اخبار المغرب

تأبين الراحل أحمد حرزني .. “ثوري” في غمرة الإصلاح رفض لعب “دور الضحية”

مسارُ حقوقيّ ودبلوماسيّ ومعتقل سياسي ورجل دولة، استُحضر في الذكرى الأربعينية لرحيل أحمد حرزني التي نظّمها المجلس الوطني لحقوق الإنسان، واستقبلها، اليوم الجمعة بالرباط، مقر المكتبة الوطنية للمملكة المغربية.

وتليت بهذا الموعد الرسالة الملكية التي استقبلتها عائلة الرئيس السابق للمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان وسفير المملكة المتجول، والتي قال فيها الملك محمد السادس إن حرزني كان يتسم بـ”دماثة الخلق” و”شيم المناضلين الحقوقيين الأوفياء للوطن ولثوابته المقدسة”، و”مشهود له به من التفاني ونكران الذات في مختلف المهام السامية التي تقلدها”. كما كان “حريصا على الدفاع عن قيم الحرية والعدالة والإنصاف، وعلى النهوض بثقافة حماية حقوق الإنسان”.

 

وحضرت بقوة شهادة حرزني يوم 22 دجنبر من سنة 2004 أثناء جلسات الاستماع لضحايا “سنوات الرصاص” خلال بداية عمل هيئة الإنصاف والمصالحة، حيث قال: “أنا لست ضحية أنا مناضل عارض ويعارض وسيعارض جميع أشكال الظلم والاستغلال والاستكبار، وكذلك جميع أشكال المسكنة، لأن أبوي وإخوتي (…) وأساتذتي المغاربة والأجانب علموني أن أعز ما يطلب للنفس وللغير هو الكرامة”.

وقالت آمنة بوعياش، رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، إن هناك “حزنا عميقا” عند جميع حاضري التأبين في ذكرى فراق “شخصية مؤثرة ظلت فاعلة ومتفاعلة في فترات تاريخنا الراهن (…) ثوري في غمرة الإصلاح، اجتمع فيه ما تفرق في غيره” فقد كان “رجلا جسد مفهوم المصالحة”.

وذكرت بوعياش أنها لن تذكّر بـ”تضحيات، ونضالات” الفقيد لأن بين الحاضرين بالقاعة مَن عاشوها وعايشوها؛ بل تشهد على ما شكّله “بالنسبة لنا كمدافعين عن حقوق الإنسان”، فقد كان “أحد رموز النضال الحقوقي، والفعل الحقوقي بالمغرب، والعدالة الانتقالية، وانطلاق مسار تتبع تنفيذ توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة”.

وواصلت: هو “حقوقي ملتزم إصلاحي، مؤمن بالإصلاح والتغيير (…) تعددت محطات مساره النضالي والسياسي والحقوقي، دون أن يحيد عن الدفاع عن الحق والعدل والكرامة، واستيفاء إنسانية الإنسان واحترام المؤسسات وسيادة القانون (…) وانخرط بشكل لا مشروط في قضايا حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية”، وكانت له “مواقف وجرأة في التعبير عن الرأي، ووضوح والتزام، وكان صادقا ومصغِيا، وأهلا للاستشارة والائتمان”.

المحجوب الهيبة، الأمين العام السابق للمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، الذي كان يترأّسه حرزني، شهد على خصال الفقيد، فقد كان “صادقا في أفكاره ونظرته للمجتمع والطبيعة والحياة وعلاقته مع أصدقائه، وصارما في عمله”.

ثم أردف قائلا إن هذا الموعد التأبيني يكرّم “مفكرا باحثا وحقوقيا ودبلوماسيا، ورجل دولة بامتياز، كان صارما مع هامش كبير من المرونة في أفكاره، خاصة وهو شخص قام بنقد ذاتي داخل السجن وخارجه للماركسية الراديكالية، وكان صريحا مهما كانت الظروف والإشكاليات وصبورا داخل السجن وخارجه، وصامدا في أفكاره ومواقفه، وكان محبا لترقية المجتمع والنهوض به ومكافحة الفقر والعدالة الاجتماعية”.

وزاد: “كان عنده صفاء في الصداقة، وجمعني به جوار بمعنى تمغرابيت والتقينا لمناقشة مواضيع كثيرة، وكان يتميز بالصفح الجميل والتسامح حتى مع من يخالفه في أفكاره ولو أنه متشبث بها، وكان له صواب في الفكر والتفكير و(الصْواب) بالتعبير المغربي الدارج في التعامل، وكان يعرف قيمة الصداقة الصادقة والمستدامة”.

وباسم عائلة الفقيد، قالت أرملته إنه “كان مناضلا واستمر مناضلا إلى آخر حياته”، وذكّرت بكلمته في هيئة الإنصاف والمصالحة التي “أذيعت مباشرة على مسمع العموم، واستُقبلت باهتمام كبير قبولا أو رفضا”، قائلة إن “ما يهمنا دلالات التصريح عن ميزاته كإنسان قبل كل شيء، فهو محيل على أصالته ونزاهته الفكرية”.

وتابعت موضحة أنه لما سنحت له فرصة التعبير عما كان يدور بخاطره “بعد سنوات النضال والسجن والنقد الذاتي، والنقاشات المرهقة وغير المنتجة” رفض “دور الضحية” و”أصر على إعلان حقيقته، بأصالة ونزاهة فكر واستقلالية بعيدا عن كل أشكال الدوغمائية والأحكام المسبقة، دون إنكار تطلعاته للديمقراطية وحقوق الإنسان والحياة الكريمة للجميع نساء ورجالا”.

وواصلت: “لقد كان ذا تواضع ثقافي مثالي، وكان على استعداد للمناقشة والنقد حين يراه مطلوبا، ونال احترام وتعلق أصدقائه به (…) وكان مرهف الحس بالفقر حين يتفشى في القرية والمدينة، وهذا نابع من طفولة سكنه بجانب أحياء الصفيح (القصدير) التي قادت إلى دراساته لعلم الاجتماع القروي والأنثروبولوجيا القروية”.

واستحضرت أرملة أحمد حرزني جانبا “أقل تداولا” في شخصية وهو “الاعتدال والاتزان كنهج أخلاقي في الحياة والحياة اليومية”؛ ومن أوجه ذلك “الاقتصاد في الماء والبساطة في الأكل واللباس، وعدم قضاء العطلة مع الأسرة خارج الوطن إلى أن نتعرف على جميع المناطق بالمغرب، وهكذا لم نقضها إلى أن وافته المنية، ولكننا نعرف نسبيا جميع مناطق المغرب”.

كما تحدثت عن ما ميز شخصية من “العفة والتعاون والسخاء، فقد ساعد الجميع ومنهم الطلاب ماديا ومعنويا، وقدم خدمات للآخرين أحيانا حتى دون علمهم (…) وأنفق على إصدار مجلتَين دون أي طلب للحصول على مساعدة أو دعم مادي، وعند وفاة والده الصعبة كان يساند إخوته صغار السن آنذاك مطلع السبعينات، وهو في السجن”.

ثم ختمت تدخلها بالشهادة على حرصه “تلقين حب القراءة لصغاره، والبساطة في العيش، والعناية بالآخرين، ومضمون العدالة، والاعتماد على النفس، وحب الوطن”.

أما عمر زنيبر، السفير الممثل الدائم للمغرب بجنيف السويسرية، فتحدث عن أحمد حرزني بوصفه “أستاذا كانت له حياة نموذجية”، مضيفا: “هو رجل الاستثناء، رافق مجهودات بلدنا في بناء دولة حديثة تعترف بحقوق الجميع، وساهم بطريقة استثنائية في المصالحة، بتصريح تاريخي طبع النفوس وبعمل كان منعطفا ومنهجا للبلد في تناول هذا الموضوع”.

وزاد في تصريح مسجّل: “هدوؤُه مبني على التجربة والمعرفة والحكمة (…) وقد شغل مناصب ذات أهمية عليا في تنمية حقوق الإنسان ودولة الحقوق والتنمية الأكاديمية، بمنهج علمي في المواضيع التي كان يتناولها بتواضع ومسافة (…) وأتمنى التعلم من دروسه مستقبلا (…) في تنمية ثقافة حقوق الإنسان بالمغرب، واحترام كل شخص بالمجتمع”.

المصدر: هسبريس

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *