اخبار المغرب

نتائج انتخابات البرلمان الأوروبي تختبر مستقبل الشراكة بين الرباط وبروكسيل

حقّق اليمين المتطرف نتائج متقدمة في الانتخابات الأخيرة الخاصة بالبرلمان الأوروبي، الذي يعد الجهاز المتخصص في إقرار القوانين والتشريعات التي يسعى الاتحاد الأوروبي إلى اعتمادها سواء على مستوى الدول الأعضاء أو في علاقته بشركائه.

ويشترك المغرب مع التكتل المذكور في تدبير عدد من الملفات ذات الطابع الاقتصادي والسياسي والأمني، بدءا بالتبادل التجاري بين الطرفين واتفاقية الصيد البحري التي تنتظر القرار الأوروبي بتجديدها، فضلا عن ملف الهجرة، وملف التعاون الأمني الذي دائما ما حقق نتائج إيجابية في رصد التحركات غير القانونية والخطيرة على استقرار دول المنطقة.

وأمام صعود اليمين المتطرف الذي يختلف في المرجعيات مع الأحزاب الاشتراكية والليبرالية والايكولوجية، تُطرح أسئلةٌ كثيرة عن مدى إيجابية موقع المصالح المغربية وشراكة الرباط مع بروكسيل في خضم هذه المتغيرات السياسية، في الوقت الذي يثق الاتحاد الأوروبي في شراكته مع المغرب كما أكدت ذلك مؤسسة “فريديريش ناومان” الألمانية مؤخرا.

ويتطلع المغرب إلى كسب شركاء متعددين داخل أجهزة الاتحاد الأوروبي، بما فيها البرلمان والمفوضية، بما يمكن أن يخدم الدينامية الإيجابية لعلاقاته مع بروكسيل، في وقت بدا جليا وجود أطراف في هذه الأجهزة، إلى جانب محكمة العدل الأوروبية، تعاكس بين الفينة والأخرى مصالحه الاستراتيجية.

التأثير وارد

محسن الندوي، دكتور رئيس المركز المغربي للدراسات الاستراتيجية والعلاقات الدولية، قلل من النهضة التي يعرفها اليمين المتطرف داخل المؤسسات الأوروبية وتداعياتها على الشراكة بين بروكسيل والرباط، قائلا إن “البرلمان الأوروبي قد يكون من أضعف مؤسسات اتخاذ القرار بالاتحاد إذا ما قارناه بالمفوضية الأوروبية والمجلس الأوروبي”، مبرزا أن “من نقاط قوة البرلمان، المصادقة على التشريعات الأوروبية التي يريد الاتحاد اعتمادها داخليا أو خارجيا”.

وأضاف الندوي، في تصريح لهسبريس، أنه “من المهم جدا التذكير بكون اليمين المتطرف بالبرلمان الأوروبي منقسم فيما بينه، وهو ما يخدم المصالح المغربية ومصالح دول أخرى تربطها شراكات مع الاتحاد الأوروبي، خصوصا بحوض البحر الأبيض المتوسط؛ فعدم التئام هذه القوة السياسية يمنعها من فرض تصور واحد خلال مراحل التصويت على القوانين التي يراد اعتمادها”.

ولفت المتحدث إلى أن “اليمين المتطرف إنْ تمكن من السيطرة على المؤسسات الأوروبية، فسيعمل على دعم وحماية الصناعة المحلية وتشجيع السياسة التجارية الحمائية، مما قد يؤثر سلبا على الصادرات المغربية صوب البلدان الأوربية، خصوصا الفلاحية، وهو ما اتضح خلال الأشهر الماضية بعد عرقلة محتجين شاحنات مغربية تحمل منتجات فلاحية”، مبينا أن “هذا التوجه السياسي ينظر بحساسية لموضوع الهجرة خلافا للأحزاب اليسارية التي تراها قضية إنسانية”.

وبالنظر إلى ارتباط المملكة بشراكات مع الاتحاد الأوروبي تهم الجانب الاقتصادي وملف الهجرة، توقع الندوي أن “يكون المغرب أمام تحدٍ كبير إلى جانب دول المنطقة كذلك، وهو ما يؤكد الحاجة إلى إعادة الروح إلى اتحاد المغرب العربي بالنظر إلى صعوبة التواجه بشكل فردي مستقبلا مع الاتحاد الأوربي في قضايا تهم حوض البحر الأبيض المتوسط”، مقترحا على وزارة الشؤون الخارجية المغربية “تعيين سفير متجول أو أكثر بالتراب الأوروبي تكون مهمته حماية العلاقات الاقتصادية المغربية مع أوروبا”.

مصالح الرباط مُحصّنة

لحسن أقرطيط، خبير في العلاقات الدولية، قال إن “اليمين المتطرف اليوم هو القوة الثانية على مستوى البرلمان الأوروبي، بعيد عن التأثير على قرارات هذه المؤسسة التي ما تزال أحزاب الوسط تسيطر على غالبية المقاعد داخلها الأغلبية، خصوا إذا استحضرنا كون المؤسسة التشريعية ليست لها صلاحيات تقريرية كبيرة مقارنة مع المفوضية الأوروبية والمجلس الأوروبي”.

وأضاف أقرطيط، مصرحا لهسبريس، أن “الواضح إلى حدود الساعة هو أن اليمين المتطرف يعتمد على نظام البراغماتية والنفعية، خصوصا في الدول التي وصل فيها إلى الحكم، بما فيها إيطاليا؛ فالمصالح المتجذرة بين المغرب والاتحاد الأوروبي يصعب على هذه القوة السياسية القفز عليها، خصوصا فيما يتعلق بالشراكات الأمنية والاقتصادية”.

وتابع بأن “الاقتصاد الأوروبي اليوم منكمش بفعل تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، وهي الوضعية التي سيصطدم بها اليمين المتطرف عند استحواذه على السلطة بدول الاتحاد، ما سيدفعه إلى التعامل ببراغماتية وواقعية، لا سيما إن استحضرنا أن الشراكة مع المملكة في هذا الجانب تعد استراتيجية”.

وعاد الخبير في العلاقات الدولية ليشير إلى أن “جُل أحزاب اليمين المتطرف بأوروبا لم يسبق لها أن مارست السلطة، مما يصعب معه التنبؤ بما يمكن أن يتمخض عن وصوله إلى السلطة، خصوصا إذا استحضرنا أن الخطاب السياسي من موقع المعارضة يختلف عن واقع الحكم”، لافتا إلى أن “المخاوف التي يمكن أن تنشأ ستهم الدول الأوروبية في حد ذاتها، في وقت يرجح أن تتعامل الأحزاب المشكلة لهذا التوجه السياسي بمنطق مع شراكات الدول الاقتصادية والأمنية مع بروكسيل”.

المصدر: هسبريس

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *