اخبار السودان

وداعية «توني كروس».. ليلة الأحزان والبكاء الأنيق

في أروقة المشجعين نُصبت سرادق العزاء، تيفو ضخم يحتضن صورة الألماني، رسائل المشفقين مكتوبة بحبر الموت، بعضهم ترك قلبه في المنزل، وجاء بعينيه فقط خوفا من سكتات قلبية

التغيير: عبدالله برير

لم تكن مجرد خطوات تلك التي مشاها على الممر الشرفي، لامست قدماه العشب الأخضر لملعب الملوك لتمده بالسيليلوز اللازم لعملية البناء الضوئي الأخير، غاص حذاؤه العتيق في وحل المشوار، توقف تدفق الأدرينالين، للتصفيقات كانت أصوات أعيرة نارية اخترقت صدره المزين بدرع الأساطير، مشى فوق اللهب بجسارة المحاربين، ولم تطفئ دموع الانتصار نيران قلبه المتأججة.

الحكام وزملاء الأمس، الخصوم والعشب، الجمهور الذي قطع 80,000 قصيدة رثاء، رجال الأمن والكرة التي كانت أشد خوفا من شارة القيادة على ساعده التي كانت قنبلة موقوتة آيلة للانفجار، كل من اقترب منه، ومن شارته ابتعد توجسا من انتحاري وزع البكاء على مدينة مدريد وشعب البلانكوس، منحهم أقل من 90 دقيقة أو نفسا ليملأوا رئاتهم بعبيره كأنه قاتل مأجور.

في أروقة المشجعين نُصبت سرادق العزاء، تيفو ضخم يحتضن صورة الألماني، رسائل المشفقين مكتوبة بحبر الموت، بعضهم ترك قلبه في المنزل، وجاء بعينيه فقط خوفا من سكتات قلبية.

الدقيقة الثامنة كانت إضافة لعجائب الدنيا السبع، أضيفت بأناقة تشبه قصة شعره الأشقر، حناجر الأنصار غالبت الغصة، وعزفت موسيقى الاسم، أوركسترا مترفة بالوداع، تردد الصوت في جنبات السانتياغو ليعلن تخليد ذكرى الأسطورة كأول صوت يثبت في الأنحاء، ولا يحمله الهواء ليتحدى الفيزياء.

لحظة استبداله كانت عملية جماعية في مشفى الملعب، لإحلال مزمار حزن مكان القلوب، دونما تخدير يذبح الجميع، تبدلت أفئدتهم بقطع موسيقى ثكلى تنبض بالوداع والحرقة.

احتضن أطفاله وبكى، قبلها شق أرض الملعب بسكين الفجيعة، احتضن الأنصار عوضا عن أطفاله، ترقرقت عيناه بالدموع، بكى بداخله خريفا كاملا، غالب الإيطالي كارلو دموعه، تجاسر وما استطاع.

توقف الزمن

أحاط به الزملاء في مشهد مبك، لم تتوقف المباراة، بل توقف الزمن، التفوا حوله ليثنوه عن الخروج لعلمهم أن لحظات التمريرات الحميمة ولت، وأن المايسترو لن يتحكم في رتم قلوبهم ولا إيقاع لعبهم مجددا على الأقل في البرنابيو، لقطات الوداع كانت أهم من مجريات المباراة، لا أحد يعرف كم انتهى هذا اللقاء، الجميع مهزوم، المشاهدون تناسوا النصر وقصص الريمونتادا، وتمنوا لقاء مع العملاق لا ينتهي. هذا الألماني بارد الشعور اختار وقتا قاتلا للفراق، لم يراع للعشرة الكروية، مثل أبناء جلدته ركل الإحساس جانبا، وانحاز للعقل ليصيب الجمهور بالجنون، بمثل ما أذاقهم سحره الكروي بقدر ما تلذذ بتعذيبهم بساظية محببة، وغادرهم تاركا وراءه 10 مواسم من الربيع الكروي المزهر ومثلها من الأحزان.

المصدر: صحيفة التغيير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *