركة حماس وسائر فصائل المقاومة، والسيطرة الأمنية المباشرة على قطاع غزة، وترى قيادة العدوان أن هذا الهدف يتحقق عبر تدمير المجتمع الفلسطيني وبنيته وتشكيلته الاقتصادية وتهجيره فضلا عن تدمير بنية المقاومة، فإن الرد يكون بالدفاع عن المجتمع وبنيته وبتوفير المقومات الضرورية لصموده ولمشاركته في الرد على العدوان. لا يكفي صمود المقاومة وقتال مقاوميها الشجعان ضد قوات الاحتلال وتكبيده خسائر فادحة، بمعزل عن صمود المجتمع ومنع انهياره والتقليل من خسارته وآلامه. دائما يقال، إن المقاومة هي السمك والشعب هو البحر. ولا حياة للسمك خارج البحر والماء. ما تفعله إسرائيل بالشعب لا يحظى باهتمام المقاومة. فعندما يقال، إن المقاومة ستصمد سنة أو اكثر،  فإن صمودها يحتاج إلى صمود المجتمع سنة وأكثر. ومن حق المجتمع أن يعرف كيف. وعند البحث في هدنة وفي تبادل للأسرى فلا ينفصل ذلك عن البحث في الثمن الذي يدفعه المجتمع. حماية المواطنين وخاصة الأطفال والمسنين، وتأمين الغذاء والعلاج، ورفع معنويات الناس من داخل عمليات القتل والتدمير كل هذا لا يُضمّن في الخطاب السياسي والإعلامي.
وقف العدوان مسألة في غاية الأهمية وهو مطلب 2.4 مليون مواطن. ومن حقهم معرفة سبل وقف العدوان. الحساسية تجاه الضرورة، تجاه مشاعر وحاجات الناس من المفترض أن توزن في ميزان الماس، وهذا يستدعي إعادة النظر في الخطاب السياسي والإعلامي. من حق المواطنين الذين يتعرضون للعدوان أن يعرفوا الطريق، البداية والصعوبات والآفاق والثمن والنهاية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *