اخبار السودان

وحده البصل سيكتب نهاية هذه الحرب!

البصل يعد من المحاصيل الزراعية الأكثر انتشارا وإنتاجا في سوداننا الحبيب وقد ارتبط ارتباطا عضويا بالثقافة الشعبية في بلادنا. ويعد البصل من المحصولات النقدية التي تدر مالا وفيرا علي خزينة الدولة لو تم استغلالها بشكل صحيح. يقول المثل الشعبي: ” فلان صام وفطر علي بصلة!” حيث يُضرب به المثل للشخص الذي كان صائما اليوم كله في رمضان في الصيف الغائظ وحينما حان موعد الإفطار فطر علي بصلة أي فطر علي شيء لا يشبع. كذلك يستخدم عند معشر النساء ويقال المثل للفتاة التي انتظرت فارس الأحلام لياتي إليها علي صهوة جواد أبيض ويحملها إلي بيت الزوجية ولكن لسوء حظها جاءها رجل علي عكس ما تمنت وليس كل ما يتمناه الشخص يدركه! مما جعل الفتاة ترفض رفضا باتا وتقول لن أصوم وافطر على بصلة.
ربما يتبادر لذهن القاريء إني أكتب كلامي هذا هزلا ولكن ما أكتبه اليوم هو الحقيقة الساطعة عن حقيقية الحرب التي اشعلها فلول النظام السابق وصاروا في حيرة من أمرهم يبحثون عن مصادر لتمويلها لأن الحرب تلتهم موارد الدولة كما تلتهم النار الهشيم وتبتلعها كما تبتلع أسماك القرش الكبيرة الأسماك الصغيرة في المحيطات ذات المياه الزرقاء. جاء في اليوم 20/أبريل/2024 ما يلي : ” فرض (٢٥) جوال بصل على كل قرية بـ(المتمة) لدعم الجيش! هذا عنوان الخبر. دعونا نتأمل في متنه الذي يقول:”….. وناقش الاجتماع المنعقد بالوحدة الإدارية بالمتمة صباح الخميس دعم وإسناد القوات المسلحة من خلال تبرع مزارعي البصل وخلص إلى تحديد (٢٥) جوال بصل من كل قرية والتزمت الهيئة بتوفير  الخيش والترحيل ووزعت الخطابات على رؤساء اللجان الحاضرين وشرعت لجنة مكونة لجمع البصل في توصيل الخطابات للغائبين بينما أكدت قيادات الهيئة والوحدة الإدارية التزامها بالطواف مع لجنة جمع البصل على القرى اعتبارا من عصر يوم الإثنين الثاني والعشرين من أبريل الجاري.” تأمل عزيزي القارىء مسلك هؤلاء القوم الذين عاثوا فسادا في طول البلاد وعرضها وبنوا البنايات ذات الطوابق المتعددة و تزوجوا مثني وثلاث ورباع من زرق العيون وصاروا الآن يبحثون عن تمويل حربهم من عرق المزارعين البسطاء الذين افقرتهم سياسات الخصصة والتجويع. ليس هنالك ما يدعونا إلي الدهشة حول سلوك هؤلاء القوم الظالمين الذين لو كانوا جادين حتي في حربهم التي اشعلها أمير الجماعة علي كرتي لطالبوه ببيع الـ99 قطعة أرض التي صادرتها لجنة إزالة تمكين نظام الثلاثين من يونيو بقيادة الراكزين وجدي (صامولة) وود الفكي! ولكنهم غلاظ القلوب والأكباد ينتون تمويل حربهم المسماة زورا وبهتانا بحرب الكرامة من جيب مزراعي البصل. و أول مرة اسمع فيها بأن كرامة الشعب تكون في تشريده، وقتله، ونهبه، وهدم المنازل علي رؤوس ساكنيها.
ولأن الإسلاموين الذين يملأؤن الفضاء الاجتماعي بالكذب والادعاءات الفارغة مع حفنة من مرتزقة السلطة ومداحي المتوكل من أمثال حسن اسماعيل الشهير ب”حسن طرحة” أو حسن والطير مجبولون علي الكذب وفقه التقية فهم يرسلون أبناء الفقراء والمساكين الي حربهم التي لم يكن حصادها سوي الدم والدموع والنساء الثكلى. وددت لو أنهم كانوا في كامل الاتساق مع اطروحاتهم ومنطلقاتهم الفكرية التي تنتوي ربط قيم السماء بالأرض ولكنهم يصيبهم الوجل حينما يحتمي وطيس الحرب وكأنهم لم يقرأوا حديث البراء بن عازب الذي قال: “وكان إذا احمر البأس يتقى به) أي يريد القول بأنه حينما يحمر البأس وتشتد المعركة كنا نحتمي برسول الله صلي الله عليه وسلم. والبراء هذا علي عكس البراء صاحب كتيبة البراء في هذه الحربتاجر العدة أو الأواني المنزلية بسوق سعد قشرة الذي يدهن شعره باللوشن ويأتي ياخذ الصور بعد انجلاء غبار المعركة.
( Practice What you Preach.)
هكذا يقول الفرنجة بأن علي المرء أن يكون متسقا مع ما يقوله أو يتظني أنه هو الحق. قولوا لي بريكم كم تساوي الافطارات الرمضانية التي أقيمت في تركيا من المال الحرام؟ الم يكن من الاصوب أن تذهب تلك الأموال المنهوبة من الشعب إلي دعم حرب “الكرامة” عوضا عن سرقة عرق المزارعين البسطاء الذين يستيقظون مبكرين لري محصول البصل ليعينهم علي مصاعب الحياة التي جعلها الإسلام السياسي إلي قطعة من الجحيم حينما تركت الدولة مهامها الأساسية في الصرف علي التعليم والصحة وصارت الضرائب تثقل كاهل المواطنين ولم يتبقي لهم سوي وضع القط في “سروال” دافع الضرائب لاجباره علي دفع ما عليه من ضرائب كما كانت تفعل التركية السابقة. لماذا لا يدفع سادة الدولة الرسالية من الأموال التي نهبت من بلادنا و جلبوها إلي تركيا و اشتروا بها الفلل والعربات الفارهة ويردون تمويل حربهم من بصل أهلنا البسطاء في بالمتمة وغيرها من المدن والقري التي لم تصلها الحرب، واتمني من سويداء القلب أن لا تصلها.
صدق الشاعر أحمد شوقي، إذ يقول: وَالحَربُ يَبعَثُها القَوِيُّ تَجَبُّرًا وَيَنوءُ تَحتَ بَلائِها الضُعَفاءُ. هذه الحرب اللعينة المتضرر الأول والأخير منها هم الضعفاء من أبناء شعبنا وقد قام أمير الجماعة علي كرتي بإشعالها من أجل ارجاع ملكه العضوض والمحافظة علي الامتيازات الاقتصادية والسلطوية وكأنها مسألة سرمدية والآن يبحث عن طرق لتمويلها من ظهر الشعب السوداني الذي فقد الديار، والأحباء، والممتلكات وترك لهم الخرطوم تحت زخات الرصاص. لماذا لا تمول تلك الحرب من الموارد علي قلتها التي تذهب إلى فساد حكومة بورتسودان التي صارت معقلا للفلول و مرتزقة السلطة الذين يسمون أنفسهم حركات التحرير التي صارت لعبة في يد علي كرتي أو كالميت بين يدي غاسله. ستنتهي هذه الحرب لأن الحروب قديما تمول من البترول الذي تقع كل حقوله في الجنوب قبل الانفصال، ولامل دنقل شاعر الرفض الأول قصيدة تحمل عنوان: من الجنوب تأتي الضائقة! ستنتهي هذه الحرب لأن شعبنا قد ضاق ذرعا بها وقال منذ اللحظة الأولي لا للحرب حتي بح صوته. ستنتهي هذه الحرب ويعود الديسمبريين والديسمبريات إلي شوارعهم التي الفوها ورسموا خارطة الطريق الجديد بالدم والدموع ولم يبدلوا تبديلا لأنهم فتية آمنوا بقضية شعبهم تحت ظلال الحكم المدني والعدالة الاجتماعية التي غابت مع الخليفة العادل عمر بن الخطاب، ومتي أستعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا!  البصل الذي حتي لو بيع  بما حصل   لن يوفر الموارد الضخمة التي تبتلعها الحرب وتصيح هل من مزيد! هذه الحرب التي كانت هدفها النهائي القضاء على ثورة ديسمبر المجيدة سوف تنتهي قريبا لأن البصل والطمام ولو جئنا بكل بصل الكون الأخضر منه واليابس لن يجعلها تستعر. الحل الوحيد هو ان يتم إيقافها الآن قبل ان تقضي على الأخضر واليابس تماما. لا طريق إلي الإمام سوي ارجاع الحكم إلي الشعب وبناء جيش مهني واحد يحمي ولا يحكم وإعادة بناء السودان علي أسس العدالة والسلام ودولة القانون.
جاء في الأخبار أيضا أن حاكم ولاية كرري قد صرح قائلا تقرأ الخرطوم تم  افتتاح مقابر احمد شرفي! فكر الإخوان المسلمين من حسن البنا الساعاتي إلي سيد قطب مرورا بالترابي يظل منحازا الي كل ما يجلب الخراب والدمار وضد الحياة…. الم يقل القوم فلترق منهم دماء أو ترق منا الدماء أو ترق كل الدماء؟؟ الآن يحتفلون بفتح مقابر أحمد شرفي لندفن الاحباء والأبناء والاباء والأمهات. اوقفوا الحرب ومكان الطلقة عصفورة تحلق فوق نافورة. اوقفوا الحرب لتفتح المشافي والمدارس والجامعات دورها لأننا نحب الحياة ما  استطعنا إليها سبيلا علي قول محمود درويش الذي هو مع الحياة ولا يمجد ثقافة الموت مثل رهط الإسلاموين . موتوا لوحدكم أو موتوا بغيظكم. نريد أن نرجع للشوارع القها وعنفوانها… لنتصر للحياة لا للحرب المدمرة.
زبدة القول ، الشعب السوداني رزح تحت قشور حكم الإسلاموين وطبقات البصل المليئة بالفساد و الاستبداد وما الحرب التي اشعلوها الا الطبقة الأخيرة من (بصلة) كتاب الحكم القائم على نهب الموارد وتجييرها لصالح الجماعة. وفضاءنا الاجتماعي يعج بالامثال التي توضح العلاقة الملتبثة بيننا والبصل، ولكن اصدقها هو المثل الذي يقول بأن :” البصلة المعفنة ستفسد كل شوال البصل” وحقا فقد افسدت أفكار الإسلاموين التي أرادوا بها صياغة الشعب منظومة القيم السودانية ولكن كان شعبنا لهم بالمرصاد حين خرج إلي الشوارع بالملايين لكتابة نهاية دولة النهب والمبذرين، وحقا أن المبذرين أخوان…… وسيكتب شعبنا نهاية الفصل الأخير من دولة الحروب الاستبداد كما علمتنا شواهد التجربة الإنسانية.

 

[email protected]

المصدر: صحيفة الراكوبة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *