اخر الاخبار

الزمن أنصف الموقف الجزائري

بين الجزائر وسوريا قصص من الملاحم والتضامن تعود إلى عشرات السنوات، بل إلى القرن التاسع عشر، عندما آوى أهل الشام الأمير عبد القادر وعائلته وأتباعه من الجزائريين من كل مناطق الوطن، تحديدا معسكر ووهران ومنطقة القبائل، الذي هاجروا فارين من بطش الاستعمار الفرنسي، لتستمر الملحمة بعد استقلال الجزائر، وقبول دمشق طلبا جزائريا باستعادة رفات الأمير عبد القادر وإعادة دفنها بمربع الشهداء في مقبرة العالية.

وبين الهجرتين، خروج الأمير وعودته إلى أرضه، كانت وفود جبهة التحرير الوطني تجد في الشام الملاذ الآمن، وكانت دمشق توفر وثائق السفر لأعضائها في سفرياتهم وتنقلاتهم الدولية للدفاع عن القضية الجزائرية في المحافل الدولية في الشرق والغرب.

وخلال فترة التسعينات، حوصرت الجزائر من كل الجهات، وشكلت دمشق ومدنها مقصدا للجزائريين للتجارة والعلاج والدراسة، وكانت متنفسا للآلاف منهم، ما ساهم في استمرار مظاهر الحياة في البلاد والتصدي لصناع الإرهاب وحلفائهم من وراء البحر وبعض الجيران.

وردا للجميل، استقرت الجزائر وفية لمبادئها التي لا تحول ولا تزول في الدفاع عن القضايا العادلة في العالم والمنطقة العربية تحديدا.. فوقفت معارِضة لأي مساس بوحدة سوريا وسلامة أراضيها ضد المؤامرات التي استهدفتها.

ولعل ما يشار إليه بالبنان موقف الجزائر في جامعة الدول العربية عندما تقرر طرد دمشق منها بحجة تقتيل النظام السوري، ممثَّلا ببشار الأسد، المدنيين المطالبين بالديمقراطية والتغيير. موقف الجزائر آنذاك اعتبر خروجا عن الصف العربي، ودفاعا عن “نظام ديكتاتوري”.

ومنذ 2011 وبعد أن رحل من رحل واستقال من استقال وأسقط من أسقط، عادت الجامعة العربية التي طردت دمشق إلى دعوتها للعودة إلى مقعدها الشاغر.

كان الموقف الجزائري وما يزال موقفا سليما، وهو ضرورة التقيد بقواعد الشرعية الدولية وبلوائح الأمم المتحدة في ضبط العلاقات الدولية، والابتعاد عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول.

وبعبارات واضحة ودقيقة، رفضت الجزائر على لسان وزرائها للخارجية، من الراحل مراد مدلسي إلى عبد القادر مساهل، أداء الجامعة العربية في التعامل مع أزمات وخلافات الدول العربية، وانتقدتها بدبلوماسية بالإشارة إلى أنها لم تحسن التحرك ولم تنجح في مواكبة التطورات الدولية المتسارعة، وبقيت على هامش هذه المتغيرات، وأن مصداقيتها (الجامعة العربية) رهينة بمدى قدرة الدول المحورية على اعتماد رؤية تكاملية متناسقة الأبعاد على المدى المتوسط.

كما أن حتمية وقوع الأزمات لا ينبغي أن تكون مرادفا للفشل، بل يجب أن تدفع بالجامعة إلى المضي قدما لرفع التحديات الجديدة والابتعاد عن الطرح المتشائم بشأن مآل الجامعة وجدوى عقد اجتماعاتها وقممها، وهو ما جسدته قمة الجزائر في الفاتح نوفمبر الماضي، والتي تحولت إلى قمة عالمية بعدما كانت يجب أن تكون عربية، وعاد فيها موضوع عودة سوريا إلى الحضن العربي.

وستكون قمة الرياض مناسبة سانحة لاستمرار مسار العودة السورية إلى بيت العرب، استكمالا لما بدأته الجزائر التي يحسب لها ما سيكون من قرارات ونتائج إذا صدقت النوايا وتحمل القادة العرب مسؤولياتهم التاريخية، خاصة أن اللقاءات السابقة والقادمة تتم والمنطقة العربية غارقة في اضطرابات وتشهد تفككا أمنيا واختراقات إرهابية أدخلتها في دائرة التدويل، وأبعدتها عن الحلول الوطنية وعن إرادة شعوبها.

خلاصة الكلام، سياسة الجزائر الخارجية تقوم على عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، ومبدأ تسوية النزاعات بالطرق السلمية، واحترام إرادة الشعوب، وذلك انطلاقا من تجربتها في مقاومة الإرهاب، والتي انتهت بتبني سياسة المصالحة الوطنية لتطليق لغة السلاح بين أبناء الوطن الواحد. فهل من معتبر؟

       

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *