اخبار المغرب

لكريني يلامس استثمار الدول في الميادين الرياضية لتعزيز السياسات الخارجية

قال الدكتور إدريس لكريني، ضمن مقال له بعنوان “الميادين الرياضية بين الفرجة والتّرافع”، إن المناسبات الرياضية أضحت مقوما أساسيا ضمن عناصر القوة الناعمة التي تستثمرها الدول لتعزيز سياستها الخارجية.

وأضاف أن الميادين الرياضية شكلت منصات للترافع بشأن عدد من القضايا الدولية في أبعادها البيئية والإنسانية والاجتماعية، مشيرا إلى تحولها خلال العقود الأخيرة إلى فضاءات تعجّ بالشعارات والمطالب السياسية والاجتماعية والاقتصادية في أبعادها الوطنية والدولية.

واعتبر لكريني هذا التحول الذي شهدته الملاعب الرياضية يحيل في جزء كبير منه إلى وجود ارتباك واضح على مستوى القنوات الوسيطة والنخب السياسية التقليدية التي لم تطور من أدائها وخطاباتها وأدوات اشتغالها.

هذا نص المقال:

توفّر المناسبات الرياضية عائدات مالية ضخمة للدول، كما أن هذه الأخيرة أصبحت ترى في الرياضة مقوّما أساسيا ضمن عناصر القوة الناعمة التي كثيرا ما تستثمرها في إطار تعزيز سياساتها الخارجية على مستوى التسويق لفرص الاستثمار وجلب السياح، والتعريف بحضارة وثقافة البلد، وبخاصة مع تزايد الاهتمام الإعلامي الدولي والوطني بفعالياتها.

شكّلت الملاعب الرياضية منذ القدم ملاذا للفرجة، لأجل الهروب من الضغوط اليومية ومختلف المشاكل التي تواجه الأفراد، وكذا مناسبة لتطوير القدرات ولاستعراض المهارات في إطار من التنافس. وعلاوة عن كونها وسيلة للتفريغ والتسلية وإثبات الذات، فلا تخفى انعكاساتها على مستوى تربية الأفراد على قيم التسامح والحوار، والروح الرياضية، والإقرار بالأخطاء والسعي لتجاوزها.

تحوّلت الملاعب الرياضية خلال العقود الأخيرة إلى فضاءات تعجّ بالشعارات والمطالب السياسية والاجتماعية والاقتصادية في أبعادها الوطنية والدولية، ضمن استثمار ذكي للإشعاع المتزايد لعدد من الرياضات كما هو الشأن بالنسبة لكرة القدم، وتوظيف المتابعة الجماهيرية الواسعة التي تحظى بها في أوساط فئات مختلفة من المجتمع في سياق المرافعة بشأن عدد من القضايا المجتمعية التي لا تحظى باهتمام كاف من قبل عدد من القنوات الإعلامية.

فكثيرا ما مثلت الميادين الرياضية منصات للترافع بشأن عدد من القضايا الدولية في أبعادها البيئية والإنسانية والاجتماعية…، والتعريف بمعاناة عدد من الشعوب، في ارتباط ذلك بالإشكالات التي تطرحها قضايا الهجرة واللجوء، والفقر والتمييز العنصري…، بل وإرسال خطابات تنبذ العنف والحروب، وتدعم التواصل والحوار بين الشعوب.

أما على المستويات الداخلية، أصبحت الكثير من المناسبات الرياضية تشكل فرصا لإطلاق شعارات ومطالب متصلة بقضايا الحريات وحقوق الإنسان، وغلاء الأسعار وانتقاد أداء النخب الحاكمة… وقد زاد من فعالية ذلك، انتظام الجماهير المشجّعة في إطار مجموعات “الإلتراس”، التي طورت من أساليب تشجيعاتها لفرقها المفضلة، مستثمرة في ذلك الزخم الإعلامي الذي يرافق المنافسات الرياضية، والعدد الكبير لمنخرطيها الذي يضم مئات الآلاف أحيانا، وذلك برفع لافتات، وترديد شعارات وأغان، وعرض “تيفوهات” لا تخلو من حمولات سياسية واجتماعية، غالبا ما تلقى تفاعلا كبيرا داخل المجتمع.

إن هذا التحوّل الذي شهدته وظائف الملاعب الرياضية في عدد من الدول، بغض النظر عن إمكانياتها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، سواء كانت متقدمة أو متخلفة، يطرح الكثير من الأسئلة حول العوامل والأسباب التي جعلت الكثير من الأشخاص من مستويات عمرية وطبقات اجتماعية مختلفة يلجؤون إلى الملاعب لتصريف مطالبهم وقضاياهم المختلفة من خلال المنافسات الرياضية.

إن أول ملاحظة تبرز للعيان في هذا السياق، هي أن الإقبال على الملاعب والمنتديات الرياضية، يقابله عزوف كبير على الشأن السياسي وعلى المشاركة السياسية بشكل عام، ما يحيل إلى وجود اختلالات تطال القنوات الوسيطة من أحزاب سياسية ونقابات وهيئات سياسية، يبدو أنها لم تعد قادرة أو مؤهلة لمواكبة معاناة وتطلعات الجماهير التي وجدت متنفسا في الملاعب، مثلما وجدته أيضا في شبكات التواصل الاجتماعي التي تحولت من آليات للتواصل والتعارف إلى قنوات للضغط والتأثير على عدة مستويات، فيما بدأت الكثير من الدول تشهد تصاعدا للخطابات الشعبوية، وللنخب المتطرفة التي استغلت الفراغ الناجم عن غياب مشاريع اجتماعية وثقافية تقودها نخب وازنة على قدر من الكفاءة والمصداقية.

إن التحول الكبير الذي شهدته الملاعب الرياضية من حيث تحوّلها إلى منصات للاحتجاج، يحيل في جزء كبير منه إلى وجود ارتباك واضح على مستوى القنوات الوسيطة والنخب السياسية التقليدية التي لم تطور من أدائها وخطاباتها وأدوات اشتغالها، أخذا بعين الاعتبار التطورات التي شهدتها المجتمعات في عدد من المجالات والميادين، ومواكبتها للمتغيرات الدولية بصدد عدد من القضايا والأولويات.

إن استثمار الجماهير للملاعب الرياضية كإطار للتعبير عن أحلامها وآمالها، والتنفيس عن آلامها، هو بمثابة رسالة واضحة إلى مختلف القنوات الوسيطة من أحزاب سياسية ونقابات ومؤسسات إعلامية لتطوير أدائها وبانفتاحها على قضايا المجتمع وعلى تلك التي يفرضها المحيط الدولي، وذلك بالعودة إلى عمق المجتمع والالتزام بمهامها ووظائفها، ومسؤولياتها تجاه المجتمع، على مستوى التنوير والتأطير والتعبئة والتنشئة الاجتماعية.

كما أن الأمر يسائل الدول نفسها بتوفير هامش مريح للتحرك أمام هذه القنوات، ذلك أن الفراغ الذي تخلفه على مستوى عدم الاستئثار بمهامها هو خطر حقيقي يتربص بالمجتمع والدولة.

المصدر: هسبريس

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *