اخبار

دحلان.. لسنا متمردين أو خوارج: نحن بانتظار عودة فتح إلى تاريخها.. د. أحمد يوسف

رغم ما بيننا من خصومة أو تنافس في المجال السياسي، إلا أنَّ هناك مساحة من التقارب آخذة في التمدد الاتساع والاجتماع والتفاهم على كلمةٍ سواء.

خلال استماعي لعددٍ من قيادات تيار فتح الإصلاحي الديمقراطي  بما فيهم النائب محمد دحلان، الذي يمثل رمزية القيادة لهذا التيار، والإخوة سمير المشهراوي وأسامة الفرا وسفيان أبو زايدة وأيمن شاهين وماجد أبو شمالة وآخرين، لم أشهد في الحقيقة على أحدٍ منهم قوله إنه يُغادر حركة فتح أو يبتعد عن مبادئها ومنطلقاتها الثورية، بل إنهم يحاولون إصلاح الحركة وتصويب ما أفسده البعض بما فيهم الرئيس عباس، وأنَّ التيار يأمل بإحداث نقلة نوعية وردِّ الحركة إلى عملها المؤسساتي، الذي تعمَّد عددٌ من المتنفذين والمنتفعين تخريبه، بما فيه كبيرهم الذي علَّمهم السحر ووطَّنهم ذهنيَّاتهم عليه، والشواهد على ذلك أكثر من أن تُعدَّ أو تحصى، إذ إنَّ الأمور تجري بعيداً عن أعنتها، والقرارات تعبث بها يد الرئيس كيفما شاء، وليس هناك احترام لأيِّة لوائح أو قوانين يمكن أن تردعها.

الحقيقة الصارخة، أنه لم يعد هناك الكثير من قيادات وكوادر حركة فتح ممن يحترم تاريخه النضالي يرضى بالمكوث وسط هذه الوضعية من المفاسد والقرارات الجائرة، التي لا تمت للعدالة والكرامة الوطنية بشيء.

اليوم، ومنذ غاب عرفات (رحمه الله) عن المشهد السياسي، نحن أمام حالة من الفساد وغياب المسائلة، يأبى الفتحاوي الحر على نفسه التناغم معها، بل يجد نفسه مدفوعاً بوطنيِّته التي تنشَّأ عليها لمغالبتها بالتمرد والخروج عليها.

وفي ظل تعطيل وتغييب المؤسسات، وتسيّد حالة الاستبداد السياسي في الحكم، وطغيان لغة التفرد باحتكار الصلاحيات واتخاذ القرارات بمنطق “ما أريكم إلا ما أرى”!! بكلِّ ما يعنيه ذلك من استخفافٍ بالكلِّ الفلسطيني والكلّ الفتحاوي، والتخفي خلف عباءة (القائد الأعلى)، بما تعنيه من قدرة على التلاعب بأهلية الموقع الذي تمثله جدلية “الخصم والحكم”. لقد أزهقت وأرهقت تعديات الرئيس وتجاوزاته المفرطة للصلاحيات مكانة كلَّ وطني مرتبط بهذه السلطة القائمة على سيف المعزِّ وذهبه، والتهديد بالفصل وقطع الراتب من كلِّ فتحاوي يجرؤ على الكلام أو حتى إسداء النصيحة للرئيس عباس خارج سياقات المجاملة والتسحيج.

وأنا هنا ليس مجافياً للحقيقة عند القول: إنَّ محمد دحلان كان من أكثر الشخصيات التي تعرف الرئيس عباس، وكانت بينهما سجالات لم تُرضِ الرئيس الذي كان يرى في نفسه أنه بمكانة (أنا ربكم الأعلى)، حيث يتوجب على الجميع التسليم والانصياع وعدم الاعتراض أمام من (لا يُسئل عمَّا يفعل)، وبذلك فإن من العصيان الذي يستوجب العقوبة أن يجرؤ أحدٌ على محاسبته!!

للأسف؛ لم يعد إلى جانب الرئيس من البطانة إلا ثلّة من أهل السوء والطامحين في خلافته وتوارث السلطة من بعده، وهي حالة لا تخفى قتامة سلبياتها عن أعين كلِّ لبيب من شعبنا المناضل العظيم. 

إنَّ من المحزن ألا يكون هناك من يتحدى هذه الوضعية من الاستبداد إلا دحلان وحماس. وإذا كانت حماس خارج قدرته على العقاب، فإن دحلان المتمرد 

هو من كان عليه الرحيل أو التصفية بالرصاص إذا ما اقتضى الأمر.

نعم؛ دحلان شكَّل واجهة إحراج كبيرة لصلاحيات الرئيس المطلقة، فكان لا بدَّ من شطبه وتغيبه من مشهد السلطة وحركة فتح، وهذا ما فعله الرئيس الذي لم يكترث بعواقب هذا القرار المخالف للوائح الحركة وأخلاقيات النضال.

كان واضحاً بهذا الموقف اللاأخلاقي ضد دحلان، أن الرئيس يريد تأديب كلّ قيادات حركة فتح وكوادرها بأنه قادر على التخلص من أي شخصٍ منهم مهما بلغت منزلته، وأن دحلان (الرجل القوي) هو مجرد درس لكلِّ من يعترض أو يهدد سلطته المطلقة في الحكم.

اليوم، التيار الذي لحق بدحلان أو تعاطف معه، مقتنعاً بمظلوميته ونضاله التاريخي يتعاظم في حضوره وتأثيره بشكل كبير في ساحة قطاع غزة، من حيث إعادة هيكلة كوادره ومنتسبيه على أرضية من منطلقات حركة فتح التي جسَّدها الرئيس ياسر عرفات (رحمه الله) في فضاء “الطلقة الأولى” وروح “أم الجماهير”. لقد غدا التيار الإصلاحي اليوم له الكثير من المؤسسات والتحالفات مع القوى الوطنية الأخرى، وكذلك مع حركة حماس التي فُرض عليها أن تدير القطاع وحدها منذ العام 2007، حيث أقاموا اليوم شراكة باسم (اللجنة الوطنية للشراكة التنمية)، وأصبح دحلان بعلاقاته الواسعة في الخليج قادراً على جلب الكثير من المساعدات والعطايا الإنسانية، في سياق العمل الإغاثي والتعليمي والصحي والاجتماعي.

في الحقيقة، ما زال التيار محافظاً على انتمائه لفكر حركة فتح الأم، ولسان حاله هو ما قاله المتنبي قبل أكثر من ألف عامٍ في أوضاعٍ مشابهة: “إذا ترحَّلتَ عن قومٍ وقد قدروا… أن لا تُفارقهم فالراحلونَ هُمُ”.

إنَّ ما سمعته من دحلان وآخرون من قيادات الصف الأول في التيار أنهم ليسوا خارجين عن الحركة فهي حنينهم وحبهم الأول، ولكنهم اضطروا لهذا الموقف بسبب الاضطهاد الذي لحق بكلِّ من حاول ضبط البوصلة وتجرأ على الكلام، وهم بالتأكيد جاهزون إذا ما تغيرت الظروف وغاب الفرعون العودة إلى حاضنتهم الأولى وأمهم الرؤوم حركة فتح، وهم لا يمثلون انقلاباً على الحركة، بل محاولة لتصحيح المسار.

وبانتظار صدور المذكرات، واتضاح شهادته على مجريات ما قبل وبعد أوسلو، وهي سردية مروية لكلِّ تلك السنوات، من رجل كان دائماً في دائر الاستهداف والتشكيك والطعن من قبِل حُسَّاده أو المناوئين له، بدءاً من سنوات انتمائه لحركة فتح وهو شاب يافع، وعمله إلى جانب القائد التاريخي في حركة فتح الشهيد خليل الوزير (أبو جهاد)، والذي كان مصدر إلهامٍ له، وكذلك حضوره الفاعل بين جيل المؤسسين لحركة الشبيبة الفتحاوية مع المناضل أبو علي شاهين أوائل الثمانينيات.. إنَّ هناك الكثير من الأسرار التي تكشف حجم ما كان يحري خلف الكواليس وفي دهاليز السلطة، وكيف كان دحلان ضحية لشخصٍ أفرغ السلطة من مضمونها النضالي، وأحال كلَّ من تبقوا حوله إلى مساهمين في تمرير مخططاته لشطب تاريخنا النضالي، وتحويلنا إلى شعبٍ مهزوم محطم لا يفكر إلا في تأمين قوت يومه، وإن استدعى ذلك أن يطأطأ رأسه في ذلة وانكسار من أجل ذلك.

نحن اليوم كإسلامين بذلنا كلَّ الجهد لرأب الصدع مع الإخوة في حركة فتح من أبناء التيار الإصلاحي الديمقراطي، ونجحنا في أنَّ نشبَّ على الطوق الذي يحاول الرئيس عباس (هداه الله) أن يحشُرنا فيه، ويدفعنا إلى الاستسلام وحالة المهانة التي هو عليها كرئيس للسلطة الفلسطينية.

اليوم تجمعنا القناعة والرغبة في الشركة مع دحلان والكلِّ الوطني الفلسطيني، وذلك في إطار رؤية وطنية جامعة وبرنامج عمل نضالي مشترك، يقوم على التعاون والتنسيق والتحرك في مربع القواسم المشتركة، وقد قطعنا في هذا الطريق الكثير من المسافات، التي تدعونا للتفاؤل، وقربِ إنجاز حراكٍ وطني قائم على التفاهم والتقاسم والشراكة السياسية.

نحن في حركة حماس يسُّرنا أن يلتئم شمل حركة فتح، وأن تعود هذه الحركة الوطنية إلى سابق تاريخها وسيرتها النضالية الأولى، التي نعتز بالكثير من صفحاتها، برغم كلّ ما وقع بيننا من مواجهات موجعة حين تذكارها، وكانت بمثابة (نزغ الشيطان) لتفريق أبناء الوطن الواحد، والذي كانت فيه يدُ الاحتلال جزءاً من المؤامرة والتخطيط لها. 

آمل أن يجتمع شمل إخواننا في حركة فتح، وأن نُعيد معاً إصلاح بيتنا الداخلي، وترميم ما تآكل من أركانه، وأن نبني استراتيجيتنا في النضال مع الكلِّ الفلسطيني بناءً على الشراكة السياسية والتوافق الوطني.    

• صفحاتٌ من كتابٍ سينشر قريباً (رغم الخصومة.. دحلان كما عرفته.)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *