اخبار المغرب

منافسات جائزة الحسن الثاني تُنعش فن “التبوريدة” وتحفز عشاق الفروسية التقليدية

في أجواء احتفالية وتنافس محموم تجري أطوار منافسات جائزة الحسن الثاني لفن “التبوريدة” في حلبة دار السلام بالرباط، حيث تسعى كل سربة إلى الصعود إلى منصة التتويج والظفر بالجائزة الكبرى التي تصل قيمتها المالية إلى 500 ألف درهم، فضلا عن توشيح صدور الفرسان الذين سيظفرون بها بالميداليات الذهبية.

وتحافظ هذه التظاهرة، التي تنظم تحت إشراف الجامعة الملكية المغربية للفروسية، على الأجواء التقليدية التي تُنظم فيها سباقات “التبوريدة” في مختلف مناطق المغرب، حيث يقيم الفرسان في مضاربَ نُصبت بمحاذاة حلبة السباقات، وداخل كل خيمة تُرسم الخطط من طرف “المقدمين” لنيل الجائزة.

ولا يخفي الفرسان أن جائزة الحسن الثاني لفن “التبوريدة” شكلت دافعا قويا لاستمرار هذا التراث المغربي العريق، الذي ما زالت تتوارثه الأجيال، وإن كانوا يؤكدون أن الوضعية الاجتماعية لكثير من المتيّمين بركوب صهوة الخيول وإفراغ شحنات البارود في الهواء تصعّب عليهم مأمورية الاستمرارية؛ بالنظر إلى ما يتطلبه التكفل بالفرس من مصاريف باهظة لا طاقة لكثير منهم بها.

زهير الخموري، نائب مقدم سربة العسري التي تمثل جماعة عين حرودة بعمالة المحمدية، قال إن فن “التبوريدة” في المغرب يحظى باهتمام كبير من طرف الجامعة الملكية المغربية للفروسية، مشيرا إلى أن “ما يؤكد هذا هو أن فن “التبوريدة” لم يعد تراثا مغربيا فحسب، بل أصبح تراثا عالميا بعد أن اعترفت بها اليونسكو”.

وكانت اللجنة الدولية الحكومية لاتفاقية صون التراث الثقافي اللامادي التابعة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) قد أدرجت، سنة 2021، “التبوريدة” المغربية ضمن قائمة التراث الإنساني غير المادي؛ وهو ما اعتبرته الجامعة الملكية المغربية للفروسية “شرفا لكافة المتدخلين في ميدان الفروسية والذين ساهموا في نقل القيمة العالمية لهذا الفن”.

ونوه الخموري بمستوى منافسات جائزة الحسن الثاني لفن “التبوريدة”، التي تستمر أطوارها في دار السلام بالرباط إلى غاية يوم الأحد المقبل، قائلا: “هي جائزة كبيرة يحب كل فارس أن يشارك فيها نظرا لقيمتها ومكانتها وطنيا ودوليا، ويتوق كل مشارك فيها إلى أن يصعد منصة التتويج وتمثيل الجهة التي ينتمي إليها خير تمثيل”، لافتا إلى أن الفرسان الذين يتنافسون على الجائزة يحرصون على أن يقدموا صورة جيدة عن المغرب، كما يحرصون على تعليم أبنائهم من أجل الحفاظ على هذا التراث.

وبالرغم من التطور الذي شهدته الفروسية التقليدية، فإن اعتماد الفرسان على إمكانياتهم الذاتية لضمان استمرار هذا الفن يقضّ مضجعهم؛ وهو ما أكده الخموري بقوله: “لا أخفيك أن البداية تكون صعبة جدا؛ ذلك أن تكوين فرقة للتبوريدة تستدعي التوفر على خيول جيدة وعلى فرسان مهَرة، فضلا عن التجهيزات وتكاليف التداريب، وهو ما يتطلب مصاريف كبيرة”، قبل أن يستدرك: “ولكن طموحنا يساعدنا على تخطي هذه الصعاب”.

قبل انطلاق المنافسات الرسمية لجائزة الحسن الثاني لفن “التبوريدة” بنحو ساعة، يشرع الفرسان في تجهيز أنفسهم لجولة جديدة من التباري على احتلال الصفوف الأولى؛ وذلك في أجواء حافلة بالطقوس التقليدية التي توارثتها أجيال عشاق الفروسية التقليدية على مر القرون.

تبدأ الاستعدادات بارتداء الأزياء التقليدية، ثم يتحلق الفرسان حول “مقدم” السربة، الذي يُلقي كلمة ويزودهم بآخر التعليمات والنصائح، وقبل مغادرة الخيمة يتلو الفرسان سورا من القرآن، ويصلون على النبي، ثم يختمون بالدعاء لأنفسهم بالفوز وبأن يغادروا مضمار السباق “المحرث” سالمين.

وتعدّ “التبوريدة” إرثا ثقافيا وحضاريا يتوارثه المغاربة جيلا عن جيل، ولا تزال عملية توريثه وإراثته مستمرة إلى اليوم، وهو ما يؤكده يحيى القدسي، مقدم سربة جمعية أولاد عزوز للتبوريدة بعمالة المناصرة بالقنيطرة، بقوله: “ورثت حب فن التبوريدة عن عمي الذي كان بدوره مقدما، أي أننا توارثناه أبا عن جد، وأنا حاليا أعلم أولادي هذه الهواية”.

ويوجد حاليا في المغرب أكثر من 300 سربة التبوريدة منضوية تحت لواء الجامعة الملكية المغربية للفروسية و5900 حصان مخصص لفنون الفروسية التقليدية، حسب المعطيات الصادرة عن الجامعة.

المصدر: هسبريس

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *