اخبار الكويت

قضاء لبنان وقدرنا

«بلد بيسوى جبران باسيل إنتو أكبر قدر»… عبارة علّق بها الصحافي اللبناني اللاجئ السياسي في أسكتلندا فداء عيتاني على حكم قضائي صدر بحقه سنة 2018 بجرم «تحقير» وزير الخارجية آنذاك جبران باسيل.

قرار المحكمة قضى بسجن فداء عيتاني لمدة أربعة أشهر وتغريمه مبلغ عشرة ملايين ليرة لبنانية.

شجاعة فداء، وحربه آنذاك على الفساد والظلم، أغدقت عليه نحو 12 دعوى قضائية وغرامات مالية كبيرة جعلت من عودته إلى لبنان خطوة غير حكيمة وخطيرة لسلامته الشخصية.

للأسف، نسي اللبنانيون قضية فداء، وما أمسى عليه القضاء اللبناني باستثناء بعض القضاة، ليأتي الحكم الصادر بحق الإعلامية ديما صادق، من قبل إحدى القضاة «المحسوبين» على التيار الوطني الحر، والتي حكمت «باسم الشعب اللبناني» على صادق، بجرائم القدح والذم وإثارة النعرات الطائفية وبالحبس سنة وتجريدها من بعض حقوقها المدنية، وبإلزامها دفع 110 ملايين ليرة كعطل وضرر لصالح التيار الوطني الحر، معيداً التذكير «بقضاء وقدر اللبنانيين».

واستندت دعوى باسيل ضد صادق، على تعليق عبر منصة «تويتر» عن تعرض عناصر تابعة للتيار الوطني على مواطن لبناني من مدينة طرابلس خلال مروره في منطقة كسروان أثناء ثورة 17 أكتوبر 2019.

من الأجدى عدم الدخول في الجدل العقيم حول قانونية الحكم الصادر بحق ديما أو فداء، أو أي من الأحكام الصادرة عن بعض من يعمل على القطعة لدى المنظومة الحاكمة، التي تستغل مواقعها لتحويل مؤسسات الدولة الدستورية إلى فاقدة للشرعية، ولربما الأهم «الدستورية الأخلاقية» بهدف تحويلها من أدوات لحماية حقوق المواطنين إلى سلاح للقمع والترهيب لا يقل خطورة عن العبوات الناسفة التي استعملها «حزب الله» في قتل رفيق الحريري، كما أكدت المحكمة الخاصة للبنان، والصمت عن اغتيال سمير قصير وبيار الجميل وجورج حاوي ولقمان سليم، وغيرهم كثر.

لب قضية المواطنة وأسسها، ألا يكون القضاء قدراً، بل أن يكون عادلاً بمواجهة غياب المحاسبة وسيطرة ثقافة التفلت من العقاب، ثقافة تسمح للمجرم أن يمسي بوقاحة محققاً وقاضياً وجلاداً، بينما يتحول المواطن إلى ضحية إن كان يحاول العيش أو كان مناضلاً من أجل الحريات والإصلاح.

إن أردنا أن نترك الحديث عن انفجار مرفأ بيروت، واعتبرنا أن القضاء اللبناني لا يزال يحقق في ثالث أكبر انفجار غير نووي على مر التاريخ، يبقى عدد من الجرائم الأخرى على طاولة العدالة جديرة بالنقاش، أولها الجريمة المستمرة لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة والذي بالتضامن والتكافل مع المنظومة الحاكمة وعلى رأسها «حزب الله» أرسى سياسات أضاعت ودائع اللبنانيين، ولا يزال حتى الساعة يحاول أن يوهم المودعين بإمكانية الحصول على مدخراتهم.

في السلسة نفسها، يجد المتابع قصصاً عدة ممن يتركون دورهم «الحمائي» في خدمة الشعب ويتحولون إلى عاملين على القطعة، واحدة من هذه القصص قضية المتهم بجرائم مالية عدة في اليابان، وكذلك في فرنسا كارلوس غصن، عاد إلى لبنان بعدما هرب من سجنه الياباني، فتحول إلى محاضر وفيلسوف عن الحوكمة الصالحة، ويطرح نفسه على اللبنانيين كأحد المنقذين المحتملين من السقوط الاقتصادي والسياسي المستمر.

وبدلاً من قيام القضاء اللبناني بتنفيذ مذكرة «الإنتربول» الحمراء بتوقيفه بسبب التهم الموجه ضده في اليابان، يوافق القضاء نفسه على تقديم غصن دعوى أمامه بحق شركة «نيسان» مطالباً بضرر يبلغ مليار دولار أميركي.

قصة أخرى من قصص الانهيار الإداري الذي لا يوقفه إلا قضاء عادل، رامي عدوان، سفير عُيّن من خارج الملاك في فرنسا، متهم بجرم اغتصاب فتاتين في فرنسا، سمح له بالهرب من العقاب بسبب حصانته الديبلوماسية، ورغم استدعائه إلى الإدارة العامة، إلّا أن التحقيق الإداري الحاصل في وزارة الخارجية لا يزال شكلياً، ولم يحوّل إلى القضاء الجزائي، كما تنص القوانين.

وأيضاً، هناك ضابط،متهم بقتل مواطن وناشط، تمت ترقيته حديثاً إلى رتبة أعلى، في حركة تنم عن فقدان للدولة ولمؤسساتها أي حس بالعدالة، رغم إصرار عائلته على تحقيق العدالة عبر القانون والقضاء.

الصديق الشجاع لقمان سليم، أعدم أيضاً بالرصاص في الجنوب، بمنطقة يسيطر عليها «حزب الله» من قبل مجموعة من سبع سيارات على الأقل، ولا يزال القضاء اللبناني متقاعساً عن التحقيق في الجريمة، تاركاً أصحابها بانتظار القدر.

بالتأكيد، لا حل سحرياً للأزمة الأخلاقية التي يمر بها لبنان سوى وعي اللبنانيين بأن مستقبلهم من صنع أيديهم، وأن الطغاة فوق رؤوسهم نتيجة سنوات من السكوت عن الحق وعن تحقيق العدالة، وإن أرادوا المطالبة ببلد طبيعي «بيسوى فداء عيتاني وديما صادق وأمثالهم»، لا بد من إنهاء التفلّت من العقاب وزجّ العنصريين والمختلسين والمغتصبين والقتلة من أي جهة كانوا في السجن… انتو أكبر قدر.

المصدر: الراي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *