اخبار

حكم تأخير الحج

أجابت دار الإفتاء المصرية عن سؤال ورد اليها عبر موقعها الرسمي مضمونة: “ما حكم تأخير حج الفريضة بعد الاستطاعة لرعاية الأم المريضة؟ فهناك شخصٌ أكرَمَه اللهُ تعالى بالقدرة المالية والبدنية على أداء فريضة الحج، لكن أمه مريضة ولا يقدر على تركها، حيث يقوم على خدمتها ورعايتها، وليس لها غيره يرعاها ويقوم على شؤونها في هذا الوقت، فهل يجوز له تأخير الحج إلى العام القادم أو إلى تمام شفائها ثم يَحُجُّ؟”.

لترد دار الافتاء موضحة، ان رعايةَ الرجل المذكور أُمَّهُ المريضةَ، وقيامَه على خدمتها والاعتناء بكافة شؤونها التي تحتاجه فيها، مع عدم وجود مَن يقوم مَقامَه في ذلك على وَجْهٍ مَرْضِيٍّ، مقدَّمٌ على أدائه فريضة الحج، ثم يبادر بالحج بعد ذلك في عامٍ قادمٍ ما دام مستطيعًا، ولا إثم عليه في ذلك ولا حرج؛ لأن تلك الرعاية هي واجبُ الوقت المتعيِّن عليه، لعدم وجود غيره لرعايتها، وتفوت الرعاية إذا ذهب إلى الحج، فكانت مِن الواجب الذي لا يتكرر، فتُقدَّم على الحج، والذهاب إلى الحج مِن الأعمال القاصرة التي يعود نفعُها على المكلَّف (الولد) دون غيره، بخلاف رعاية الأم، فإنه عملٌ مُتَعَدٍّ، فيعود نفعُه على الولد (المكلَّف) بالخير الكثير والثواب العظيم والأجر الجزيل، وعلى الأم بالرعاية وقضاء الحوائج والتطبيب وغير ذلك، ومِن القواعد المقررة في الشرع الشريف أن “المُتَعَدِّي أفضل مِن القاصر”.

حكم تأخير حج الفريضة بعد الاستطاعة لرعاية الأم المريضة

قد اشترط أهلُ العلم مع القدرة والاستطاعة البدنية والمالية: انتفاء الموانع التي تُحيل بين المكلَّف وبين الذهاب للحج، ومِن جُملة هذه الموانع: رعايةُ الوالدين أو أحدهما، ويتأكد ذلك إذا كان مريضًا ولم يكن له مَن يرعاه أو يخدمه ويقوم على شؤونه واحتياجاته غير ولدِه المكلَّف مُريد الحج، فإذا انتَفَت الموانع تحقَّقت الاستطاعة المشروطة لوُجُوب الحج، وإلا فلا، وذلك بالإجماع.

رأي السادة الحنفية في هذه المسألة

قد نص فقهاء الحنفية على أنه يُكره ذهاب الولد إلى الحج إذا كان أبواهُ أو أحدُهما في احتياج إلى خدمته وكَرِهَ خروجَه، وتُحمَل الكراهة على التحريم كما قرَّره بعضُهم، ومِن ثَمَّ فيأثم إن فعل ذلك، وقيل: هي كراهة تنزيه، والكراهة في الحالَتَيْن تُفيد تقديمَ خدمة الوالدين أو أحدهما على الذهاب لأداء فريضة الحج.

دليل تقديم رعاية الأم المريضة على أداء فريضة الحج

يتأكد تقديمُ رعاية الأم المتعيِّنة على أداء فريضة الحج بالاستفادةِ مِن قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «لَوْ أَدْرَكْتُ وَالِدَيَّ أَوْ أَحَدَهُمَا، وَأَنَا فِي صَلَاةِ الْعِشَاءِ، وَقَدْ قَرَأْتُ فِيهَا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، يُنَادِينِي: يَا مُحَمَّدُ، لأَجْبُتُه: لَبَّيْكَ» رواه الأئمة: ابن البَخْتَريِّ في “أماليه”، والبيهقي في “شعب الإيمان”، والديلمي في “الفردوس”، وابن الجوزي في “البر والصلة”، مستدلين به على عِظَمِ شأن بِرِّ الوالدين ومكانته، واستَشهد به الحافظان: البيهقي في “الشعب” (10/ 284، ط. مكتبة الرشد)، والسَّخَاوِي في “المقاصد الحسنة” (ص: 551، ط. دار الكتاب العربي) على تقوية حديث: «لَوْ كَانَ جُرَيْجٌ فَقِيهًا عَالِمًا، لَعَلِمَ أَنَّ إِجَابَةَ دُعَاءِ أُمِّهِ أَوْلَى مِنْ عِبَادَةِ رَبِّهِ»، وشرْطُ الحافظ البيهقي في “الشعب”: أنه لا يُورِدُ فيه حديثًا مكذوبًا.

وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أنه سَمِعَ رسولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَعُولُ» أخرجه الأئمة: أبو داود والنسائي في “السنن”، والحاكم في “المستدرك” وصححه.

فيتحصَّل مِن ذلك: أنَّ رعايةَ الأم المريضة التي لا تَجد غيرَ ولدها لرعايتها مُقَدَّمةٌ على أداء فريضة الحج، باعتبار أن تلك الرعاية هي واجبُ الوقت المتعيِّن على هذا الولد؛ لعدم وجود غيره لرعايتها، وتفوت الرعاية إذا ذهب إلى الحج، فكانت مِن الواجب الذي لا يتكرر، فتُقدَّم على الحج، بخلاف الحج، فإنه إن لَم يَحُجَّ مِن عامه حَجَّ فيما يليه مِن أعوام، فكان مِن الواجب الذي قد يتكرر، فيُؤَخَّر عن رعاية الأم المتعيِّنة غير المتكررة.

وينضاف إليه: أن الذهاب إلى الحج مِن الأعمال القاصرة -كما في “المنثور في القواعد الفقهية” لبدر الدين الزَّرْكَشِي (2/ 421)- التي يعود نفعُها على المكلَّف (الولد) دون غيره، بخلاف رعاية الأم، فإنه عملٌ مُتَعَدٍّ، فيعود نفعُه على الولد (المكلَّف) بالخير الكثير والثواب العظيم والأجر الجزيل، وعلى الأم بالرعاية وقضاء الحوائج والتطبيب وغير ذلك، ومِن القواعد المقررة في الشرع الشريف أن “المُتَعَدِّي أفضل مِن القاصر”؛ كما قال الحافظ السيوطي في “الأشباه والنظائر” (ص: 144، ط. دار الكتب العلمية).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *