اخبار

دبلوماسية عابرة للقارات.. قطر “الصغيرة” أثبتت أن الدول لا تُقاس بالمساحات وطن

وطن أكسبت فاعلية دولة قطر ونجاحها في العديد من الوساطات ثقلاً دولياً، أعاد الحديث عن هذا البلد الصغير ذو الإمكانيات الكبيرة والمقومات الاستراتيجية التي تنافس كبرى الدول حول العالم. وأثمرت جهود الدوحة الأخيرة عن صفقة تبادل للأسرى بين الاحتلال الإسرائيلي والمقاومة الفلسطينية وإجراء هدنة إنسانية مؤقتة في غزة.

وعلى الرغم من وجود دول كبيرة بالمقاس الجغرافي والديمغرافي والاقتصادي في المنطقة، فإن الكثير من الدول ومعها الأمم المتحدة لم تجدا مخرجاً للمأساة الإنسانية في غزة غير الوساطة القطرية، التي نجحت بإعادة التهدئة للقطاع المحاصر بعد 48 يوماً من الحرب الوحشية الإسرائيلية.

واتبعت الدولة الخليجية دوراً حيادياً في الأزمات والحروب المختلفة، رغم تركيزها في غزة على إنهاء المأساة الإنسانية وتأكيدها على حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم وفي الدفاع عن أنفسهم، ولهذا كانت الدوحة عنصراً فاعلاً في الكثير من الأحداث.

الدكتور @majedalansari المتحدث الرسمي لوزارة الخارجية، في الإحاطة الإعلامية: تعمل دولة قطر منذ اليوم الأول على تعزيز دور الوساطة القطرية في مايتعلق بالوصول إلى هدنة وثم إلى وقف دائم لإطلاق النار. #الخارجية_القطرية pic.twitter.com/H5QLNWLN6w

— الخارجية القطرية (@MofaQatar_AR) November 28, 2023

وكان الظهور الأبرز لقطر والفاصل في تاريخها الدبلوماسي والذي أثبت أنها لاعب قوي ورئيسي على الساحة الدولية، هو تحديها عام 2017 ولمدة 3 أعوام للحصار الجائر ضدها الذي تزعمته الإمارات والسعودية.

حيث استطاعت الدوحة بدبلوماسية محنكة وشبكة علاقات واسعة على ضرب مخطط الحصار والصمود في وجه “الطعنة التي وجهت لها من جيرانها في الظهر”، حتى أجبرت دول الحصار على العدول عن قرارها وعقد مصالحة مع الدولة الخليجية الصغيرة التي أثبتت قوتها وتفوق دبلوماسيتها.

الوساطة في غزة

ونجحت الوساطة القطرية في وضع نهايات سعيدة للعديد من الأزمات والمشاكل على مدار السنوات الماضية، ولم تقتصر تلك الوساطات على الشأن العربي، بل امتدت كذلك إلى القارة السمراء وإلى نزاعات وقضايا في القارة الآسيوية.

وبفضل الإمكانيات الدبلوماسية الكبيرة والعلاقات القطرية القوية مع الأطراف المختلفة، والأهمية التي توليها قطر لأدوار الوساطة تمكنت الدوحة قبل أيام من رعاية هدنة مؤقتة بين الاحتلال وفصائل المقاومة الفلسطينية لـ 4 أيام وتم تمديد تلك الهدنة، أمس الاثنين، ليومين إضافيين.

وأكد وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، بأن دولة قطر تأمل أن يفضي اتفاق الهدنة إلى وقف دائم لإطلاق النار في قطاع غزة.

وكان يفترض أن تنتهي الهدنة الإنسانية حسب الاتفاق الأولي الذي رعته قطر الثلاثاء 28 تشرين الثاني/نوفمبر عند الساعة 07:00 صباحًا بتوقيت فلسطين، بعد 4 أيام جرى خلالها تبادل عشرات الأسرى بين الاحتلال الإسرائيلي وحركة حماس، إضافة إلى إدخال مواد إغاثية إلى قطاع غزة بما فيها الوقود.

نجاح دبلوماسي قطري جديد..

رغم كل الصعوبات والإشكالات ومحاولات بعض الأطراف زرع العرقلة إلا أن قطر نجحت بتحقيق هدنة في قطاع غزة وأثبتت مجددا أنها صاحبة دور دبلوماسي إيجابي غير عادي في الكثير من الملفات الإقليمية والدولية وخاصة تلك التي تهم المسلمين..

شهر ونصف من الجهود… pic.twitter.com/tZ40ASn8w4

— Hamza Tekin حمزة تكين 🇹🇷 (@Hamza_tekin2023) November 22, 2023

اعتماد قطر الصدق في نقل المعلومات بين الأطراف المختلفة، والثقة التي اكتسبتها في هذا المجال على مدار الـ20 عاما الماضية، جعلت المتنازعين يثقون في مواقف الدوحة وصدقها وأمانتها في حفظ الأسرار ونقل المعلومات بجدارة بعيدا عن الإثارة الإعلامية التي قد تؤدي إلى فشل المحادثات وتعطل النتائج.

وكللت مجهودات قطر بالنجاح في معظم الوساطات التي تدخلت فيها، وباتت تحظى برضا وثقة كل الأطراف، واللجوء إليها من أجل إيجاد حلول فيما يتعلق بأي خلافات أو نزاعات أو صراعات، سواء أكانت مسلحة أم غير مسلحة.

قطر.. دولة صغيرة بإنجازات عملاقة

وتحوّلت الدوحة في السنوات الأخيرة إلى واحدة من أهم الفاعلين على الساحتين الدولية والإقليمية، في استعمال الدبلوماسية الوقائية والوساطة والمساعي الحميدة كأداة فاعلة في تسوية العديد من الأزمات الدولية.

ودولة قطر هي شبه جزيرة برزت باعتبارها أحد أكثر منتجي النفط والغاز أهمية في العالم، وهي دولة إسلامية استقلت عن بريطانيا عام 1971 وتقع في وسط الساحل الغربي للخليج العربي.

ويبلغ عرض مساحة قطر حوالي 100 كم وتمتد بطول 200 كم في الخليج وعدد سكانها 2,5 مليون نسمة ومساحتها الإجمالية 11,473 كيلومتراً مربعاً.

ويشار إلى أنه لم يقتصر الدور القطري على الشأن العربي فحسب، بل امتد أيضا إلى قارتي أفريقيا وآسيا، حيث تولت قطر دور الوساطة في نزاعات وقضايا هامة، كان أبرزها الوساطة بين الفصائل اللبنانية في عام 2008، والتوصل لاتفاق الدوحة الذي أنهى أزمة سياسية استمرت 18 شهرا.

ونجحت قطر في لعب دور بالغ التعقيد بالوساطة بين العدوين اللدودين؛ الولايات المتحدة وإيران من أجل إتمام صفقة لتبادل السجناء.

كما لجأت الولايات المتحدة إلى الوساطة القطرية للتوصل إلى اتفاق مع حكومة طالبان؛ يهدف إلى إنهاء التواجد الأمريكي في أفغانستان.

وتمكنت وساطة قطر من لم شمل عدد من الأطفال الأوكرانيين بعائلاتهم في أوكرانيا في 16 تشرين الأول/ أكتوبر 2023.

وذكرت الخارجية القطرية، في بيان لها آنذاك أن هذه الخطوة “بداية مهمة نحو لم شمل بقية الأطفال المتأثرين بالحرب الروسية الأوكرانية بعائلاتهم”.

الديوان الأميري القطري: الرئيس الأمريكي جو بايدن يعبر خلال اتصال هاتفي عن شكره وتقديره لأمير قطر على جهود بلاده في الوساطة المشتركة بين اسرائيل وحركة حماس والتي أسفرت عن اتفاق هدنة إنسانية في غزة، مثمنا دور امير قطر الفاعل والإيجابي لتعزيز السلام والاستقرار في الشرق الأوسط.

— ZaidBenjamin زيد بنيامين (@ZaidBenjamin5) November 22, 2023

دور مهم للدوحة

وتسعى قطر لدعم الجهود الدولية القائمة لتوفير الظروف اللازمة لحل سلمي للأزمة الأوكرانية.

وطلبت الدوحة أكثر من مرة من جميع الأطراف، “ضبط النفس وحل الخلاف عبر الحوار البنّاء والطرق الدبلوماسية”.

كان لقطر حضور في ملفات أخرى بالأزمة، فخلال قمة مشتركة بينهما (مطلع أيلول/سبتمبر 2023 أكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لنظيره التركي رجب طيب أردوغان، أن بلاده مستعدة للعمل بالشراكة مع تركيا وقطر لتطوير بنود صفقة “البحر الأسود” لتصدير الحبوب إلى الدول الأفريقية.

يذكر أن قطر كانت أحد الدول السباقة التي بادرت في تقديم المساعدة للمغرب عقب الزلزال الذي ضرب أراضي المغرب في 8 أيلول/سبتمبر 2023 وقبله زلزال تركيا في شباط/فبراير 2023.

ويؤكد محللون وخبراء في وسائل إعلامية عديدة أن قطر نجحت في إدارة علاقاتها مع القوى العظمى المتصارعة، بمنتهى المهارة واستطاعت تحقيق إنجازات عديدة في وساطاتها على مستوى المنطقة والعالم.

وتستند إستراتيجية قطر في فض النزاعات على عدة عناصر رئيسية، أحدها هو الوساطة الفعالة، حيث تعمل على تسهيل الحوار والتفاوض بين الأطراف المتنازعة، وتبحث عن حلول شاملة ومستدامة، لا سيما في ظل إجادة الدوحة استخدام شبكتها الدبلوماسية الواسعة لجذب الأطراف المعنية وتوفير بيئة ملائمة للتوصل إلى اتفاقات.

وها هي الدوحة التي جعلت دول العالم تثق في المفاوض القطري وتعتمد على جهوده في التقريب بين الفرقاء، تثبت مجددا في الأزمة الحالية أن الدول لا تقاس بالمساحات أبدا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *