اخبار السودان

الإسلاميون والسلطة… صعود التجربة أم سقوط الممارسة؟

 

الإسلاميون والسلطة… صعود التجربة أم سقوط الممارسة؟

منير أديب

 

ثلاث تجارب للإسلاميين في السلطة على الأقل في العصر الحديث… اثنتان منهما ارتبطتا بتنظيم “الإخوان المسلمين”، والتجربة الثالثة ارتبطت بـ “حركة طالبان” التي عادت إلى السلطة مرة ثانية بعد الانسحاب الأميركي من أفغانستان في آب (أغسطس) من العام 2021.

التجربة الأولى لـ”الإخوان” كانت في السودان واستمرت ثلاثين عاماً، على خلفية الانقلاب العسكري الذي نظّمته الجماعة في العام 1989 وقاده حسن الترابي باعتباره منظّراً للحركة الإسلامية التي كان “الإخوان” جزءاً منها داخل البلد الإفريقي، بالشراكة مع عمر البشير الذي تولّى رئاسة الدولة طوال العقود الثلاثة الماضية.

التجربة الثانية مرتبطة بصعود “الإخوان المسلمين” إلى السلطة في مصر في العام 2012، وهي لا تختلف كثيراً عن تجربة “الإخوان” في السودان؛ غير أنّ الأولى لم تستمر سوى عام واحد، ولكن الفشل كان مصير التجربتين على حدّ سواء، ولعلّ انهيار التنظيم وتشقّق بناه التحتيه ظهرا بعد سقوطه في مصر على وجه التحديد، أو كان السقوط انعكاساً لعوامل الانهيار التي بدت عليه.

في الحقيقة، إنّ الإسلاميين لا يمتلكون مشروعاً حضارياً ولا سياسياً يؤهّلهم للحكم، وإنما بعض وجهات النظر والاجتهادات التي تخالف الواقع والمنطق وتصطدم بالأدبيات السياسية والقيمية، فلا هم أفلحوا في عالم السياسة ولا حتى في عالم الدعوة.

الأفكار التي يطرحها الإسلاميون غالباً ما تكون مجتزأة وغير مكتملة؛ يدّعون أنّها مستقاة من الإسلام والحقيقة أنّ الدين برّاء منها ومن الذين طرحوها؛ هذه الأطروحات تُعبّر عن أصحابها فقط وليس عن الدين، وإذا شئنا القول، “فإنّ أصحابها بعيدون عن روح الدين بُعد المشرقين”.

لا يمكن وصف هذه الأطروحات فقط بأنّها ناقصة أو غير مكتملة أو لا تُعبّر عن روح الدين، ولكنها أطروحات متطرّفة لا علاقة لها بإسلوب إدارة الدولة الحديثة ولا بالممارسات السياسية الصحيحة… هي عبارة عن خليط غير متجانس من أفكار وقيم، وكلها غير صحيحة ولا تناسب ما استقرّ عليه شكل الدول أو إدارتها الحديثة.

تجربة “الإخوان” في السودان استمرت ثلاثين عاماً ولكنها انتهت على عتبة ثورة شعبية حكمت عليها بالفشل والزوال في العام 2019. كان الإسلاميون أذكى في الحفاظ على تجربتهم على مدار العقود الثلاثة الماضية، ولكنهم لم يستطيعوا أن يحموا هذه التجربة أو أن يكتبوا لها النجاح.

وهنا لا يمكن ان نحكم على نجاح التجربة بطولها أو قصرها ولكن بعمق التجربة وماذا قدّمت من منجزات؟ فهناك تجارب لها أعمار طويلة ولكنها فاشلة، حكمت بالكرباج وكانت سيفاً مصلتاً على رقاب المواطنين؛ لا بد أن يكون الحكم على التجربة بما قدّمته للنّاس على كل المستويات، وهذا ما افتقدته تجربة الإسلاميين في السودان.

“الإخوان” كانوا يحكمون السودان خلال ثلاثة عقود بعيون التنظيم الضيّقة، تلك التي أهملت الكليات وعادت البشر، فضلًا عن المختلفين عنهم، ومع الوقت لم تعد التجربة قادرة على التعايش، فضلًا عن أنّها فشلت في التأقلم مع المجتمعات التي ظهرت فيها.

تجربة الإسلاميين، سواء في السودان أو مصر، بغض النظر عن عمرها في السلطة، وتجارب بعض الإسلاميين المحدودة في الحكم في بعض البلدان الأخرى كانت قائمة على النفعية، استعجل القائمون عليها حصاد النتائج قبل أن يقدّموا أي منجزات حقيقية تٌشير إلى وجودهم.

تجربة الإسلاميين في السلطة أثمرت عن انفصال جنوب السودان بعد حروب خاضتها الدولة، فضلاً عن استضافتهم لتنظيم قاعدة الجهاد وزعيمه أسامة بن لادن ونائبه أيمن الظواهري، فأي تجربة يمكن أن نحكي عنها؟ وأي منجز يمكن أن تحققه حتى ولو استمرت في الحكم مئة عام وليس ثلاثين سنة؟.

“الإخوان” في مصر عملوا مئة عام، منذ أن أنشأ حسن البنا الجماعة في ربيع عام 1928 لينهدم المعبد فوق رأس التنظيم لمجرد أنّهم حكموا عاماً واحداً؛ مئة عام من العمل من أجل عام واحد في الحكم، حتى هذا العام كان سبباً في انهيار التنظيم.
وهذا يدل إلى حرفية التنظيم في عدم إظهار الجزء السيئ فيه، أو أنّه نجح في تسويق نفسه. صحيح أنّه صعد بنَفَس طويل وبعمر مديد “مئة عام”، ولكنه هبط بسرعة الصاروخ، وربما انفجر قبل الهبوط، وهو ما يعني أنّ ما حدث للتنظيم في مصر ليس مجرد سقوط ولكنه انهيار أو أنّ السقوط مجرّد دلالة إلى الانهيار والزوال.

كثيرٌ من النّاس لم يقرأوا التنظيم قراءة صحيحة إلاّ عندما وصل إلى السلطة؛ جزء من حالة الضبابية التي عاشها كثيرٌ من النّاس بخصوص التنظيم يرجع لقدرته على إظهار مفاتنه المغرية وإخفاء مفاسده المقززة والتي ظهرت عندما صعد إلى السلطة.

طالبان كما صعدت هي الأخرى إلى السلطة هبطت، صحيح أنّ سقوطها في التجربة الأولى كان على خلفية الاحتلال الأميركي بعد تفجيرات 11 أيلول (سبتمبر) عام 2001، حيث رفضت الحركة تسليم زعيم تنظيم القاعدة وقتها أسامة بن لادن، ولكن بعد خروج واشنطن أو انسحابها من أفغانستان عادت مرّة أخرى إلى السلطة عام 2022 ولكنها عادت بالعقلية نفسها المعادية للمختلفين معها وللمرأة بل وللإنسان.

الطبيعة القبلية والاجتماعية ربما تؤخّر تراجع الحركة أو إعلان فشلها، ولكن التجربة تسير في طريق الزوال والفشل، والأمر مجرّد وقت، واختفاء التجربة كما ذكرنا مرتبط فقط بطبيعة الحالة الاجتماعية في أفغانستان وربما لعدم وجود بديل، وهذه أشياء يمكن أن يتجاوزها الأفغان مع الوقت، فيكون مصير طالبان أشبه بمصير الإسلاميين أو “الإخوان” في السودان ومصر.

فشل تجارب الإسلاميين مرتبط بالممارسة. حكم النّاس على التجربة مرتبط بممارسة أصحابها، وليس بما كوّنوه من أفكار حول التجربة. الذين حكموا على فشل هذه التجارب عاشوا تحت ظلّها فترات طويلة، وهم لم يتأثروا إلاّ بما رأته أعينهم وما حكّ جلدهم.

الإسلاميون لا يمتلكون أي مشاريع سياسية أو حضارية، بغض النظر عن نجاح هذه المشاريع أو قدرة القائمين عليها في تحقيقها، نحن نتحدث عن غياب المشروع، وهذا ما يُذكّرنا بما كان يُردّده “الإخوان” قبل صعودهم إلى السطة في مصر، حيث كان الحديث عن مشروع للنهضة، وعندما أمسكوا السلطة في البلاد صدموا النّاس بعدم وجود مشروع، ولكن وصفوه باجتهادات قابلة للتطبيق!

وعندما خرج مرشد التنظيم محمد بديع على قناة التنظيم قبل غلقها “25 يناير” وسأله مذيع “الإخوان” عن استراتيجية الجماعة في إدارة حكم البلاد، ردّ قائلاً: “يكفي أننا لن نسرق الوطن”. صحيح لم يسرقوا أمواله ولكنهم سرقوا أحلامه ومستقبله!

نقلاً عن النهار العربي

المصدر: صحيفة التغيير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *