اخبار

بذرة الدم والحرام: عندما باع حكام العرب فلسطين مقابل وعد حنثت به بريطانيا لاحقا وعاملتهم “كورق كلينكس”! وطن

وطن ـ رأت الدنيا كلها وقوف أحرار العالم في كل أصقاع الدنيا منددة بما يتعرض له الشعب الفلسطيني في غزة من إجرام لا مثيل له على يد العدو الصهيوني، في حين وقفت جل أنظمة العرب مع هذا الكيان الصهيوني المجرم الغاصب، سرا وعلانية.

ناهيك عن مشاركة هذه الأنظمة في حصار أهل غزة وتجويعها لهم، أسوة بالكيان الصهيوني ومنع حتى علاج الجرحى في بلادها، بل بلغ بهذه الأنظمة العميلة تمويل الكيان الصهيوني في شن حروب سابقة على غزة.. والله أعلم ما جرى في هذه الحرب!

وفي اللحظة التي يموت فيها شعبنا الفلسطيني في غزة قتلا وجوعا، هرعت قافلات الإغاثة التابعة للحكومات العربية ليس لأهل غزة، بل للكيان الصهيوني الذي لم يترك أسلوب جريمة وحشية إلا وطبقه على القطاع المحتل والمحاصر منذ 17 عاما.

الأنظمة العربية المتصهينة وقتل الفلسطينيين جوعا!

في حين منعت آلاف من شاحنات الإغاثة التي تبرعت بها الشعوب العربية ودول أجنبية على “معبر رفح” من الدخول لإغاثة أهل غزة، حتى أن أكثر المساعدات انتهت مدة صلاحيتها وفسدت، بل هناك ما تم تحويله للسوق المصري عبر عصابات الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، وهناك من يتحدث عن تحويل بعض هذه المساعدات لدول أفريقية أخرى.

لماذا تقوم مصر بإنزال جوي للمساعدات رغم وجود معبر رفح البري مع غزة؟

وكم يذكرنا هذا بما جرى في عام ١٩٤٨ حين تبرعت الشعوب العربية بأموال وأسلحة للشعب الفلسطيني، فتحولت فجأة إلى مخازن اللجنة العسكرية التابعة لجامعة الدول العربية ومنها ما ذهب لأيدي العصابات الصهيونية، وهي الفضيحة التي تورط فيها رئيس الوزراء السوري “جميل مردم” وفر من سوريا على إثرها.

وكذلك تحولت بعض الأموال التي تبرعت بها الشعوب وقتها من أجل فلسطين إلى “بنك” فيما بعد و”بنك إسلامي” وهو الذي سمي “ببنك فيصل الإسلامي” الذي تمتلكه أسرة عبد الرحمن عزام، أمين جامعة الدول العربية بالشراكة مع نسيب الأسرة، الأمير السعودي محمد الفيصل، كان عبد الرحمن عزام هو الذي تولى تسليم فلسطين عبر جامعة الدول العربية للكيان الصهيوني عام ١٩٤٨، من خلال جامعة الدول العربية وبالتنسيق مع النظامين المصري والسعودي وبقية أنظمة العرب.

ما الذي جعل حكومات العرب تقع في مثل هذه الخيانة العظمى وعلنا؟

“لقد قدمت بريطانيا العظمى لك راتبا لمدة عشرين عاما، وصدت الأعداء عن حدودك وجعلت عرشك مستقرا، وبما أن بريطانيا قد رأتك في الأيام الصعبة، فيجب عليك رد الجميل في حل مشكلة فلسطين، فيمكن لزعيم عربي قوي مثلك كبح جماح العصابات العربية (في فلسطين) والعمل على اتخاذ القرارات المعتدلة في الاجتماعات العربية، وإحداث تسوية واقعية مع الصهيونية”.

(1) المعلومات من الوثائق الأمريكية المسربة: (من السفير الأمريكي في جدة الكولينيل ايدي لوزير خارجيتهUNITED STATES’S FOREIGN RELATIONS: DIPLOMATIC PAPERS THE NEAR EAST AND AFRICA 890F.001 Abdul Aziz/22245.)

هذا ما واجه به ونستون تشرشل رئيس وزراء بريطانيا، الملك عبد العزيز آل سعود خلال اجتماعه به عام ١٩٤٥، كان تشرشل على علم بما قام به ابن سعود عام ١٩٣٦ حين أوقف ثورة ١٩٣٦ بناء على وعود وعد بها الفلسطينيون، لم تنفذ ولم تقبل بها بريطانيا اصلا لكنه رغم ذلك مررها على الشعب الفلسطيني وصدقوه.

لقد باعت هذه الأنظمة العربية فلسطين للحركة الصهيونية وتعهدت عبر أنظمتها المتوارثة بصيانة هذه التعهدات بتسليم فلسطين للغزاة الصهاينة وضمان أمنهم، إما من خلال إسكات الشعب الفلسطيني في الداخل بكافة الطرق وإسكاته في بلاد العرب من خلال اتخاذه رهينة لا حول لها ولا قوة، وقد رأينا ماذا جرى لمن رفض الارتهان لما أرادوا، فكان مصيرهم القتل أو السجن أو التشريد وما أكثر الأمثلة.

ففي عام ١٩٤٧ اشتركت الأنظمة العربية مع الحركة الصهيونية في تقسيم فلسطين، بل وتحدد لكل نظام جزء منها لتستولي عليه أسوة بالكيان الصهيوني، قبل أن يغدر بهم ويستولي على الكعكة كلها.

ماذا كانت فلسطين وشعبها تعني في قاموس الزعامات العربية؟

هنا سنتعرض على مدى أكثر من مئة عاما وعبر مراحل متعددة ماذا كانت فلسطين وشعبها تعني في قاموس الزعامات العربية التي توارثت خيانة قضية فلسطين وقدسها وشعبها، وطعنها في الظهر على مدى هذه العقود؟

لنرى خسة هذه الأنظمة الرخيصة التي ابتليت بها أمتنا في هذا الزمن الذي ليس لنا فيه إلا أن نتمثل بقول الشاعر دعبل الخزاعي:

“فلو أني ابتليت بهاشمي خؤولته من بني عبد المدان… صبرت على عداوته ولكن تعالوا فانظروا بمن ابتلاني.”

إننا هنا نقيم الحجة على الشعوب العربية التي رأت في هؤلاء “الحكام العرب” أنها أنظمة شرعية واستأنست بها أو على الأقل ارتضت بها، ولم تنظر لحقيقتها على أنها أنظمة وكيلة عن آخر الحملات الصليبية التي احتلت أوطاننا ثم استمرت بالسيطرة علينا وعلى ثرواتنا عبر هؤلاء الوكلاء بأسلوب غير مباشر.

خاصة بعد أقنع هراطقة العصر من مشايخ الدين المرتشين، هذه الشعوب بأن هؤلاء الوكلاء، هم “أولياء أمر للأمة الذين يجب أن تتقبل ركوبهم لك وتطيع.”

ناهيك عن أن هذه الأنظمة العربية وقفت في وجه كل “مشروع وحدة” حاول توحيد ممالك الطوائف الجديدة هذه، خوفا على كراسي الحكم، فكل أمسك بأسنانه كرسي عرشه محتفظا به وقد تنازل عن كل شيء من أجله بما في ذلك شرفه ودينه وآخرته.

بذرة الدم والحرام:

في عام ١٨٩٦ عندما رفض السلطان عبد الحميد الثاني رحمه الله المشروع اليهودي في فلسطين ورفض ذهبهم، قرر اليهود خوض معركة تدمير دولة الخلافة العثمانية، واشتركوا بقوة مع باقي الدول الاستعمارية التي كانت تسعى لإنهاء دولة الخلافة في السابق، ومن ثم محاولة الحصول على فلسطين من بين الذين تم تجنيدهم من العرب ببعض الذهب الذي وعدوا به السلطان عبد الحميد الثاني ورفضه.

عرفت استخبارات الدولة العثمانية ببعض هؤلاء المجندين وخاضت حربا ضدهم, اضطرت من خلالها للتخلص من بعضهم وهداية بعضهم الآخر، وبدأت بالتخلص بداية من شرهم وهو جمال الدين الأفغاني، وطلبت من خديو مصر عباس حلمي الثاني تسليم بعضهم حيث كان أكثرهم يعمل من القاهرة.

وقد استسلم بعضهم طوعا للدولة العثمانية، وقدموا لاستخباراتها تفصيلات لما يجري في القاهرة بما فيها الرواتب الشهرية التي كان يتقاضاها هؤلاء من عباس حلمي الثاني، والتي كانت تتراوح ما بين خمس جنيهات وأربع جنيهات شهريا لكل واحد فيهم.

مما أوقع عباس حلمي الثاني في خلاف خطير مع السلطان عبد الحميد الثاني رحمه الله، وازداد خطره عندما علمت الدولة العثمانية بأن عباس حلمي الثاني جند “عبد الرحمن الكواكبي” كي يعمل من أجل الانقلاب على الخليفة العثماني عبد الحميد الثاني واختيار عباس حلمي الثاني بديلا عنه، لأن العرب أولى بالخلافة من الأتراك، مع أن عباس حلمي الثاني لم يعتبر نفسه عربيا قط، ولم يكن حتى عبد الرحمن الكواكبي فهو صفوي من أردبيل فارس أصلا.

الكواكبي وعباس حلمي الثاني

لذا طالبت الدولة العثمانية عباس حلمي الثاني بتسليم عبد الرحمن الكواكبي، كي تتلطف الأجواء بينهما وكي يقبل السلطان عبدالحميد الثاني زيارته لتعد المياه لمجاريها، ولكن لو تم ذلك فسيكون كارثة على عباس حلمي الثاني الذي كان يحاول استرضاء السلطان عبدالحميد الثاني بشتى الأساليب.

فحتما سيعترف “الكواكبي” بكل شيء فيما لو استلمته الدولة العثمانية كما اعترف من سبقه، فاعتراف الكواكبي سيكون عن محاولة انقلاب على دولة الخلافة العثمانية وتحويلها من إسطنبول إلى القاهرة.

وهذه ستكون جريمة عظمى بحق عباس حلمي الثاني، لذا كان الحل هو التخلص من عبد الرحمن الكواكبي وقتل السر معه للأبد.

عبدالرحمن الكواكبي

لذا جرى تسميمه بعد دعوته لمأدبة “عامرة” في قصر عباس حلمي الثاني، وقد بلغ بعباس حلمي أن يرسل مخبرا ليحرس جثته في المستشفى، حتى لا تتعرض للفحص الطبي من قبل أي طرف خارجي ومن ثم نقله ودفنه على عجل عام ١٩٠٢.

(2).. (المعلومات الواردة هنا من ملف سري عن الأيام الأخيرة في حياة عبد الرحمن الكواكبي لكاتب هذا المقال سينشر لاحقا.)

وهذا أكد للدولة العثمانية أن عباس حلمي الثاني فعلا كان يتآمر عليها وأن لديه ما يريد أن يخفيه عنها فعلا.

بعد أن تمكن اليهود من عزل السلطان عبد الحميد الثاني عام ١٩٠٩ عبر من جندوهم من خلال المحافل الماسونية والجمعيات والأحزاب المختلفة، بدأ العمل علنا، ففي عام ١٩١١ نشر رشيد رضا مقالا بعنوان “المشروع الأصفر”، طالب من خلاله أن يتقبل العرب بالذات في سوريا جهود اليهود من خلال ذهبهم وعلمهم في البلاد!، خاصة وأن اليهود هم الذين يسيطرون على البنوك والصحافة في بلاد الغرب.

لذا فليكن هذا من “نصيبنا” ايضا، وطرح نكتة مفادها أن عربيا حاول شراء “ساعة” من يهودي لكن العربي قال له لا أريد أن يربح اليهودي مني، فرد اليهودي إن كنت لا تريد اليهودي أن لا يربح منك فلا تشتري اي شيء ابدا!، (اي ان كل شيء في يد اليهود).

ولكن كي يحمي رشيد رضا نفسه من هجوم الأقلام عليه مسبقا ذكر أنه لا يحبذ هجرة اليهود للأراضي المقدسة في فلسطين لأطماعهم المبيتة فيها، لكن هذه الخدعة لم تمر فهوجم على ذلك هجوما مريرا من شتى الأقلام.

(3).. (المشروع الأصفر: مقالات الشيخ رشيد رضا السياسية المجلد الثاني. ص. ٧٨٨ ٧٩٢.)

العجيب أن الأفكار التي طرحها رشيد رضا في هذا المقال هي نفسها التي عرضها بعد عامين، سامي هوشبيرغ الذي وكلته حركة الاستيطان اليهودية في إسطنبول والتابعة لعائلة روتشيلد، على “زعامات العرب المستقبلية” في سوريا ومصر وعواصم غربية.

خيانة محمد رشيد رضا

في عام ١٩١٣ أسس محمد رشيد رضا مع أرمن ونصارى من سوريا و “زعامات عربية” حزب اللامركزية العثماني في القاهرة، وكان من بين من ضمهم هذا الحزب، هو اليهودي نسيم معلول، أيضا إبراهيم سليم النجار من نصارى سوريا، وكان من أشد المتصهينين والأشد حقدا على الإسلام وأهله، وهو الذي نفث سمومه من خلال جريدة “لسان العرب” التي أسسها في القدس فيما بعد، والعجيب أنه كان من أقرب المقربين لعبدالرحمن الكواكبي ومن رفاق الكأس له في خمارة ومقهى سبليندد بار.

بعد تأسيس حزب اللامركزية، أوكل الحزب لسليم النجار هذا مهمة التواصل مع سامي هوشبيرغ والذي سبق وأن عمل معه سابقا، وعرض عليه نيابة عن الحزب أن يأتي اليهود إلى اتفاق مع حزبه حيث سيضع “مصالح الصهاينة في القلب”.

واقترح أنه من خلال الانضمام إلى “حزب اللامركزية” سوف يتخلصون من العداء الإسلامي والمسيحي المتزايد!، كما قام الحزب بتوكيل الماروني أسعد داغر للتواصل مع الحركة الصهيونية فيما بعد.

محمد رشيد رضا
محمد رشيد رضا

ورد سامي هوشبيرغ بالإيجاب وقام بالزيارة والتي وصفها بالناجحة، حيث تحدث مع عشرين قياديا في الحزب!.

(4).. (Arabs and Zionism, Cf. Mandel 15458

وحين قابل سامي هوشبيرغ أحد مسؤولي الحزب، وهو رفيق العظم، أخبره العظم أنه كلف إبراهيم سليم النجار بكتابة مقالات واسعة في الصحف المصرية والفلسطينية والسورية من أجل تهيئة الشعوب العربية لقبول الهجرة اليهودية لفلسطين، وإلغاء التدابير السابقة والتي اتخذها السلطان عبد الحميد الثاني بخصوص تحديد الهجرة اليهودية لفلسطين.

ولينظر القارىء معي إلى حجم الذين اشتركوا في هذه المؤامرة على فلسطين من خلال هذا الحزب كل حسب موقعه وقدرته، ونذكر منهم خاصة ممن كانت تعول عليهم الأمة: الشيخ محمد رشيد رضا، الشيخ كامل القصاب، عزيز المصري، عبد الحميد الزهراوي، رفيق العظم، حقي العظم، محب الدين الخطيب، محمد كرد علي، الشيخ طاهر الجزائري، عبد الرحمن الشهبندر، شكري العسلي، وغيرهم.

كما تعاونت بريطانيا مع هذا الحزب فيما بعد، من أجل الحرب ضد تركيا، إما من خلال الإعداد للثورة العربية الكبرى أو تقديم الاستشارات لبقية الزعامات العربية من خلال إرسال وفود من الحزب لها، وقد قدمت الحكومة البريطانية ألف جنيه إسترليني لرشيد رضا من أجل هذه المهمة، حيث أرسل محب الدين الخطيب لابن سعود وابن عمه صالح رضا إلى اليمن ومحمد القلقيلي إلى الشام.

(5).. (أمين سعيد أسرار الثورة العربية الكبرى، صفحة ٣٧.)

حكام العرب تمت معاملتهم من قبل بريطانيا “كورق كلينكس”

وقامت ثورة العرب الكبرى وتم احتلال بلادهم ومن بينها فلسطين، لتتقاسمها الدول الاستعمارية واليهود، أما قادة العرب فقد نكثت بريطانيا العهود معهم، وباختصار كما ذكر مارك سايكس: “علينا أن نضحي بعهودنا للصغار من أجل تحقيق وعودنا للكبار”، يقصد بالصغار العرب الذين تمت معاملتهم كورق كلينكس.

فحين طالب الشريف الحسين بن علي بتنفيذ العهود معه، أخذوه أسيرا إلى قبرص حيث “قتلوه” قهرا بأساليب نفسية لا تخطر على بال البشر، فقد جرى حتى تجويعه، وحين حاول رهن خنجره والذي كان من الذهب من أجل شراء حاجاته، قالوا له “لا ينفع”!، حينها سقط على الأرض مغشيا عليه، حيث نقل إلى عمان حيث قضى أيامه الأخيرة في أحد مستشفياتها.

أما عباس حلمي الثاني والذي تمت اجتماعات التحضير الأولى للانطلاق بالثورة العربية الكبرى في قصره ما بين الإنجليز والأمير عبدالله بن الحسين، فقد عزله الإنجليز بعد ٥ أشهر من الاجتماع الثاني، وهكذا كانت نهاية من عمل معهم، إما العزل أو القتل، حتى عبدالله بن الحسين وقبل أن تبدا الثورة العربية الكبرى، ناقشوا فكرة التخلص منه فيما لو أحدث لهم المتاعب مثل والده.

عباس حلمي الثاني
عباس حلمي الثاني

في عام ١٩٥١ قال “ابا ايبان” سفير الكيان الصهيوني في واشنطن، لأحد المسؤولين الأمريكيين( جون بارو )، سرا: “كل زعيم عربي تقريبا تعاون مع إسرائيل في مفاوضات الهدنة قد اغتيل مثل محمود فهمي النقراشي في مصر، وحسني الزعيم في سوريا، ورياض الصلح في لبنان، والآن يتم اغتيال الملك عبد الله، إن هذه الاغتيالات وان اختلف مصدرها ودوافعها، لا تبشر بخير، فهذه المصادفة، إذا كانت مصادفة، ستكون بلا شك رادعا قويا لأي زعيم عربي آخر سيفكر بالتعامل مع إسرائيل في المستقبل.”

(6).. (FOREIGN RELATIONS OF THE UNITED STATES, 1951, THE NEAR EAST AND AFRICA, 785.00/72451 Memorandum, July 24, 1951.)

فلسطين وشعبها في قاموسهم:

بعد احتلال فلسطين وصدور وعد بلفور عام ١٩١٧ حاول الشعب الفلسطيني مقاومة هذا الوعد الظالم بشتى الطرق والوسائل، فتوجهت الوفود الفلسطينية لزعامات العرب لحثهم على إجبار السلطات البريطانية على إلغاء هذا الوعد.

وكان أحد الوفود الفلسطينية قد توجه لمصر لمقابلة سعد زغلول الذي كان الإنجليز من خلف الكواليس يصنعون منه “بطلا” في عيون المصريين، وقابل الوفد هذا “البطل” وعرضوا مظلمتهم عليه بخصوص وعد بلفور، فقال لهم زغلول: “عودوا واصنعوا سلاما مع اليهود.. ما هم ساميون مثلكم والبريطانيون سيبقونهم تحت السيطرة”! حينها عرف الفلسطينيون أي مأساة حلت بهم وغادروا.

وعندما احتلت بريطانيا فلسطين، كان ما يقرب من نصف جيوشها من العرب، بل مقر قيادته كان في القاهرة، ولم يكن من هموم أحد الزعامات العربية سقوط فلسطين وقدسها وأقصاها، بل المتاعب التي تلقاها الجيش البريطاني في سبيل احتلال فلسطين.

نصائح ابن سعود لتسهيل احتلال فلسطين

فيقول ابن سعود للجاسوس البريطاني “جون فيلبي” الذي كانت قد أرسلته الحكومة البريطانية في نهاية عام ١٩١٧ لجس نبض ابن سعود بخصوص فلسطين بعد صدور وعد بلفور، عندما قررت الاختيار ما بينه وبين شريف مكة الحسين بن علي، يقول ابن سعود له: “لقد علمت أنكم تواجهون مصاعب في احتلالكم لفلسطين. سيكون من الأفضل عندما تتقدموا أن تسيطروا على حيفا ونابلس فهي من النقاط المهمة”.

(7).. (في قلب الجزيرة العربية. جون فيلبي ص ٣٠٢ ٣٠٣)

هذا ابن سعود ينصح “جون فيلبي” أثناء سقوط القدس في يد الإنجليز ويوجههم فيما يجب أن تفعله بريطانيا عند احتلالها لفلسطين!.

اتفاقية وايزمن فيصل بن الحسين:

وهي اتفاقية وقعها فيصل ابن الشريف الحسين بن علي مع “حاييم وايزمن” زعيم الحركة الصهيونية في مؤتمر باريس للسلام 1919م، واعترف من خلالها بوعد بلفور وتشجيع الهجرة اليهودية إلى فلسطين، ومع أنها كانت اتفاقية مشروطه ولم ينفذ شروطها، إلا أنها استمرت من خلال اتفاقيات ومشاريع أخرى أدت في النهاية إلى ضياع فلسطين وتشريد شعبها.

وكانت أكثر هذه الاتفاقيات والمشاريع تتم عبر شخوص على علاقة مع الأمير فيصل، أثناء الثورة العربية الكبرى في الحجاز أو فيما بعد حين صار ملكا على سوريا ثم على العراق.

وعد بلفور عربي:

بعد صدور وعد بلفور أرادت الحركة الصهيونية أن ترفد هذا الوعد بوعد بلفور عربي، فوقع الاختيار على رياض الصلح رئيس وزراء لبنان فيما بعد، وأحد العاملين لصالح شركات الاستيطان اليهودية وصديق للوكالة اليهودية والذي كانت تدفع له باستمرار، وهو ابن رضا الصلح الوزير في حكومة الأمير فيصل بن الحسين في دمشق.

وعمل رياض الصلح جاهدا من أجل هذا المشروع من خلال اجتماعاته مع قادة الحركة الصهيونية وعائلة “روتشيلد” كحاييم ايزمن وغيره من قادة الحركة الصهيونية في لندن وباريس وجنيف والقاهرة ما بين عام ١٩٢١ ١٩٢٣.

وكان هذا الاتفاق يتضمن تأكيد “وعد بلفور” متمثلا بوعد بلفور عربي وتشجيع الهجرة اليهودية إلى فلسطين ووقف الأعمال “العدائية” الفلسطينية التي تعارض الهجرة اليهودية، حماية اليهود وتأمينهم في فلسطين، ووقف الدعاية المعادية لليهود من قبل الفلسطينيين في الصحافة واللجان العربية في فلسطين، وفي الخارج (أي الوفد العربي الفلسطيني)، وأن يعين اليهود الدول العربية اقتصاديا وسياسيا لنيل استقلالهم الكامل، واعتبار اليهود سفراء الحضارة والذين يحتاجهم العرب في سبيل تقدمهم!.

8ـ (The Letters and Papers of Chaim Weizmann: January 1922July 1923. P. 75.)

وتخيلوا معي أن من وقع على هذا المشروع بالإضافة لرياض الصلح مع قادة الصهاينة ومع المصرفي اليهودي المصري “فيلكس يهودا منسى”، هم: الشيخ محمد رشيد رضا واميل الخوري والشيخ كامل القصاب، أو بالأحرى “النصاب”. وهذا الوصف ليس من عندي، فبعد أن تسرب هذا اللقاء، هاجمهم الفلسطينيون هجوما شديدا، حتى أن صحيفة فلسطينية سألت هذا الوفد: (أنتم سوريون بأي حق تتحدثون باسمنا؟!)

مما حدا بالصهاينة أن يقروا في النهاية بأنهم فعلا يفاوضون مجموعة من اللصوص والنصابين، وأنه لا بد من التفاوض مع شخصية محترمة أو نافذة تستطيع إقناع وفرض ما يريدون على الشعب الفلسطيني، ومن المؤسف أن كثيرا من المصادر حاولت ربط كامل القصاب بالشهيد عز الدين القسام، مع أن القسام رحمه الله حذر المقربين منه، وذلك حين أرسله الملك ابن سعود لعز الدين لقسام رحمه الله فيما بعد.

وفي عام ١٩٢٩ اندفعت جموع الفلسطينيين في وجه اليهود الذين اعتدوا على حائط البراق، واندلعت مظاهرات عارمة في كل أنحاء فلسطين ردا على المعتدين اليهود والذين بدأوا بالاعتداء وبحماية بريطانية، وكانت مظاهراتهم تحت عنوان “الحائط لنا”، كانت خطة بريطانيا في تهويد القدس قد اتضحت معالمها بالذات في في تلك الفترة.

فقام أهل الخليل بالاشتباك مع اليهود في المدينة وقتل في تلك الاشتباكات ما يقرب من ٦٧ يهوديا، وكان الرد البريطاني غاية في الإجرام حيث اعتقلت وعذبت مئات الفلسطينيين كما أعدمت عددا منهم ومنهم الأبطال الثلاثة:

فؤاد حجازي، ومحمد جمجوم، وعطا الزير، ومع أن لجنة شو البريطانية التي حققت في الأحداث هذه، حملت بريطانيا واليهود مسؤولية ما جرى، إلا أن ابن سعود كان له رأيا آخر.

فؤاد حجازي، ومحمد جمجوم، وعطا الزير
فؤاد حجازي، ومحمد جمجوم، وعطا الزير

فقد جمع حجاج الخليل، مع أمير الحج شاكر القواسمي في مكة المكرمة وأخذ يصرخ فيهم: “هل هذي هي الطريقة الي تعرفون فيها ربكم؟.. وكيف يشفع لكم النبي وانتوا غسلتوا أيديكم بدماء النساء والأطفال الذين لا حول ولا قوة لهم؟ جيبوا لي كتب الله الستة ووروني آية في صفحة منها بتقول يجوز ذبح اليهود! ومن سمح لكم تخترعوا في الدين وان تتقولوا على نبيه بأنه أمر بذبح اليهود؟ العار عليكم وعلى قادتكم، هذه الكأس ستشربوا منها لأن الله بريء من اللي بيرتكبوا هالاعمال.. ثم امر بطردهم.”

(9).. (F. Kisch, Palestinian Diary 1939 p .311)

ابن سعود ” أكبر قاطع طريق في عصره”

بداية لم يقتل اي طفل في ذلك الهجوم كما يدعي ابن سعود، أما ردع المعتدي شرعا وقانونا فلم تنكره لا عقيدة ولا حتى أي دستور صنعه البشر، فكيف وأنت أمام شر صائل عرفته البشرية كاليهود الذين يريدون استباحة المسجد الأقصى وبات جليا مخططهم باحتلال فلسطين وتشريد أهلها، وبهذا يكون ابن سعود إما جاهل بعقيدته تمام الجهل أو دجال يعتقد أن من أمامه لا يعرفون عقيدتهم.

ولكن الذي لا يعرفه الحجاج بأن “واعظهم” ما هو إلا أكبر قاطع طريق في عصره، كان قد رمى بغضبه عليهم في شهر ٥ عام ١٩٣١، كانت ثمة مجازر بحق المسلمين الآمنين في بيوتهم قد ارتكبتها جيوشه ولم يجف دمها بعد، فقط قبل سبع سنوات كان قد ارتكب مجزرة “تنومة” بحق حجيج اليمن، ونهب كل ما معهم حتى ملابس الإحرام نزعت عن أجسادهم، وبعدها بعام ارتكبت مجزرة بحق قبيلة “بني مالك”، ذهب فيها ما يقرب من ٣ آلاف نفس لم يستثني طفلا ولا أمرأة ولا شيخا، حتى الأعراض سباها جيشه وذلك في عام ١٩٢٤.

محاصرة الكويتيين حتى مات بعضهم جوعا

وفي نفس السنة ارتكب مجزرة رهيبة بحق الطائف رغم إعلانها الاستسلام مسبقا ولم يفرق فيها بين صغير وكبير، ودمروا ونهبوا كل شيء فيها وفعلوا ما يقرب من هذا في بقية الحجاز، وفي آخر عشر سنوات حاصر الكويت وظل يداهمها في كل حين قتلا ونهبا، حتى بلغ به محاصرة الكويتيين حتى مات بعضهم جوعا فيما يعرف بحصار “القصر الأحمر”.

وفي عام ١٩٢٤ هاجموا بدو شرق الأردن ودمروا البيوت وقتلوا أهلها أثناء نومهم ونهبوا إبلهم وأغنامهم، فقط قبل سنة من “محاضرته” هذه، منع جنوده سفينة الحجاج اليمنيين “آسيا” من التحرك دون إبداء أي سبب وهي تستعد للمغادرة لتحترق في منتصف الليل بفعل فاعل ويقتل فيها ١٠٦ حاجا يمنيا.

في تلك السنة (١٩٣١) تم تأخير دخول المجاهد الدينماركي الشهيد “كنود هولمبو” عمدا من أداء الحج وحين سمح له بالدخول بعد انتهاء موسم الحج وبضمان من ابن سعود، ولكن جنود ابن سعود اختطفوه وقتلوه ولم يعرف أين جثمانه حتى اليوم، كانت القوى الاستعمارية رغم اختلافها في البلاد المنهوبة الا أنها توحدت في جدة لتفتك بكل حاج يريد كشف المظالم والاجرام الذي يتعرض له الليبيون والفلسطينيون والسوريون على يد هذه القوى.

كنود هولمبو
كنود هولمبو

كان فضح هذه القوى وما تفعله بحق المسلمين قد أعد العدة له في تلك السنة عبر ثلاثة أشخاص، الشهيد “كنود هولمبو” الذي قتل أثناء دخوله، وزميله “أحمد الشريف السنوسي” والذي نجا بأعجوبة عندما حجز من مجموعة تابعة لابن سعود حين دخل مكة المكرمة عبر نجد.

والذي قابله ابن سعود فيها وطلب منه حض الليبيين على الاستسلام للإيطاليين لكنه رفض ليموت بعدها في ظرف أقل من عامين بطريقة غامضة.

أما الثالث فهو شخصية تركية لا يعرف مصيرها حتى يومنا هذا، كانت كل أمور الحجيج قد سلمها ابن سعود لوزيره الدرزي المجرم “فؤاد حمزة” ليفعل ما يشاء بحق ضيوف الرحمن، حسب طلبات هذه القوى الاستعمارية.

هذا غيض من فيض من سيرة من يحاضر “شرفا وتقوى” في حجيج أهل فلسطين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *