اخبار السودان

لدغات العقارب.. المناصير: معاناة الإنسان في القرى المنسية

مثلت لدغات العقارب هاجساً متجدداً لكثير من الأسر في منطقة المناصير بولاية نهر النيل شمالي السودان، والتي فقدت جراءها أعزاء كثر لاسيما الأطفال دون العاشرة.

إعداد: سناء عبد الرحمن الرشيد

ظلت منطقة المناصير بولاية نهر النيل تعاني منذ سنوات متطاولة من شتى صنوف التهميش والإهمال الرسمي وظلت المنطقة تعاني بصورة كثيفة من موت الأطفال بلدغات العقارب.

في الأسطر التالية، سلط هذا التحقيق الصحفي الضوء على مشكلة لدغات العقارب في المنطقة من كل الزوايا ورصد بصورة دقيقة معاناة المواطنين والحلول المقترحة والمطالب المشروعة لأهل المناصير.

التحقيق اكتمل قبل اندلاع الحرب في 15 أبريل 2023م وبات في حكم المؤكد أن المعاناة هناك تفاقمت مع تداعيات الحرب الكارثية وتدهور وتراجع كل الخدمات وبالذات الخدمات الطبية والصحية والتحديات الكبيرة في قطاع الطاقة والكهرباء والمصاعب الأخرى الملازمة للحرب من كوارث صحية واقتصادية.

لم يكن الطفل حسام عبد الحكم ذو الـ4 سنوات هو أول صيحة من صيحات الوجع ولا آخرها، فسيرة الوجع والفجائع، جلّلت معظم بيوت مناطق المناصير الواقعة بين ولايتي نهر النيل والشمالية في شمال السودان.

صنف العقارب

القاتل المتربص قناص ماكر يحبو مع الأطفال أثناء اللعب داخل وخارج البيئة المنزلية، فالطفل حسام الدين كان يحبو على الأرض يبني من خيالاته اللاهية واقعاً يحاكي به في لعبه واقعنا المرير، لكن خطراً محدقاً به وبالكثير من أقرانه لحق به، فقد اشتكى حسام لأمه أن حجراً أصابه في رجله، سرعان ما بدأ يشعر بآلام لا تشبه بأي حال إصابة الحجر، فقد اكتشف الجميع أن عقرباً ساماً من صنف العقارب المسؤول عن أكبر عدد من اللسعات القاتلة في السودان قد لدغه.

نوبات قلبية

هرع ذوو الطفل حسام إلى أقرب نقطة لتقديم العناية الطبية تسبقهم الأمنيات بأن يسبغ الله على طفلهم بالصحة والعافية، لكن مساحة الأمل في الوقت ذاته كانت النقطة الأبعد من حيث الجغرافيا بالنسبة لتقديم العناية والرعاية الطبية، فقد كانت مسافة تفصل بين منطقتين يتم العبور لضفتها الثانية عبر المعدية “اللنش”، وعلى الرغم من بعد المسافة إلاّ أنّ الطفل قد تلقى الإسعافات الأولية وتم حقنه بمصلٍ واقٍ لتلافي النوبات القلبية التي قد تحدث في الغالب نتيجة سم العقرب القاتل، لكنّ الموت قد عاجل الطفل حسام عبد الحكم الذي لم يستطع جسمه الناحل أن يتحمّل مضاعفات العلاج ولا انتشار السم اللعين في جسمه فمات بشكلٍ مأساوي، بعد أن عانى الصبي بعد ذلك فيما يبدو نوبات قلبية وتوفي على إثرها.

وفقاً لمايو كلينك: ” لدغات العقرب مؤلمة، ولكنها نادراً ما تكون مهدِّدة للحياة. الأطفال الصغار والأشخاص المسنون هم الفئة الأكثر عُرضة للإصابة بمضاعفات خطيرة، لا يحتاج البالِغون الأصحَّاء عادةً إلى علاج للَدغات العقرب. ولكن يمكن أن يكون للدغة العقرب آثار خطيرة في الأطفال الصغار”.

لدغة العقرب الأعراض والأسباب Mayo Clinic (مايو كلينك)

مواطنون من المناصير

القلق والحسرة

الألم الناجم عن مثل هذه الحوادث يتجاوز الضحايا إلى ذويهم المفزوعين، وربما كان الموت راحة للموتى، ولكن القلق والحسرة أصبحا سمات تسيطر على الآباء والأمهات الذين فقدوا فلذة أكبادهم، فوالدة الطفل حسام عبد الحكم والذي توفي في حجرها بدأت قلقة وفي حالة نفسية سيئة، لكنها استعادت رباطة جأشها وقالت (إنها لا تريد أن ترجع للوراء وتسترجع شريط التذكر المريع الذي قضى من جرائه ابنها بلدغة العقرب، ولكنها ينبغي أن تمضي قدماً لتوفير الأمان مع آخرين لتجنيب أطفالها الآخرين مغبة الوقوع في ذات الخطر).

مخاض عسير

مثله في الفجيعة كانت الطفلة سوسن مجاهد ذات الـ15 يوماً، والتي حرّم عليها عقرب لئيم أن تلتقم ثدي أمها الرؤوم، فالطفلة التي جاءت للحياة بعد مخاض عسير، كانت أثيرة عند والديها، قضت نحبها بعد أن التصقت عقرب جانح بجسدها الناحل لتمتص منها ألق الحياة والبراءة.

تقول خالتها راوية التي تحدثت بالإنابة عن الأم الحزينة، والدة الطفلة لا تقوى على الحديث معنا، لكنها أشارت إلى أن منطقتهم التي تسمى بـ”كرمين” وهي من أنحاء قرى المناصير خالية من المراكز الصحية ونقاط الغيار، لكنهم استعانوا بـ”مساعد طبي” من أبناء المنطقة أعطاها المصل إلا أن جسد الطفلة الصغير لم يقوَ على المقاومة فلفظت أنفاسها الأخيرة وسط صدمة الجميع.

ولم تكن والدة الطفلة “رندا ” في الثانية عشر من عمرها بأحسن حال من سابقتها فقد دهمت ابنتها الصغيرة “عقرب الموت” داخل حذائها المدرسي بلدغات متتالية أدت إلى موتها في الحال.

مواطنة من المناصير

معدلات الوفيات

ويظل بعد المسافة بين مراكز تقديم الخدمة الطبية ومنازل المواطنين، أحد أكبر المشاكل التي تسهم في ارتفاع معدلات الوفيات خاصة بين الأطفال والمواليد، ولأنّ العقارب لا تعرف توقيتاً ولا مناسبة فقد لقت الطفلة عائشة ذات الـ12 عاماً حتفها ، والناس يحتفلون بعطلة عيد الفطر العام الماضي، وبذات الوتيرة المكررة لم يستطع المصل الذي أخذته تثبيط مفعول السم في الجسم بما فيه الكفاية فالمسافة الفاصلة بين نقطة الرعاية الصحية ومنزلها بمنطقة “شيري” كانت هي ذاتها المسافة الفاصلة بين حياتها وموتها، غطت والدتها السيدة فاطمة وجهها بثوبها الأسود وهي تعدد مآثر ابنتها، وقالت: “لقد كانت ذكية ومطيعة ولمّاحة، وتستعد لامتحانات المرحلة المتوسطة”، ثم انخرطت في موجة بكاءٍ حار، وهي تتمتم بدعوات المغفرة والقبول لابنتها.

المناصير

عقرب الموت

سجلات الواقع اليومي في منطقة المناصير تحتوي على حكايات وأوجاع، كلها تقع في المنطقة الوسطى بين الألم والأمل، الألم الذي يعانيه الجميع يومياً حتى غيّر من روتين الحياة هناك، والأمل في أن تعود الحياة إلى طبيعتها وتنتهي أم الهواجس “عقرب الموت”.

والحوادث التي تنطوي على لدغات العقارب ليست نادرة الحدوث لأن المنطقة تقع على بحيرة سد مروي، بولاية نهر النيل في السودان، فالبحيرة التي أنشأت بهدف توليد الكهرباء عبر سد مروي شهدت سجالاً سياسياً كبيراً بين الحكومة السودانية والمواطنين الرافضين لقيام السد في مناطقهم في العام 2009م، ومقاومة خيارات التهجير التي حاولت الحكومة وقتئذٍ فرضها عليهم، لم يكن أهالي المناصير يعلمون أن إنشاء سد مروي ستكون آثاره كارثية عليهم وتنقلب حياتهم إلى رعب دائم وقلق مستمر وفواجع لا تنتهي.

طفلة أصابتها لدغة

عشرات الأطفال

ويظل السد الذي غمر القرى الأصلية والتأريخية للمناصير، هو المتهم الأول في انتشار العناكب السّامة، التي جعلت شبح الموت يخيّم على قاطني تلك القرى، فمع امتداد بحيرة السد على نحو (100 كيلومتر)، ودخولها إلى القرى والأراضي الزراعية والجزر، فمنذ ذلك الوقت يغيّبُ الموتُ عشرات الأطفال سنوياً، ويعيش الأهالي قلقاً دائماً وخوفاً من فقدان أحد أبنائهم ويختبرون شعور العجز وفلذات أكبادهم تموت بين أياديهم لعدم توفر الأمصال تارةً ولبعد المراكز الصحية تارة أخرى.

السميات والأوبئة

رأت حكومة الرئيس المعزول عمر البشير في السد مشروعا استراتيجياً، وبشرّت به عبر آلتها الإعلامية الضخمة، حتى أن الرئيس البشير أولاه عنايته ورعايته الشخصية، لكن المواطنين يرون فيه أرضيةً مفخخةً بهوام الأرض ودوابها التي اعتبروها مصادر السميّات والأوبئة وامتداداً لسلسلة المعاناة والألم التي لا يعلم أحد نهايتها، فقد كادت أن تقضي على آمال وطموحات مواطنيها في تلك القرى التي يبلغ عددها (101) قرية، يتراوح عدد سكان القرية الواحد بين (110 إلى 116 أسرة)، بعضها عبارة عن جزر، أكثر من ثلاثين منها على أقل تقدير موبوءة بزحف العقارب، مما فاقم من معدلات الإصابة بلدغات العقارب في المنطقة، حيث تقارب معدلات الإصابة الـ70 إصابة شهرياً بنسبة وفاة تتجاوز 5% بحسب السلطات الصحية منطقة المناصير التي تقع بين ولايتي شمال السودان ونهر النيل، في شريط يمتد نحو (301 كيلومتر)، وينتشر سكانها في أكثر من (101 قرية).

مواطنون على مركب

مياه البحيرة

ويقول المواطن محمد علي حاج قيلي من سكان المنطقة، إنّ القناعة الراسخة لدى الجميع هنا إن العقارب انتشرت عندما غمرت مياه البحيرة الأراضي ورفض الأهالي مجهودات التهجير وفضّلوا البقاء والإقامة حول البحيرة، مشيراً إلى أنّ الفترة ما بين 15 مارس إلى الأول من سبتمبر وهي فترة حصاد القصب، تعد هذه الفترة بحسب قيلي من أخصب الفترات لتنامي وتكاثر العقارب وفرارها إلى المنازل، وأضاف أن الإظلام بسبب انعدام الكهرباء يفاقم من خطر التعرض لدغات هذه العقارب لكن المواطن محمد عمر من منطقة “شيري” زاد على ذلك بالقول: “إن طبيعة الصخرية الممتدة على طول 176 كيلو تمتد شرقي وغربي ضفتي النيل وهي امتداد مناطق المناصير، جعلتها موئلاً للعقارب الجبلية التي تزاوجت مع أخرى نيلية وانتجت جيلاً جديداً من العقارب السّامة، وقال إنه لا يمر يوم دون إصابة، تختلف آليات العلاج فيها ما بين العلاج بالمستشفيات أو العلاج البلدي الذي يقوم به ممتهني مهنة “البصارة “ الطب الشعبي مؤكداً أنه على الرغم من وجود 25 مجلس محلي بمناطق المناصير إلا أن الجهد الحكومي الرسمي لا يكافئ بأي حال من الأحوال حجم الكارثة التي احلّت بالمنطقة، واصفاً إياه بالضعيف، مضيفاً: “إن لم يكن معدوماً، فالحكومة لم تقدم لنا شيئاً، فحتى الإعلان عن حالات الوفيات يتم عبر منصات التواصل الاجتماعي!!!”.

الكائنات السامة

وفيما يجأر مواطنو المنطقة بالشكوى من عدم توفر الأمصال بالشكل المطلوب، حيث يتوفر منها النذر اليسير الذي لا يفي بحوجة المنطقة، إلى جانب أنها فيما تبدو منزوعة الفاعلية، وذلك ما عبّر عنه حجازي إبراهيم حجازي أحد أبناء منطقة “الكرير” أن الأمصال نفسها وبسبب عدم توفر الكهرباء، عانت هي الأخرى من ظروف التخزين السيئة التي قللت من فعاليتها. “بيد أن المواطن الوسيلة محمد خير ويعمل مساعداً طبياً أشار إلى (أنه في السابق كان يتم استخدام مصل صحراوي يتحمل درجات الحرارة العادية إلا أنه توقف استيراد هذه النوع من الأمصال)، موصياً بهذا النوع من الأمصال.

وحول فاعلية ومأمونية الأمصال والعقاقير المثبطة للسُّميات، توجهنا إلى الدكتورة منال الصائم مدير مركز أبحاث الكائنات السامة جامعة الخرطوم، لحسم الجدال والسجال الدائر في المنطقة بين من يرى أن الأمصال المقدّمة ذات فعالية جيدة، لكن العقارب الموجودة بالمنطقة قد تعرّضت لتحوّر جيني استعصى على هذه النوعية من الأمصال.

وقالت الصائم إن هناك انتشار كثيف وملحوظ للعقارب في الخمس سنوات الماضية في ولايات الخرطوم ونهر النيل والشمالية، غير أنها عادت وقالت إن العقارب الموجودة في منطقة المناصير هي الأكثر فتكاً وسُميّة بل وتعداداً، وهي العقارب الصفراء المعروفة بـ”مطارد الموت”.

ونوهت مديرة مركز أبحاث الكائنات السّامة، إلى تأثير عناصر البيئة المحلية التي يعيش فيها المواطنون، إذ تشكل البيئات الرملية والصخرية والحجرية بيئات حاضنة للعقارب، بالإضافة إلى أنماط البناء والمعيشة خاصةً بيوت الطين اللبن المعروف بـ “الجالوص” والسقائف المصنوعة من ألياف النخل “الرواكيب” التي توفر بيئة حماية للاختباء والتخفي، كما أن التعدين العشوائي أدى إلى هرب العقارب من بين الشقوق والصخور الجبلية إلى أماكن أكثر أمناً، كما أشارت إلى عمليات الجمع العشوائي للعقارب التي أصبحت نشاطاً يقوم به بعض المواطنين بغية بيعها لوسطاء لصالح جهات تصدرها إلى دول شرق آسيا لأغراض علمية ومعملية.

أحد الأطفال الضحايا

توالد العقارب

كما لم تنس د. منال الصائم الإشارة إلى مياه السدود والخزانات كسببٍ من الأسباب الرئيسة في ازدياد معدلات توالد العقارب، أما بالنسبة للأسباب الأخرى فمنها التغيرات المناخية حيث تزداد وتتوالد العقارب في فصل الربيع وتخرج في الأجواء الحارة من أوكارها بأعداد كبيرة، الأمر الذي توافقت عليه رؤية الدكتور الوسيلة محمد خير المساعد الطبي بمنطقة البحيرة، مركز صحي منطقة العشامين، حيث أوضح أن فصل الصيف الحار هو الفصل الذي تزيد فيه معدلات الإصابات بلدغات العقارب، خاصة لدى الأطفال بمتوسط عدد لدغات من 7 إلى 8 خلال الأسبوع.

إنتاج الأمصال

وقالت مدير مركز أبحاث السًّميّات بجامعة الخرطوم، إن النمط الغذائي للعقارب قد تغير نسبة لطبيعة المنطقة، فهي في وضعها الأمثل تتغذى على الحشرات، التي قلّ وجودها في المنطقة، فلجأت لتغيير نمطها الغذائي وبدأت العقارب تتغذى على أعقاب الأسماك وهو سلوك جديد وتحور في طبيعة العقارب، مما زاد من كمية الأحماض الدهنية التي تزوّدها بالطاقة التي تزيد من سلوك العقارب وجنوحها.

وأضافت أن الامصال يتم إنتاجها بعد دراسة نسبة السُّميّة الموجودة في العقارب، وتختلف طبيعة العقارب من منطقة لأخرى بحسب طبيعة الغذاء ونمط المعيشة، مما يجعل هناك اختلافاً في نسبة سمية العقارب من منطقة لأخرى، وهذا ما يحدث فروقاً في فاعلية وملاءمة الأمصال من منطقة لأخرى، وتابعت: عملية إنتاج الأمصال عملية معقدة وتحتاج إلى تدخل وزارة الصحة والمجلس الأعلى للأدوية والسموم ومنظمة الصحة العالمية والإمدادات الطبية، وغيرها.

وقالت الصائم إن المركز الذي تتشرّف بإدارته أنشئ في العام 2021م بمجموعة بحثية معنية بمشاكل المناصير ثم بعدها تم إنشاء المركز، ومقره في متحف التاريخ الطبيعي، وأنه لازال في المرحلة الأولى وهي مرحلة استخلاص السُّم من العقارب ثم حقنه للخيل لاختبار الفاعلية، وهذه المرحلة تحتاج إلى تكاليف وتقديرات مالية ذات كلفة ليست باليسيرة، وحول جهودهم الحالية في هذا المنحى قالت: “تصلنا المناشدات فنقوم بالذهاب وتوعية الأهالي بالإسعافات الأولية والوقاية”.

مراكز العلاج

فيما جدّدت الدكتورة ليلى حمد النيل مدير قسم الاستجابة في إدارة الطوارئ الصحية ومكافحة الأوبئة، القول بأنّ الأمصال التي يتم استيرادها للبلاد ذات كفاءة عالية لكل أنواع العقارب، مرجعةً المسؤولية في هذا الصدد إلى الإمدادات الطبية، وقالت إنّ إدارتها تلعب دوراً رئيساً في توفير الأمصال وتدريب الكوادر الطبية وتهيئة مراكز العلاج ومتابعة الحالات وتوفير العلاجات سنوياً بحسب حاجة الولايات ومعدلات الإصابة فيها.

وقال مصدر مسؤول بالولاية، إن المسؤولية مشتركة بينهم وبين وزارة الصحة الاتحادية والإمدادات الطبية التي تمدهم بالأمصال، ومن ثم يتم توزيعها إلى مركز التغطية في البحيرة.

أما عن تأهيل المراكز فمسؤولية الولاية ضمن مشاريع التنمية بالولاية إضافة إلى وزارة المالية، وأوضح أن هناك أماكن لا تستطيع عربات نقل الأمصال الوصول إليها.

وتقول مسؤولة الصحة العامة بالبحيرة في منطقة المناصير عائشة حسن الحسين، إنهم بصدد عمل خطة لمكافحة العقارب وإضافة عشر ثلاجات جديدة تعمل بالطاقة الشمسية و500 جرعة مصل صحراوي، بالإضافة إلى المبيدات وحملات الرش خارج المنازل، وعقد كورسات للإسعافات الأولية للمواطنين للمساهمة في سرعة الاستجابة للحالات وتقليل أعداد الوفيات قدر الإمكان.

الآفات والأمراض

وألقى محمد صالح محمد عبد الرحمن المحامي والناشط الحقوقي، بحمولات سياسية واجتماعية وقانونية في مواجهة قيام سد مروي، وقال إن تهجير أهالي الحامداب وأمري والمناصير لإنشاء سد مروي تم بطريقة مبتسرة ودون مراعاة للأثر البيئي والصحي والاجتماعي حيث اقتصرت الدراسات بحسب محمد صالح على الأثر الاقتصادي والجوانب المادية فقط، وأضاف أن هذا الملف قد انطوى على الكثير من المخالفات للقوانين والدساتير والإعلانات العالمية لحقوق الإنسان.

وأشار المحامي محمد صالح إلى أن المجمعات السكنية التي تم بناؤها ليست مطابقة للحد الأدنى من المواصفات ومازال المهجرون يعانون الكثير من الآفات والأمراض مثل تلوث مياه الشرب وكذلك العقارب حيث لا يمر يوم إلا وقد أصيب طفل أو رجل أو امرأة بلسعة عقرب وقد توفي جراءها عدد لا يقل عن 300 طفل، بالإضافة الى أنّ عدداً لا يستهان به من المواطنين رفضوا الهجرة وتمسكوا بالبقاء في الخيار المحلي حول البحيرة وهم الأكثر تضرراً من لسعات العقارب والثعابين وفقدوا أيضاً عدداً كبيراً من الأطفال بفعل لسعات العقارب، بالإضافة إلى الغرق وغيره من المخاطر.

الأثر البيئي

ودفعت إدارة السد بحزمة من الدفوعات في مواجهة هذه الاتهامات، لتبرئة ساحة الإدارة ، بلّ ردّ المسؤولية الى مواطني المنطقة، وقالت إنهم هم المتسبب الأساسي في ما حدث، حيث أوضح إبراهيم عثمان مدير المكتب الفني للإدارة العامة للمشروعات مكتب السدود، أنّ شركات عالمية وسودانيين وخبراء أجروا دراسات استباقية لتقييم الأثر الاجتماعي والبيئي للمنطقة حال قيام السد، وخلصوا إلى أن المنطقة حول السد لن تكون صالحة للسكن، لأسباب يمكن أجمالها في منسوب المياه غير الثابت، وصعوبة إنشاء خدمات، ووضعت في اعتبارها إمكانية تزايد أعداد العقارب بسبب المياه، وأكدت عدم صلاحية السكن حول البحيرة، وأوصت بضرورة إخلاء المنطقة.

وتقيم مجموعة المناصير بقراهم المتعددة في منطقة صخرية قاسية، بعكس القبائل الشمالية الأخرى التي تقطن في شريط النيل.

كان الخلاف بين الحكومة ممثلة في إدارة سد مروي والمناصير حول بناء السد، يتعلق بأمور أساسية، حيث يطرح المتضررون خيار توطينهم حول بحيرة السد، وهو ما كان يعرف آنذاك في الإعلام السوداني بـ(الخيار المحلي)، فيما طرحت إدارة السدود خياراً آخر وهو خيار (مدينة المناصير الجديدة) التي قامت إدارة السد بتشييدها، وظل الخلاف يراوح مكانه لفترةٍ طويلة، حتى تم حسمه بعد سنوات متطاولة وتم الإقرار بالخيار المحلي.

السم القاتل

وتمتد قرى المناصير بمساحة تقدر بـ173 كلم شرقاً وغرباً، مساحات منبسطة تحاذيها بعض الجزر، بينها وبين مراكز تقديم الخدمة الطبية أودية وخيران، ولا سبيل إلى الوصول سوى بعض المراكب النهرية الصغيرة، تنعدم فيها الكهرباء، وشبكة الهاتف النقّال.

وتعاني من خللٍ بيئي كبير نتج عن هذا الخلل البيئي تواجد أعداد كبيرة من العقارب السامة، أدى إلى وفاة أعداد كبيرة وبالذات في فئة الأطفال دون سن العاشرة لعدم مقاومتهم لهذا السم القاتل.

المصدر: صحيفة التغيير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *