اخبار السودان

«عشان خاطرنا».. مُعَلَّقَةُ الرّجاءات الحنونةِ بين مصطفى سند ومحمد ميرغني

«عشان خاطرنا».. مُعَلَّقَةُ الرّجاءات الحنونةِ بين مصطفى سند ومحمد ميرغني

عبد الله برير

عبد الله برير

في قالب موسيقي ملؤه الرومانسية، مفعم بالشجن والتحدي والأمل الوارف، ينساب لحن الموسيقار حسن بابكر بسلاسة ليدخل حدائق القلب.

صوت محمد ميرغني الحنون ينسل بين أزاهير الميلودية مترفاً بالشجن مبتدراً بالاستجداء اللطيف للعينين (عشان خاطرنا خلي عيونك الحلوات تخاطرنا).

وها هنا تظهر عبقرية الشاعر المرهف مصطفى سند في الإتيان بجناس ولو كان غير تامّ في الدارجة (خاطرنا/ تخاطرنا). بعد الافتتاح بغزل العينين الحلوات، في خجل يسألها أن تتوقف قليلاً كأنها غيم راحل عندما تمر لتسأل عن مشاعرهم وتعرف ما يعتريهم من لواعج وصبابة.

يعود هذه المرة ولا ينفك متبتلاً في محراب عينيها مذكراً إياها بما غناه لهما من أغانٍ (زمان غنينا لعينيك أغاني تحنن القاسين)، في عتاب مغلف بعبارة ودودة (تحنن)، المفارقة في أن ما كتبه يجعل قلوب الجبال ترق وتحنّ غير أنه خجل من وصفها بالقسوة وجعل باب العتاب موارباً.

(بنينالك معزتنا ومشينا وراك سنين وسنين) هائماً لا زال في تعداد واستعراض لطقوس حبه في محرابها العنيد، شيّد لها المعزه وتاهَ في دربها بالسنين والسنين متماهياً في مفرداته اللطيفة.

(بنينالك) مجدداً قصوراً من الشوق فرشت دروبها بالياسمين في صورة بلاغيه زاهية ترسم صروح الشوق المرصوفة بالورود كقربان مقدم لجلالتها علّها تزورها (وقلنا عساك تزوريها) مستخدما لفظ “عساك” الموغل في الحنين والترقب والأمل، تَرُشِّي البهجة في ساحاتنا، وكغيث مؤثّث بالعطر يتمنى لو تضمخ هي بالبهجة سوحه القاحلة وتنيرها بعينيها البراقتين وتحيل ليلهما البهيم فجراً وارفاً باللقيا.

(حلاتك وانتي ماشة براك).. مثلما طفلة بريئة يناجيها الكبار، يستعير مصطفى سند اللفظ ليرسل إعجاباً مضمخاً بالغزل الطفولي (شايلة الدنيا بأسرارها وبالفيها) اختزل الدنيا كلها فيها في مشيتها وهي تحتوي الكون بأسره واسراره الجميلة حيث لا يرى في تلك اللحظة سواها إذ تمثل له العالم.

وكفراشةٍ يحوم حولها النسيم يطارد هو ضحكاتها (زمان بارينا ضحكاتك) ولم يجد سوى صداها قادماً معها إذ كل شيء فيه هي بكامل حضورها (لقينا صداها جايي معاك) ارتداد صوت ضحكاتها يتمثل حباً سوياً قادماً نحوه (وجايينا).

يواصل سند وميرغني استحلافها بلفظ مهذب غائر في الأدب (وحاتك) تاني لما تمري أبقى اقيفي، كل ما يريدانه هو توقف هذه السحابة الراحلة، تُحَييهم وتحْييهم، يكفيهم رؤية بسمتها تصابحهم وتلقي عليهم تحية المساء.

(عشان نتملى من عينيك) وفي تطريب عال يُهندس محمد ميرغني جملة (عشان نتملى) لتخرج مبعوثة بالأمل والحلم ليرتوي من عينيها.. (ونلقى الصباح مسحور يعاين في صباح خديك) أي لوحة تلك التي تجعل الصباح نفسه يُسحر ويعاين في صباح آخر.

(جهرتينا) انعكاسها شكلاً وروحاً جهر الدنيا نفسها فهي روعتهم ودنيتهم غير أنها غير مكترثة ساجية في دلالها (ما همّاك)، ويختتم لوحة الاستجداء بتكرار الأمنية والوصية اللحوحة (عشان خاطرنا خلي عيونك الحلوات تخاطرنا).

المصدر: صحيفة التغيير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *