اخبار المغرب

حقوقيون يطالبون بمعالجة ملف المختلين عقليا بتصور جديد لتجربة “بويا عمر”

مازال ملف المختلين عقليا مطروحا للنقاش العمومي بالمغرب، بعد أن قام شخص من هذه الفئة مجددا بقتل شقيقه في آسفي، وفق المعطيات المتوفرة. وهي ليست الحالة الأولى التي يقوم بها شخص معاق ذهنيّا بسلوك عدواني جنائي مماثل، فقبلها اعتدى شخص يعاني من اضطراب ذهني على سياح بفاس، وهناك حالات أخرى كثيرة “مرشّحة بقوة للحدوث أمام تنامي وجود المختلّين في كل حيّ وفي كل مدينة بشكل يخيف الساكنة”، وفق تعليقات مواطنين.

صعوبة تدبير هذا الملف، بحسب متتبعين، “جعلت المواطنين في مواجهة أشخاص غير معاقبين بكل ما يشكله ذلك من أخطار ومغامرة”، كما اشتكى حقوقيون من “المقاربة الترقيعية؛ بحيث يتم ترحيل المُختلّين إلى المدن الصغرى”، لكن المثير أن البعض ينظر بنوع من “الإعجاب” لتجربة ما كان يسمى بـ”بويا عمر”، معتبرا أن “الفراغ الذي حدث بعد إغلاقه نتيجة نضالات الجهات الحقوقية، بين أن هذه التجربة كانت على الأقل جزءا من الحل”.

“التفكير في تجربة جديدة”

محمد ألمو، حقوقي محام بهيئة الرباط، قال إن “الهجمات المتوالية التي صار يتحدث عنها الإعلام والأخرى التي لا يتم بثّها، تسائل غياب سياسة عمومية واضحة خاصة بالمختلّين عقليّا، خصوصاً الذين يعيشون في الشوارع”، مؤكداً أن “الدولة في هذه الحالة هي من تتحمّل المسؤولية إذا قام أحدهم بالاعتداء على الغير، بما أنه ليست هناك فضاءات قابلة لاستقبال هذه الشريحة التي تعاني من اضطرابات ذهنية حادة”.

وأوضح ألمو، في تصريح لهسبريس، أن “تجربة [بويا عمر] كانت حلا عمليا مهما، لكن شروطه اللاإنسانية كان فيها نقاش كبير، وهو ما يجعلنا ندعو إلى إعادة التفكير في تجربة مماثلة تضمن أوضاعا أكثر حرصا على حماية كرامة المختلين، لأن الخلل الذهني لا يجعلهم مواطنين من الدرجة الثانية إطلاقا”، مبرزا أن “التكاليف المرتفعة للعلاج النفسي بدورها عائق على الدولة أن تجد له حلا، لكونها هي التي يجب أن تتكلف بمواطنين لا يتمتعون بقدرة عالية على التمييز”.

وأشار المتحدث إلى أن “المختل عقليا الذي يقيم مع ذويه يتحمّل مسؤوليته أهله، ولا يمكن للأهل التملص من هذه المسؤولية إذا لم يقوموا بالإجراءات تجاه السلطات أو تسليمها إياه قصد إيداعه بالمؤسسات الصّحية”، مبرزا أن “الكثير من العائلات تبلّغ السلطات المختصة بأن لديها شخصا يعاني من إعاقة ذهنية وسلوكه عدواني قصد إيداعه مؤسّسات العلاج، لكن السلطة لا تستجيب دائما بالجدية المطلوبة”، مشددا على أن “المسؤولية الجنائية لا تتّحملها الأسرة إلا إذا قامت بتحريض المختل”.

ولفت المتحدث إلى أنه “إذا تمكن شخص ما من الفرار من مؤسسة للعلاج وقام بجريمة أو سلوك عدواني يقع تحت طائلة العقاب الجنائي، فإن من يتحمل المسؤولية هو المؤسسة المذكورة، لأن العديد من هذه المؤسسات تحاول التخلص من المختلين عقليا عبر تمكينهم من الهروب، وأحيانا يكون هناك أمر قضائي يقضي بالإيداع ولكنهم يفرّون”، داعيا إلى “استلهام دور [بويا عمر] وتخصيص مصحات مجهزة فيها شروط حراسة مشددة، وتمكين المرضى من الأدوية لضبط سلوكهم”.

“فعل رسمي تشاركي”

المهدي ليمينة، حقوقي فاعل مدني، قال إن “مشكلة تنامي سلوك المختلين عقليا ليست ظاهرة، ولكنها حالات تتكرر، ولا ننسى أن الدولة قامت بمجموعة من المبادرات الإيجابية، لكن بعض الشروط التعقيدية، مثل تأخر المواعيد في المستشفيات العمومية، تعرقل الولوج إلى هذه الخدمات المتقدمة التي تعكس فكرا استباقيا لدى السلطات”، مؤكدا أن “الإشكال الذي يواجهنا اليوم هو أن العائلات لم تعد تقبل هذه الفئات ولم تعد معنية إلى درجة كبيرة بتحسن أوضاعها”.

وأشار ليمينية، في تصريح لهسبريس، إلى أن تجربة “بويا عمر” من حيث التصور “تعدّ فكرة نموذجية بالنظر إلى ذلك الزمن، ولكن المطلوب اليوم هو خلق مؤسسات عصرية جهوية بظروف لائقة لاستقبال المختلين عقليا، مع الحرص على نقط في المدن تكون قريبة من البحر ومن الفضاءات الطبيعية لخلق جاهزية نفسية وقابلية لتلقي العلاج”، موردا أن “المؤسسات المنتخبة عليها أن تفكر بجدية في تكثيف فضاءات العلاج بالنسبة للمختلين عقليا وتسهيل شروط الاستفادة إلى أقصى درجة ممكنة واعتماد سياسات تفضيلية”.

وأوضح المتحدث أن “وزارة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة، بالشراكة مع وزارة الصحة والحماية الاجتماعية، يمكن أن يفكّرا في برامج مشتركة في إطار الالتقائيّة والتشاركية بين القطاعات الحكوميّة، خصوصاً وأن الوزارتين تبذُلان جهدا كبيراً في مسارهما الحالي”، مشدداً على أن “الدولة يجب أن توفّر الحماية الاجتماعية لكل المرضى من هذا النوع، وأن تساهم في إدراج الصحة النفسية في التأمين الصّحي الإجباري لضمان ولوجهم الأمثل للعلاج”.

المصدر: هسبريس

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *