اخبار

هل تقع المواجهة بين مصر وإسرائيل ؟! رجب أبو سرية

منذ إطلاق الحرب الإسرائيلية المسعورة على قطاع غزة يوم الثامن من أكتوبر الماضي، قصرت الإدارة الأميركية اهتمامها على منع شيء وحيد فقط، وهو عدم توسيع رقعة الحرب لتشمل جبهات أخرى، كانت الأوساط الأمنية الإسرائيلية نفسها تخشاها منذ زمن.
أي أن إدارة البيت الأبيض، سارعت منذ اللحظة الأولى إلى مشاركة إسرائيل حربها، وضمان استفراد الجيش الإسرائيلي بقطاع غزة، أيا يكن حجم الهجوم، وشكل الحرب التي تضمنت دون شك جرائم حرب، بإقرار كل الأوساط العالمية ذات الاختصاص، خاصة تلك التابعة للأمم المتحدة، وكانت جدية واشنطن في تحقيق ذلك الهدف كبيرة لدرجة أن ترسل أكبر حاملة طائرات لديها، بل في العالم، ما لم يحدث من قبل، ولا حتى في حرب العام 73، ولا حتى في حرب الخليج، ثم أتبعت «جيرالد فورد»، بـ»إيزنهاور» وهي حاملة طائرات أخرى، وذلك لمنع حزب الله على وجه الخصوص من الانخراط في الحرب، بما قد يؤدي أيضاً إلى وقوع مواجهة عسكرية في نهاية المطاف بين أميركا وإيران.
وطبعاً من النادر جداً أن فعلت مثل هذا الولايات المتحدة من أجل بلد هو بمثابة العبء السياسي والمالي عليها، وليس حاله كما حال العراق حين أرسلت قواتها إليه عامي 1990، 2003، ولا أفغانستان، التي اعتبرتها أيام «القاعدة» و»طالبان» عدواً مباشراً لها بعد أحداث 11 أيلول، ولا حتى ليبيا ولا سورية، حيث تدخلت عسكرياً لأسباب لها علاقة بما تسميه مصالحها، والتي هي ترجمة تامة للسيطرة على منابع النفط والثروة في الشرق الأوسط، وحيث تواجه أعداء سهلين عسكرياً، مضمون النصر عليهم، دون خسائر بشرية تذكر.
باختصار إن واشنطن عملت حساباً خاصاً لإيران وحلفائها في المنطقة، ولم تفكر بأحد آخر، وكأن الآخرين مضمونون، أو هم في جيبها الخلفية، ولم تهتم واشنطن لردود الفعل الغاضبة من الرسميين العرب التي نددت بجرائم الحرب، وواجهت عدة جلسات لمجلس الأمن، بحضور العضو العربي فيه، أي المندوب الإماراتي، والمشاركين العرب بمن فيهم وزراء خارجية أكثر من بلد عربي الذين حضروا بعض جلسات التصويت على مشاريع قرارات لإقرار هدن إنسانية وإدخال المساعدات الإنسانية، وهي أقل من المطالبة بوقف الحرب، وصوتت واشنطن ضد مشاريع القرارات الروسية والبرازيلية، وحتى في الجمعية العامة صوتت مع عدد محدود جداً ضد مشروع القرار الأردني الذي طالب بإدانة قتل المدنيين، وطالب بوقف الحرب.
وما زالت الولايات المتحدة حتى اللحظة، وفي أعلى مستوى، أي الرئيس جو بايدن شخصياً، ووزير خارجيته أنتوني بلينكن، لا تدين جرائم الحرب الإسرائيلية التي قتلت حتى الآن أكثر من 7 آلاف طفل ونحو 5 آلاف امرأة، وأصابت أكثر من 2% من عدد سكان القطاع ما بين شهيد وجريح، مع تدمير كل مظاهر الحياة، بأكثر من نصف المباني السكنية وبما يشمل المستشفيات والمدارس، ودور العبادة، وحروب الإبادة الجماعية، باستخدام ما يعادل عدة قنابل نووية على مساحة ضيقة ومكتظة بالسكان المدنيين.
حتى بدا بلينكن وبايدن، كعضوين في حكومة الحرب الإجرامية الإسرائيلية، لا يختلفان في شيء عن بنيامين نتنياهو ويوآف غالانت، وحتى إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، يتحدثان بلسان حكومة الحرب الإسرائيلية، وليس بلسان دولة عظمى تقود النظام العالمي، وما زال بايدن الساعي، حاله في ذلك حال شريكه في جريمة الحرب، نتنياهو للبقاء في سدة الحكم، عبر الدم الفلسطيني، يظهر سذاجة واستخفافا بنفسه وبالآخرين، فيكرر أكاذيب نتنياهو، وبعد أن اخترعا قصة قطع رؤوس أطفال بلدات الغلاف، قال نتنياهو وردد الببغاء بايدن أكذوبة تعرض المختطفات الإسرائيليات لحالات اغتصاب، رغم أن واحدة من هؤلاء لم تقل هذا، بل إن الحكومة الإسرائيلية منعت المختطفين من النساء والأطفال الذين حررتهم حماس من الحديث مع الإعلام.
أسوأ ما فعلته واشنطن، بالطبع منذ شهرين، هو أنها ما زالت ترى الأمور عند اليوم الأول، وما زالت ترى في الحرب الإسرائيلية على غزة «دفاعاً عن النفس»، وتقف موقفاً عنصرياً لا يساوي بين حياة الفلسطيني وحياة الإسرائيلي، وتؤيد «حق» إسرائيل أن تفعل بغزة ما يحلو لها، حتى وأن تقرر مصيرها، وما بين هذا وذاك، أن تمارس جرائم الحرب، بقتل المدنيين، وبتنفيذ التهجير القسري، وذلك بعد أن مارست طوال ستة عشر عاماً، جريمة الحرب المتمثلة بالحصار، والذي كان بهدف «تطفيش» الناس وإفراغ قطاع غزة من سكانه، ودفعهم للهجرة.
وحتى هذا يعتبر بتقديرنا تهجيراً قسرياً، وهذا ما زال عملياً هو الهدف الأبرز لإسرائيل، وحتى أنها لا تتردد في إظهار الخلاف مع واشنطن، حين يجري الحديث عن غزة ما بعد حماس، فتصر إسرائيل على عدم تسليم غزة للسلطة الفلسطينية، ولا حتى أي سلطة، وتصر على فصل غزة عن الضفة، بهدف منع الحديث، فضلاً عن تحقيق حل الدولتين، والدليل على ما نقول بات واضحاً مع مرور الوقت، أنه رغم أن الجيش الإسرائيلي نفسه يعلن عن تنفيذ مهمته العسكرية في شمال غزة، مع أن استمرار الاشتباكات يقول غير ذلك، هذا لو كان يقصد بتحقيق أهدافه، البنية العسكرية لحماس والمقاومة، لكنه يقصد، تهجير السكان، فالمراقبون يقدرون اليوم، أن المناطق التي تقع جنوب وادي غزة، أي الوسطى والجنوب، باتت تؤوي نحو مليوني مواطن، أي أنه بقي في الشمال وفي مدينة غزة أقل من نصف مليون، هم أقل من عدد سكان مدينة غزة وحدها، ومع ذلك يستمر في ارتكاب المجازر بحق من بقي في مخيم جباليا، وبحق سكان الشجاعية والدرج والزيتون، لأنه لا يريد أن يرى مواطناً واحداً هناك، تماماً بما يعيد مشهد 48 إلى الأذهان.
ثم إن جيش العدو يضغط منذ أسبوع، أي من انتهاء الهدنة الإنسانية، ومواصلة حرب الإبادة، على الوسطى، دير البلح ومخيماتها، كذلك على خان يونس، وصار يطالب سكان ثاني مدن القطاع بعد مدينة غزة بالرحيل إلى رفح، وكان خلال فترة الهدنة مصراً على منع عودة المواطنين لمنازلهم في مدينة غزة والشمال، بعد أن ذهبوا للوسطى والجنوب، وهكذا صار الآن مليونا إنسان في مساحة 200 كم2 بعد أن كانوا في مساحة 360 كم2، فيما المطالبة بتنفيذ النزوح الثاني، في الوقت الذي يقوم فيه بقصف رفح نفسها والتوغل في شرقها، تعني حشر السكان فقط في الشريط الساحلي ما بين خان يونس ورفح، أي حشر مليونين أو أكثر في شريط ضيق، مقابل ساحل رفح، وليس كل مساحة رفح، أي في أقل من 50 كم2، وهذا يعني أن سكان غزة صاروا في قاعة ترانزيت، في مطار أو ميناء ينتظرون موعد المغادرة، وهنا، هنالك خياران لا ثالث لهما، هما مجيء البواخر الغربية لتصطف مقابل ساحل البحر، الممتد ما بين رفح وخان يونس، ولا ندري إن كانت تلك المنطقة تصلح كميناء أصلاً، والخيار الثاني، دفعهم إلى رفح المصرية، ويمكن أن يحدث ذلك حتى بقصف إسرائيلي للمعبر، وذلك لإحراج مصر، حتى تكون بين خيارين أحلاهما مر: فإما أن تقبل بدخول مليوني فلسطيني لأرضها، على أمل أن يجري توزيعهم على 4 دول فكرت فيها واشنطن مقابل أقل من 5 مليارات دولار، أو تشتبك مع الجيش الإسرائيلي، وتدخل حرباً صعبة، ليس من الناحية السياسية وحسب، بل من الناحية العسكرية، ذلك أن قدرة الجيش المصري بمعظمها داخل حدود مصر دون سيناء، وحينها قد تجر تلك المواجهة لأتونها الأردن ومخاوفه من تهجير الفلسطينيين أكثر من مصر بكثير، فهل يقع المحظور بسبب التهور الإسرائيلي والغباء الأميركي، الذي استخف بمخاوف أهم دولتين عربيتين مجاورتين لإسرائيل، أي الأردن ومصر، اللتين أعلنتا علناً منذ البداية، ضد التهجير القسري، أو القسري المغلف بالطوعي، بل وتعتبرانه خطاً أحمر أو حتى إعلان حرب، فتنقلب المنطقة رأساً على عقب، حتى لو حقق الإسرائيليون مكسباً عسكرياً تكتيكياً، يكونون هم والأميركيون معاً قد خسروا على المدى البعيد والاستراتيجي فرصة العيش بأمن وسلام في الشرق الأوسط، أم أن الأميركيين سيغطون على تحقيق الهدف الإسرائيلي مع نزع فتيل التوتر مع مصر والأردن، بالسماح بالتهجير عبر السفن للمنافي البعيدة؟!.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *