اخبار

مع جمال زقوت في كتابه “غزاوي.. سردية الشقاء والأمل” ..خالد بطراوي

“غزاوي – سردية الشقاء والأمل” هو عنوان الكتاب التوثيقي، وإلى حد ما “السيرة الذاتية” للفلسطيني جمال زقوت. صدر الكتاب عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية ويقع في (389) صفحة من القطع المتوسط، وصمم الغلاف مايا شامي بينما إلتقط الصورة التي ظهرت على الغلاف عمر القطاع، وهي صورة لطفل يركب دراجته وسط أمواج البحر وخلفه على ما يبدو شقيقته الصغيرة وعلى الأرجح أن الصورة قد إلتقطت على أحد شواطىء بحر قطاع غزّة، حيث ترتبط بعنوان هذا الكتاب، وعكفت لميس رضى على التدقيق والتحرير اللغوي. على صفحة الغلاف الخارجية الأخيرة ورد تعريف بالكتاب والكاتب وجاء فيها أن هذا الكتاب هو “مذكرات” تراجع” المسيرة الحافلة لحياة لاجىء ومناضل من جيل النكبة في مخيمات غزّة والشتات تجمع بين التجربة الشخصية الحميمة والمشهد العام ….”. كما وورد تعريف بالكاتب جمال زقوت بوصفه سياسياً وناشطاً فلسطينياً ولد في مخيم الشاطىء في غزّة في كنف أسرة لجأت من بلدة إسدود جراء نكبة 1948. إعتقل عدة مرات وأبعدته سلطات الإحتلال سنة 1988 الى خارج فلسطين بتهمة المشاركة في تأسيس القيادة الوطنية الموّحدة للإنتفاضة الأولى …….”. إذاً نحن هنا أمام كتاب توثيقي بأسلوب روائي، يجمع بين الخاص والعام، فيتجسد الخاص في سرد روائي وإطلاله على جزء من مسيرة حياة الكاتب جمال زقوت وعائلته مع إرتباط ذلك الجزء بالكل الفلسطيني وبعض المحطات النضالية الفلسطينية التي خاضها الكاتب وأسرته، في قناعة تامة منه بأن ” الفرد مُسخّر لأجل المجموع” وتماشياً مع ما قالته شاعرة فلسطينية ذات يوم أن الإنسان ” لم يخلق كي يسير بطريق مختصرة من المهد الى اللحد”. ثمة مسألتان هامتان الأولى تتعلق بتوثيق التاريخ الشفوي وأهميته، وبشكل خاص من مناضلين من كافة بلدان المعمورة سعوا الى تخليص الإنسانية من ويلات الإستعمار والإمبريالية والإحتلال ليس فقط على الصعيد السياسي (وأرقى أشكاله الكفاح المسلح) وإنما أيضاً على كافة الأصعدة الإقتصادية والإجتماعية والثقافية والتراثية والفلكلورية وغيرها، في مقابل رواية التاريخ المكتوبة التي عادة ما يوثقها “المنتصرون” أصحاب الماكنة الإعلامية …. ماكنة عائلة روتشيلد الصهيونية، المسألة الثانية تتعلق بالتساؤل الذي طرحه الكاتب الفلسطيني محمود شقير عندما قدّم لكتاب ” البدايات” للمناضل التقدمي يعقوب زيادين سبعينات القرن المنصرم حيث قال ” هل نحن بحاجة الى كتب السيرة الذاتية؟” … لأجد نفسي أردد على الدوام وبإصرار” نعم …. نعم”. يحمل كتاب جمال زقوت عنوان “غزاوي – سردية الشقاء والأمل” رغم أنه من مدينة “إسدود” المشهورة بأنها ثاني ميناء في فلسطين، ورغم ذلك كتب “غزاوي” وليس “إسدودي”، كيف لا وهو الذي ولد عام 1957 في قطاع غزّة، فعاش طفولته في مخيم الشاطىء، وشبّ شابا هناك، وكان شاهدا على حرب الأيام الستة عام 1967، حيث جرى إستكمال إحتلال فلسطين، وعاش جميع أفعال المقاومة الشعبية والمسلحة في قطاع غزة، وإستلهم تجربة “جيفارا غزّة” ورفاقه في مقاومة الإحتلال، ومشى في جنازتهم وصولا الى الإنتفاضة الأولى التي إندلعت أواخر عام 1987 ومشاركته في تشكيل القيادة الفلسطينية الموّحدة للإنتفاضة. ثمة مسألة هامة هنا، تتعلق بجيل الفلسطينيين الذين ولدوا إبان النكبة والهجرة و/أو بعدها بقليل، حيث أننا نجد القليل من التوثيق عن هذا الجيل، ومشاعره وقد عاش في خيام اللجوء، وكما يقولون فألأطفال ” يحلمون أحلاما كبيرة” و”يملكون ذاكرة تتسم بالديمومة”. استبق بتواضعه جمال زقوت القارىء بالطلب من الكاتب محمود شقير أن يقدّم للكتاب، الذي هو بدوره بعد قراءته له قبل طباعته قرر أن يصف الكتاب بأنه “سيرة جمال ونائلة” …… والسيدة نائلة ” أم المجد” هي زوجته التي بعيداً عنه، وقبل أن تتعرف به كانت من المناضلات الفلسطينيات، وإعتقلت أكثر من مرة وإعتقل معها طفلهما “مجد” الذي أمضى ستة أشهر في المعتقل، فكان “الرجل الوحيد في سجن النساء” كما كتبت عنه محاميتها التقدمية اللامعة ڤيليتسيا لانغر. ونوّه الكاتب محمود شقير في مقدمته للكتاب بأن هذه السيرة لا تقتصر على جمال وعائلته بل تتعداهم ” لتصف نضالات الشعب الفلسطيني وتضحياته ….” وأردف الكاتب محمود درويش في تقديمه للكتاب أن ” جمال، وهو يكتب سيرته، يسرد كثيرا من قضايا الوضع الفلسطيني العام، وكذلك الوضع العربي، وبعض تطورات الوضع العالمي ….. ولعل ميزة هذا السرد أنه يتم بأسلوب بعيد عن الرصد التوثيقي الجاف، فيكون السارد في قلب الحدث أو على مقربة منه، فيصبح كما لو أنه جزء من رؤية السارد ومن تجربته”. وبذلك فإن الكاتب محمود شقير يكشف لنا عن هوية جمال زقوت، فهو الذي لا يرى ويقيم الأمور من “خرم الإبرة” بل يرى القضية الفلسطينية في إطار أولا حركة التحرر الوطني العالمية، وثانيا يجمع بين الأممي والقومي، القومي والطبقي، العربي والفلسطيني، تماما على هدي النشيد الوطني اليمني ” عشت إيماني وعمري …أمميا، ومسيري فوق دربي … عربيا ، وسيبقى نبض قلبي … يمنيا”. في حديثه عن ” الغزاوي” يقول جمال ” إن خذلتك الذاكرة يا صديقي عد الى البحر، اليوم أعود وأسأله، فهو وحده يعرف وجوه الناس وملامحهم، حتى إنه يعرف ما كان في قلوبهم من أسرار لم يستطع بعضهم الإفصاح عنها، حتى لنفسه ….”. نعم، هي ذي المعادلة، تخذلنا الذاكرة فلا بد لنا من أن نهرول نحو البحر .. أو أن نجلس عند جذع زيتونة حيثما لا يوجد بحر، مع قناعة تامة بمقولة الكاتب الداغستاني الفذ رسول حمزاتوف ” إذا أطلقت رصاصات مسدسك على الماضي، أطلق المستقبل عليك مدافعه”. تحدث جمال زقوت في الفصل الأول من كتابه عن “المخيم” حيث ولد في مخيم الشاطىء بمدينة غزّة مستعرضا تاريخ مخيم الشاطىء الذي أقيم عام 1949 وإستعرض نضالات بعض المناضلين التقدميين وبضمنه بعض الأفراد من عائلته وبلده، وتحدث عن بداية توجهه الديني، كرّس بعض ذكرياته للحدث عن شقيقه الاكبر الشهيد بشير المدفون حالياً في مقبرة الشهداء في بيروت- لبنان، مشيراً إلى أنه “نموذجاً لكل شىء” وإستعرض ذكريات هدم منزل العائلة من قبل سلطات الاحتلال وإستعرض سنوات مراهقته ليعود مجدداً للحديث عن شقيقه الشهيد بشير في محاولة منه لأن يحافظ على تسلسل الترابط الزمني، ثم وفي الفصل الثاني من كتابه يتحدث عن “بشير وشتات العواصم” ليصل الى تاريخ إستشهاده وهو 4/4/1978 ويدفن في لبنان. إنتقل الكاتب جمال زقوت الى الحديث عن فترة دراسته الجامعية في بلغاريا إبان الحقبة الإشتراكية وتحدث بعجالة عن الدور النضالي للحركة الطلاىبية والتعبئة العامة لها للتطوع والانخراط في الحروب الدفاعية عن الوجود الفلسيطي في لبنان. في الفصل الثالث الذي حمل عنوان ” نائلة وأنا” استعرض الكاتب تعرفه على نصفه الآخر في بلغاريا حيث اختلط الخاص بالعام والإنتقال للحديث عن واقع الحركة الأسيرة ، والعودة الى حياتهما الشخصية وكيف فقدت نائلة جنينها أثناء إعتقالها، وكيف تحرك الرأي العام العالمي إزاء هذه المسألة والروايات الإسرائيلية المتناقضة حول الموضوع ودور المحاميتين التقدميتين الإسرائيليتين فيليتسيا لانغر وليئا تسيمل. كما وعرّج الكاتب بعجالة متحدثا عن المناضلة الإيطالية لويزا مورغنتيني. في الفصل الرابع الذي حمل عنوان ” الإنفجار الكبير” استعرض الكاتب شذرات من الإنتفاضة الفلسطينية المجيدة الأولى مع ما رافقها من تداعيات فلسطينية وعربية وإقليمية وعالمية. كما وتوقف في كتابه عند مسألة تشكيل القيادة الوطنية الموّحدة للإنتفاضة التي تبنت شعار” لا صوت يعلو فوق صوت الإنتفاضة” مشيداً بدور المناضل الدكتور حيدر عبد الشافي، منوها الى تجذر الإنتفاضة يوما بعد يوم مؤكدا على أنها كانت ” إبداع شعبي غير مسبوق” كما وعرّج على مسألة التوقف ممارسة الكفاح المسلح في خضم الإنتفاضة لصالح المقاومة الشعبية التي انخرط فعالياتها المتنوعة كل فئات الشعب،ثم متحدثا حول مسألة “هيكلة الإنتفاضة”. كما وإستذكر الكاتب تلك الفترة التي عاشها مطارداً متنقلا من منزل الى آخر إحتضنه أصحابه، وكان واضحاً في مسألة موقف الفصائل من الإنتفاضة من ناحية تردد الشيوعيون في الانضمام للقيادة الموحدة، وإحجام الإخوان المسلمين وإنخراط حركة الجهاد. كما تحدث في الكتاب حول موقف التجار والتزامهم بالفعاليات الانتفاضية، وحول إرتباك القيادة الفلسطينية في الخارج إزاء مسألة “دفة القيادة” بين الداخل والخارج، لينتهي بالكاتب المطارد الى الإعتقال من مدينة القدس وتطرق الى ميلاد الابن الأول ” مجد” بعد اعتقاله بأيام، ومن ثم دخول الطفل إلى السجن أثناء إعتقال أمه ” نائلة”، كما توقف عند تسميته بإسم “مجد” الذي هو عبارة عن الأحرف الأول لـ “منظمة الجبهة الديمقراطية” ثم أفرد بعضاً من صفحات كتابه حول المحطات الإعتقالية له قبل أبعاده واصفاً شعور المعتقلين وحزنهم على إغتيال القائد الفلسطيني خليل الوزير ” أبو جهاد”. وبكل أمانه وموضوعية تحدث الكاتب حول إلإنشقاق الذي عصف بالجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين وتشكيل الإتحاد الديمقراطي “فدا”، ثم إنتقال للحديث حول تشكيل الوفد الفلسطيني المفاوض برئاسة الدكتور حيدر عبد الشافي والوصول الى إتفاقيات “أوسلو” ثم رحلة العودة من الإبعاد الى قطاع غزّة.والتي كانت خاتمة الذكريات التوثيقية للكاتب وأتبعها ببعض الصور. وبعد، ربما يكون السرد التاريخي للكاتب مثار خلاف في بعض التفاصيل مع ذكرياتٍ لآخرين، وهذا أمر طبيعي فالكاتب يكتب أولا ذكرياته وثانياً رؤيته ومنظوره لبعض الأحداث التاريخية المفصلية التي عصفت بالثورة الفلسطينية والقضية الفلسطينية حتى أوائل مرحلة ما بعد “إتفاقيات أوسلو”. السؤال المطروح هنا والموجه الى الكاتب نفسه ” هل سيتبع هذا الكتاب كتاب أخر يتحدث عن الفترة ما بعد إتفاقيات أوسلو الى المرحلة التي وصلنا إليها الآن، ولماذا … أيها الكاتب العزيز أوقفت ذكرياتك الى ما قبل إتفاقيات أوسلو “؟ “غزاوي” كتاب لجزء من السيرة الذاتية للكاتب يجمع بين الذاتي الخاص والعام ويسجل بعضا من التاريخ الشفوي الذي يطغى عليه التاريخ المكتوب، وبذلك فهو جهد يصب في خانة توثيق التاريخ الشفوي علّه يظهر ما أخفاه التاريخ المكتوب. “غزاوي” يستنهض ذكريات كل من مرّ في حياته بذات التاريخ الذي مر به الكاتب ويدعو الجميع للكتابة والتوثيق فمن ” لا ماض له … لا حاضر له … ولا مستقبل”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *