اخبار المغرب

إعفاءات جبائية مزعومة في الأقاليم الجنوبية تشعل الخلافات بين المحاسبين

أشعلت “إعفاءات جبائية” مزعومة فتيل الخلاف بين محاسبين من مختلف الفئات، بسبب عروض ترويجية لباقات خدمات تتضمن إحداث مقاولات وتوطينها في الأقاليم الجنوبية وتدبير التزاماتها الجبائية، المشمولة بإعفاءات كثيرة، بما يخالف تفاصيل مذكرة المصلحة رقم 3294/17 الصادرة عن المديرية العامة للضرائب بتاريخ 28 يوليوز 2017، التي توضح المساطر الجبائية المطبقة على المقاولات المستقرة في الصحراء المغربية.

وتبادل محاسبون الاتهامات بشأن تضليل الملزمين وعدم تمكينهم من المعطيات الصحيحة لاتخاذ قرارهم، وفق ما يقتضيه واجب الاستشارة والنصح المفروض على المحاسب، معتبرين أن استغلال معلومات منافية للحقيقة من أجل الحصول على زبائن يطعن في شروط المنافسة الشريفة في القطاع، ويضر بوتيرة إحداث المقاولات وتدبير الالتزامات الجبائية والتحصيل لفائدة الخزينة العامة، على اعتبار أن أغلب المقاولات التي وطنت مقرها في الأقاليم الجنوبية بناء على العروض المذكورة، تفاجأت بعد فترة زمنية من خضوعها للالتزامات الجبائية ذاتها، التي تسري على أي مقاولة مستقرة بجهة أخرى في المملكة.

وهاجم مهنيون ما اعتبروها “عروضا مضللة” للمستثمرين، بالتأكيد على أن أساس فرض الضريبية يقوم على مبدأ التضامن الجبائي، وبالتالي يصعب تصور تمييز مقاولة أو فرع تابع لمجموعة أو شخص مادي عن ملزمين آخرين لمجرد توطين مقره في منطقة جغرافية معينة، مشيرين إلى وجوب التفرقة بين الأساس القانوني وإجراءات التسامح والإعفاء الظرفية، منبهين إلى أن مقتضيات المدونة العامة للضرائب تسري على جميع الملزمين بمختلف جهات المغرب.

“عروض مضللة”

تثير المقاولات العاملة في الأقاليم الجنوبية العديد من التساؤلات في مجال الضرائب. بينما يؤكد الخبراء أنه لا يوجد اختلاف في المعاملة الضريبية مقارنة مع باقي جهات المملكة، حيث يدعي بعض مقدمي خدمات التوطين، من محاسبين وشركات محاسبة، أن المقاولات التي تستقر في مناطق الصحراء المغربية تستفيد من إعفاء ضريبي، واستغلال هذا الادعاء في صياغة عروض تجارية تساهم في تضليل المستثمرين، بما يخالف مقتضيات القانون 31.08، القاضي بتحديد تدابير حماية المستهلك، الذي ينص على ضرورة تمكين المستهلكين، الأفراد والشركات، من المعلومات الصحيحة حول المنتوج أو الخدمة المراد اقتناؤها.

وبالنسبة إلى يونس عيناني، مدير مكتب محاسبة في الدار البيضاء، فإن المدونة العامة للضرائب واضحة بشأن الاعتماد على مبدأ التضامن الضريبي عند فرض الضريبة على الملزمين، ولا تتضمن أي مادة تشير إلى تمتع الشركات الموجودة مقراتها الاجتماعية في الأقاليم الجنوبية على أي إعفاءات جبائية، موضحا أن الشركات الموجودة في المناطق المذكورة، تعتبر في حالة عدم أداء التزاماتها الجبائية متملصة من الضريبة وليست “معفاة”، على اعتبار أن أي إعفاء جبائي يكون مؤطرا بنص تشريعي على غرار المدونة المذكورة، وقبل ذلك ضمن مشاريع قوانين المالية.

وحذر عيناني، في تصريح لهسبريس، من خطورة “العروض المضللة” من قبل بعض المحاسبين الراغبين في جلب المزيد من الزبائن وتحقيق أرباح تجارية، على مسار تعزيز الالتزام الجبائي، حيث تؤسس هذه العروض لثقافة “الإعفاء” والتسامح أكثر من الامتثال الضريبي، مشددا على أهمية الاستعانة بخبراء متخصصين عند التفكير في تأسيس مقاولة، والحصول على معلومات دقيقة بشأن الضرائب الواجبة على كل شكل قانوني من الشركات، وكذا على نوعية الأنشطة المزاولة، منبها إلى أن الالتزام بأداء الضريبة مفتاح لاستمرارية المقاولة في السوق، وتحصين لسمعتها التجارية في مواجهة المتعاملين معها.

تهرب ضريبي

في سياق “العروض المضللة” لتوطين المقاولات في الأقاليم الجنوبية للملكة من أجل الاستفادة من “إعفاءات جبائية” مزعومة، أكدت نادية فتاح العلوي، وزيرة الاقتصاد والمالية، في جواب سابق على سؤال كتابي لمستشارين برلمانيين عن الاتحاد الوطني للشغل، أن إدارة الضرائب تشدد الرقابة على الشركات التي تتخذ إحدى مدن المنطقة الجنوبية عنوانا لمقرها الاجتماعي بينما تمارس نشاطها التجاري أو الصناعي أو الخدماتي خارج الأقاليم الجنوبية، موضحة أن حصول هذه الفئة من الشركات التي تتهرب من أداء الضرائب على الشهادة الجبائية، التي تخول لها المشاركة في الصفقات العمومية، يخضع للتقنين.

وعلق مصطفى حجوج، محاسب مستشار في القوانين الضريبية، في تصريح لهسبريس، على ما ورد في رد الوزيرة بتأكيد الفرق بين الإعفاءات والتحفيزات في التعامل مع الشركات التي تختار الأقاليم الجنوبية موطنا لها، موضحا أن التحفيزات الضريبية المتعلقة بالضريبة على القيمة المضافة أصبحت تمنح في إطار القانون العام، بينما تفرض المديرية العامة للضرائب على كل شركة من المناطق المذكورة، عند تقدمها للمنافسة على صفقات عمومية، ضرورة الإدلاء بشهادات رقم المعاملات المصرح به، والمصادقة على الحصيلة، والوضعية الجبائية القانونية، حيث بات تسليم هذه الشهادات خاضعا لقاعدة طلب مقدم من طرف المعنيين بالأمر.

وشدد حجوج، في السياق ذاته، على أهمية رقمنة مساطر الحصول على الشهادات الجبائية الضرورية للمقاولات للمشاركة في الصفقات العمومية، خصوصا التي توطن مقراتها الاجتماعية في مناطق بالصحراء المغربية، من أجل تحصيل الشهادات التي تثبت صحة وضعيتها الضريبية، مؤكدا أنه بات من الضروري على المقاولات المعنية الإدلاء بإقراراتها، حيث لا يمكنها إتمام المساطر والحصول على الشهادات وغيرها من الوثائق إذا كانت وضعيتها الجبائية غير سليمة، مشيرا إلى أن المديرية العامة للضرائب تعتمد منذ سنوات مبدأ التسوية الودية في تعاملها مع هذه الفئة من المقاولات الراغبة في تسوية وضعيتها بشكل نهائي.

يشار إلى أن مصالح المراقبة التابعة للمديرية العامة للضرائب تباشر عمليات المراقبة الجبائية بمختلف مناطق وجهات المملكة دون استثناء، تنفيذا لمبدأ العدالة الجبائية، حيث تلجأ إلى التدقيق في الوثائق أو عبر التحقيق الميداني، الذي ينتهي في أغلب الأحيان إلى الاتفاق الودي بين الإدارة والملزمين، واستخلاص الواجبات الضريبية المترتبة عليهم.

المصدر: هسبريس

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *