اخبار

هيرست: “إسرائيل” تجر أمريكا إلى حرب إقليمية قادمة من بوابة غزة

حذر الكاتب الصحفي البريطاني، ديفيد هيرست من اندلاع حرب إقليمية وجودية، بفعل استمرار الحرب التي تشنها “إسرائيل” في غزة، وانجرار أمريكا خلف الخطط والترتيبات التي تقرها الحكومة الإسرائيلية.

وقال هيرست في مقال له بموقع” ميدل إيست آي” الذي يتلى رئاسة تحريره، إن “إذا سمحت واشنطن لإسرائيل بتحويل غزة إلى مخيم ضخم للاجئين يضطر الفلسطينيين تدريجياً إلى ركوب القوارب فإن معركة وجودية غير مسبوقة سوف تشتعل في سائر المنطقة”.

ومحذرا من تأثير سياسة التجويع في غزة، قال هيرست، إن المجاعة الكبرى هي التي أسست لجذور النضال من أجل الاستقلال، حرفياً، في إيرلندا، ففي تلك الأجزاء التي كانت الأكثر تضرراً داخل إيرلندا، خرج ثلاثة من زعماء انتفاضة عيد الفصح في عام 1916.

وتاليا نص مقال ديفيد هيرست:

عندما سئل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عما إذا كان يتفق مع مؤتمر “انتصار إسرائيل” الذي عقد مؤخراً، والذي طالب بطرد الفلسطينيين جماعياً من غزة، قال إن وزراء حكومته الذين شاركوا في المؤتمر “من حقهم أن تكون لهم آراؤهم”.

كالعادة، كان ذلك مضللاً. فقبل شهور فقط، كان قد كلف رون ديرمر، أحد أقرب مساعديه، بالبحث عن السبل الكفيلة بتقليص عدد سكان غزة.

كان الفكرة من ذلك هي تجاوز مقاومة كل من مصر والولايات المتحدة وأوروبا لموجة أخرى من اللاجئين، من خلال فتح البحر كبادرة إنسانية.

لاحظت صحيفة إسرائيل اليوم، التي حصلت على نسخة من الخطة، ما يلي: “إن ظاهرة اللاجئين في مناطق الحرب أمر مقبول. فعشرات الملايين من اللاجئين غادروا مناطق الحرب حول العالم فقط خلال العقد المنصرم، من سوريا إلى أوكرانيا. وكل هؤلاء تبين أن لديهم عنواناً في البلدان التي وافقت على قبولهم كبادرة إنسانية. ولذا، ما الذي يجعل غزة مختلفة عن ذلك؟ فالبحر أيضاً مفتوح أمام أهل غزة. ولسوف تقوم إسرائيل باختيارها، بفتح معبر البحر وتمكن الخروج الجماعي إلى البلدان الأوروبية والأفريقية”.

لا يوجد ما يشير إلى أن نتنياهو قد تخلى عن خطته لدفع أعداد كبيرة من الفلسطينيين لركوب القوارب – ولا حتى ما يشير إلى أن الجيش يقاوم مثل هذه الأوامر، على الرغم من الكثير من التوترات التي تعصف بحكومة الحرب المصغرة.

بحسب ما أورده صحفي من موقع كان نيوز، قال نتنياهو، في كلمة له في لقاء مغلق للجنة الشؤون الخارجية والأمن في الكنيست، إن الميناء سوف يسهل إخراج الفلسطينيين من غزة، وأضاف إنه لا توجد عوائق أمام الفلسطينيين الذين يغادرون قطاع غزة سوى عدم رغبة البلدان الأخرى قبولهم.

إذا كانت لا توجد خطة حاسمة ومقنعة ليوم ما بعد الحرب، فيبدو أن ثمة إجماعاً على إبقاء كل سكان قطاع غزة في خيام، عالة على المساعدات التي تتحكم بها إسرائيل وحدها.

المجاعة والتهجير

تسير الأمور حسب الخطة. فبعد خمسة شهور من الحرب، لم يعد لدى 1.1 مليون نسمة، أي ما يقارب نصف سكان القطاع، أي مواد غذائية، وها هم يصارعون الجوع الكارثي. وهذا أكبر عدد من الناس يواجهون الجوع الكارثي تم توثيقه من قبل نظام التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي.
وتشتد المجاعة بشكل خاص في المحافظتين الشماليتين في قطاع غزة، حيث مازال ما يقرب من 300 ألف نسمة محشورين هناك.

يمكن لذلك أن يتوقف خلال أربع وعشرين ساعة، فثمة كم هائل من المساعدات الإنسانية تنتظر الدخول على الحدود مع غزة. آلاف الشاحنات تم توقيفها في الجانب المصري من معبر رفح، بينما تم احتجاز حمولة سفينة من المعونات الواردة من تركيا في ميناء أشدود منذ خمسة شهور.

ولكن لم تجد نفعاً كل التحذيرات الصادرة عن الأمم المتحدة والبيت الأبيض، ولا قضية الإبادة الجماعية المرفوعة لدى محكمة العدل الدولية، في دفع نتنياهو نحو إطلاق سراح المساعدات التي تطفح بها حدود غزة. بدلاً من ذلك، يستمر قادة العالم في الحديث عن عنق الزجاجة على الحدود كما لو كان بلا مسبب، وكأنه حدث هكذا من تلقاء نفسه.

إن تقييد تدفق المساعدات سياسة ينتهجها أعضاء الكنيست بيني غانتز وغادي أشكنازي بقدر ما هي سياسة ينتهجها نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت، وخاصة أن المجاعة الشاملة أسلوب مجرب بهدف إجبار الرعايا غير المنضبطين على الخروج من وطنهم. وكما هو الحال في كثير من الأحيان في تاريخ الاستعمار، كانت بريطانيا هي أول من جرب ذلك.

لقد صفق الرئيس الأمريكي جو بايدن، ولكن لابد أنه كان يتلوى من الداخل عندما ذكره رئيس وزراء جمهورية إيرلندا ليو فاردكار بأوجه التطابق بين ما يحدث الآن تحت سمعه وبصره وبين المجاعة التي ضربت إيرلندا في القرن التاسع عشر.

أثناء حديثه بمناسبة يوم القديس باتريك داخل البيت الأبيض، قال فاردكار: “السيد الرئيس، كما تعلم، إن الشعب الإيرلندي منزعج جداً بسبب النكبة التي تجري أمام أعيننا في غزة. عندما أسافر حول العالم، عادة ما يسألني الزعماء لماذا يتعاطف الشعب الإيرلندي بهذا الشكل مع الشعب الفلسطيني، والإجابة على ذلك بسيطة: إننا نرى تاريخنا في عيونهم. إنها حكاية التهجير، وانتزاع الممتلكات، والتشكيك في الهوية الوطنية أو إنكارها تماماً، والهجرة القسرية، والتمييز، والآن التجويع”.

في خطاب وقعت عليه مجموعة من مؤرخي المجاعة الكبرى، ناشد الموقعون “ضمير أمريكا الإيرلندية” حيث قالوا في خطابهم:
“إننا نطالب الأمريكيين الإيرلنديين بوصفهم مواطنين، وبوصفهم أعضاء في مجتمعات ثقافية ومحسنة، كزعماء سياسيين، أن يستخدموا نفوذهم من أجل تجنب مجاعة شديدة كتلك التي واجهها أسلافهم”.

كما جاء في الخطاب: “في سبيل تحقيق ذلك، إنه لمن الضرورة أن تتوقف الولايات المتحدة عن تسليح إسرائيل، وأن تمارس الضغط على إسرائيل من أجل وقف العمل العسكري ورفع الحصار عن قطاع غزة، وأن تتوقف عن استخدام الفيتو (حق النقض) في مجلس الأمن الدولي بشأن فلسطين، وأن تستأنف تمويل الأونروا، الوكالة التي تعتبر الأفضل تجهيزاً واستعداداً لتقديم المساعدات، وأن تقوم بدور الوسيط النزيه من أجل تحقيق تسوية سلمية بين إسرائيل وفلسطين”.
 

رسالة قوية

شتان بين هذه القائمة وبين أجندة بايدن، الذي بلغ به النفاق أن يصفق لما سمعه من من فاردكار بينما يمضي قدماً في بيع إسرائيل طائرات مقاتلة من طراز إف 35.

بعيداً عن الميكروفونات الساخنة، يقال إن بايدن صاح وشتم عندما قيل له في لقاء خاص داخل البيت الأبيض إن ثمة تراجع في شعبيته في ولايتي ميتشغان وجورجيا بسبب معالجته للحرب في غزة، قائلاً إنه كان يعتقد بأنه إنما يفعل الصواب، على الرغم من التداعيات السياسية.

ولكن ثمة رسالة أشد قوة من وراء المقارنة بين المجاعتين.
فكما يعلم بايدن جيداً من تاريخه هو – كونه سليل من نجوا من المجاعة الكبرى – لم يتمكن القمع البريطاني من إطفاء جذوة التمرد، بل زادها اشتعالاً.

كانت المجاعة الكبرى هي التي أسست لجذور النضال من أجل الاستقلال، حرفياً، في تلك الأجزاء التي كانت الأكثر تضرراً داخل إيرلندا. لقد كانت سكيبرين، في أقصى الطرف الغربي لمنطقة غرب كورك، واحدة من أكثر المناطق تضرراً بالمجاعة ما بين 1845 و 1852. ومن تلك المنطقة خرج ثلاثة من زعماء انتفاضة عيد الفصح في عام 1916: مايكل كولنز، توم باري، وجريمايا أودونفان روسا.

بحلول عام 1916 لم يبق على قيد الحياة سوى قلة قليلة من الناس الذين عاشوا المجاعة، ولكن ذلك لم يكن مهماً كثيراً، لأن ذرياتهم لم تنس.

ونفس الشيء ينطبق على القضية الوطنية الفلسطينية اليوم، حيث أوقد التجويع الجماعي في غزة شعلة النضال من أجل دولة فلسطينية، ومن أجل إنهاء الاحتلال الإسرائيلي. إن تداعيات ما يجري الآن أمام أعيننا تبلغ من القوة ما يكفي لتغذية المقاومة والتطلع نحو النصر لعدة أجيال قادمة.
ولكن آلة نتنياهو ليوم الآزمة لا يخطر ببالها التوقف عن المحاولة. بل في الواقع هي في بداياتها.
 

خطة قيد التنفيذ

منذ أن رفض زعماء العشائر في غزة خطط توزيع المساعدات تحت إشراف إسرائيل، وتشكيل ما يشبه نظام فيشي (في فرنسا أثناء الاحتلال النازي)، اندلع القتال في المحافظات الشمالية ودارت رحى معركة أخرى عند مستشفى الشفاء.

الأمران مترابطان. فقد شكلت العشائر “لجاناً شعبية” لضمان وصول قوافل المساعدات إلى مراكز التوزيع التي تديرها وكالة غوث اللاجئين (الأونروا). في الواقع كانت القوافل تسير تحت حراسة مختلف الفصائل، بما في ذلك فتح وحماس. نجحت عمليات توصيل المساعدات بشكل باهر، وكانت الأولى التي تصل براً منذ أسابيع.

ولكنها كانت في نفس الوقت ضربة قوية لإسرائيل – أولاً لأنها أثبتت أن حماس ماتزال فاعلة وقادرة على تنظيم شؤون الناس في الشمال، وثانياً لأنها أوحت بأن إسرائيل فقدت، ولو مؤقتاً، السيطرة على توزيع المساعدات، وسيلتها الأساسية في الضغط على السكان.

وبناء عليه قامت إسرائيل باستهداف وقتل الرجل الذي كان مسؤولاً عن تنسيق القوافل، مدير عمليات الشرطة فايق المبحوح، بعد أن حاصرته داخل مستشفى الشفاء.

تلت ذلك الضربات الجوية، ويوم الثلاثاء قتل الإسرائيليون ما لا يقل عن 23 فلسطينياً كانوا مسؤولين عن توفير الأمن للمساعدات الواردة. إن القيام بمثل هذا الفعل أبعد ما يكون عن الحكمة لو كانت إسرائيل تسعى بالفعل إلى تأسيس شكل من أشكال السيطرة المدنية بعد أن تنتهي الحرب.

من خلال إعلانها الحرب على العشائر التي لم تزل تحاول منذ خمسة شهور التحدث إليها، فإن إسرائيل توحد بذلك جميع سكان قطاع غزة خلف الفصائل الفلسطينية.

لا يوجد نقص في القدرات التنظيمية داخل قطاع غزة، فالقطاع الآن عن بكرة أبيه موحد ضد إسرائيل.

الكتابة على الجدار

باتت خطة نتنياهو جلية الآن: إطالة أمد الحرب إلى أطول مدة ممكنة، وإغلاق جميع الحدود البرية، انتهاء برفح، وجعل البحر هو المنفذ الوحيد لخروج الفلسطينيين من غزة.

من وراء كلمات التنديد الساخنة، لم يزل بايدن وزعماء الاتحاد الأوروبي حتى الآن يتصرفون بما يخدم خطة نتنياهو. فها هي البنية التحتية لإنفاذ مثل هذه الخطة يتم إنشاؤها أما سمعنا وبصرنا، وذلك بفضل رغبة واشنطن في المساعدة.

يجري حالياً إنشاء رصيف مؤقت لاستقبال المساعدات مباشرة في غزة، حيث يقول بايدن إنه سيكون بإمكان الميناء استقبال سفن ضخمة تحمل الغذاء والمياه والأدوية والمساكن المؤقتة. والهدف، كما قال، هو السماح بزيادة ضخمة في كمية المساعدة الإنسانية التي تدخل إلى غزة كل يوم.

يتحدث بايدن كما لو كان الميناء من بنات أفكاره، وكما لو كان رداً على المجاعة. ولكنه لم يكن أياً من هذين الأمرين.

بل نتنياهو هو أول من خرج بفكرة إقامة خط بحري إلى غزة عبر قبرص، وذلك بحسب ما أكده مصدر دبلوماسي كبير لصحيفة ذي جيروزاليم بوست، حيث قال: “لقد بادر نتنياهو بطرح فكرة إنشاء خط بحري للمساعدات الإنسانية لإغاثة السكان المدنيين في قطاع غزة، وذلك بالتعاون مع إدارة بايدن”.

إن التاريخ الذي حدث فيه ذلك أهم من هوية صاحب المخطط. فكما جاء في تقرير الصحيفة، كان نتنياهو قد تحدث عن استراتيجيته للرئيس القبرصي نيكوس كريستودوليدس يوم 31 أكتوبر (تشرين الأول)، بعد ثلاثة أسابيع فقط من هجوم حماس، وعاد وطرح الموضوع على بايدن يوم 19 يناير (كانون الثاني).

بمعنى آخر، لم يكن الرصيف العائم رداً على المجاعة الوشيكة، بل كان جزءاً من الخطة التي أفضت إلى المجاعة.

وانظر إلى الموقع الذي يتم فيه إنشاء الرصيف. فهناك في مدينة غزة ميناء أكبر وأفضل بكثير، ولكنه لا يناسب الغايات التي يسعى نتنياهو إلى تحقيقها. يظهر الميناء الجديد في نهاية الطريق الذي حفره الجيش الإسرائيلي في وسط قطاع غزة لفصل شمال القطاع عن جنوبه. وبينما تناط بالقوات الأمريكية مهمة بناء الرصيف، سوف يقوم الجيش الإسرائيلي نفسه بإدارة وفحص المساعدات الواردة.
 

بينما تخوض سفينة بناء الرصيف عباب مياه البحر نحو غزة، ولن يكون الميناء جاهزاً لاستقبال السفن قبل شهرين من الآن، تقول مصادر البحرية الأمريكية إن تفاصيل كيفية تدفق المساعدات من البحر إلى غزة لم يتم الانتهاء من وضعها بعد – ولسبب وجيه.

سوف يكون الطريق والميناء تحت سيطرة الجيش الإسرائيلي، نفس الجيش الذي خنق نقاط العبور الموجودة واستهدف الفلسطينيين الذين كانوا يحاولون تأمين شاحنات المساعدات التابعة للأمم المتحدة. كل من يعرف المنطقة ويعلم تاريخ هذا الصراع يجدر به أن يحذر من استخدام كلمة “مؤقت” عندما تستخدم لوصف بنية تحتية من هذا النوع.

فجدار الفصل الذي أقيم في الضفة الغربية كان من المفروض فيه أن يكون مؤقتاً كرد فعل على العمليات الانتحارية. وحصار غزة كان يفترض فيه أن يكون مؤقتاً. والآن يطلب منا أن نقبل بميناء في غزة تحت سيطرة الجيش الإسرائيلي باعتباره منشأة مؤقتة للتعامل مع المجاعة.

في طريقه إليكم

لو أريد لأحد أن يفيق سريعاً ويدرك مآلات هذه الخطط، فينبغي أن يكون ذلك حكومات قبرص واليونان وإيطاليا، التي سوف تصبح الوجهات المقصودة لأزمة اللجوء الجديدة التي تخطط لها إسرائيل.

لقد أعلن الاتحاد الأوروبي عن حزمة مساعدات بثمانية مليارات دولار كجزء من صفقة لوقف الهجرة من مصر. سلم الاتحاد المبلغ لنظام الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي كان حكمه الفاسد سبباً رئيسياً في خلق المشكلة.

ذلك هو منطق قلعة أوروبا: ادعم دكتاتوراً يثير الفوضى في بلده ويجبر آلاف المصريين على ركوب قوارب الهجرة، ثم كافئه من خلال تحويل الموجة البشرية من البؤس، والتي أوجدها هو ابتداءً، إلى جدول متدفق من الإيرادات التي هو في أمس الحاجة إليها.

بإغلاق رفح بشكل دائم، سوف تحرم إسرائيل مصر من آخر أوراقها الاستراتيجية: غزة. وبعد أن تنازل عن ريادة مصر للعالم العربي، وفقد كل نفوذ كان لديه على جيرانه، السودان وليبيا، لم يبق لدى السيسي سوى مهمة واحدة، ألا وهي العمل لدى أوروبا فتوة من الحجم الكبير، يتنمر نيابة عنها على اللاجئين.

يوشك الاتحاد الأوروبي تكرار نفس الخطأ مع نتنياهو: السماح لإسرائيل بوقف تدفق المساعدات الدولية إلى غزة عبر الحدود البرية، ثم مساعدته في إقامة بنية تحتية لانطلاق الموجة القادمة من اللاجئين نحوها. وما ثبت نجاحه في سوريا يمكن أن ينجح في غزة.

إذا لم تصح بروكسيل اليوم وتنتبه إلى ما تخطط له الحكومة الإسرائيلية في غزة، فلسوف تصحو قريباً جداً عندما تبدأ القوارب المكتظة بالفلسطينيين تصل إلى الجزر اليونانية وإلى الشواطئ الإيطالية.

ولكن ثمة نقطة أخرى تحتاج واشنطن إلى الإقرار بها. لقد استمعت إلى نتنياهو عندما قام في عام 2002، وبصفته مواطناً، بالإدلاء بشهادته أمام الكونغرس معتبراً أن غزو العراق كان خياراً جيداً.

استمعت له الولايات المتحدة حينذاك وانظر إلى الذي حدث. لقد أطلق غزو العراق سلسلة من الأحداث التي أغرقت المنطقة كلها في حالة من الفوضى، ومكنت إيران من مد أذرعها في أنحاء العالم العربي، وأعادت إشعال الانقسامات الطائفية.
 

واليوم، يوحد الغزو الإسرائيلي العالم العربي ضد إسرائيل. وغدا الحوثيون مفخرة العرب في كل أنحاء الشرق الأوسط بسبب حملتهم ضد الملاحة الغربية في البحر الأحمر. ومع ذلك تظل السياسة الأمريكية منقادة لنتنياهو.

في قلوب العرب اليوم مزيج من الأمور الخطرة والقوية: الغضب، والشعور بالذل والهوان، والإحساس بالذنب. وهذه خلطة كفيلة بإشعال نار حرب وجودية لم يشهد لها مثيل الجيل الحالي من الإسرائيليين، ناهيك عن أن تكون لديه الرغبة في خوضها.

لو انساق بايدن خلف إسرائيل في هذا الطريق فإنه بكل تأكيد سيخسر الانتخابات القادمة. لقد بلغ الغضب بالأمريكيين العرب حداً غير مسبوق. ولكن العواقب الاستراتيجية لذلك ضئيلة، حتى بالنظر إلى مدى سوء سلوك الرئيس الديمقراطي.

فيما لو سمحت الولايات المتحدة لإسرائيل بتحويل غزة إلى مخيم ضخم للاجئين، الأمر الذي يجبر الفلسطينيين تدريجياً على ركوب القوارب، فإن ذلك هو الذي ستكون عواقبه الاستراتيجية هائلة، تتضاءل أمامها تداعيات غزو العراق، الذي آل إلى الفشل الذريع.

لم تعد إسرائيل مكسباً استراتيجياً ولا حليفاً عسكرياً للولايات المتحدة. بل هي بذرة، وحاضنة، ومرجل لحرب إقليمية. فيما لو حدث ذلك فإن الولايات المتحدة تستحق كل ما سينالها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *