اخبار السودان

مقاربة بين براح الديمقراطية النقابية وضيق المركزية الديمقراطية

صديق الزيلعي

صديق الزيلعي
قضية المركزية الديمقراطية والحوار حولها ونقد محدوديتها، لا تبارح نقاشي مع الزملاء والأصدقاء. الدفاع المستمر عن المفهوم هو تجسيد واضح وجلي، لعقلية تقديس النظرية وإلغاء الواقع الملموس ورفض ديالكتيك تجدده وتغيره المستمر. يتم ذلك في تجاهل تام لمقولة جوتة الحكيمة: النظرية رمادية والواقع في اخضرار دائم. النقاش المستمر حول الموضوع هو تعبير صارخ عن أحد مظاهر أزمة تنظيماتنا وفكرنا السياسي، والإصرار القاطع على اغلاق عقولنا عن تطور البشرية.
حفزي على كتابة هذا المقال المثقف الصديق والكاتب الراتب زين العابدين صالح عبد الرحمن. جاء في رسالة منه ما يلي:
” السلام عليكم.
سؤال مهم جدا لماذا الزملاء في العمل النقابي والمنظمات المدنية أكثر فاعلية ولديهم قدرة على إدارة الازمة وقبول الاخرين، ولكن من خلال الحزب تضعف هذه الميزات والقدرات تماما ويصبحون دوقمائيين أكثر الا تعتقد هذه مشكلة المركزية الديمقراطية التي تحد من مساحات الحوار داخل الحزب وتعطي مجموعة ضيقة السلطة في اتخاذ ما يراه وغير مناسب لأنه يعبر عن مصالحها. هذا الامر يضعف دور الحزب في انتاج ثقافة ديمقراطية ويتمسك بشعارات الهدف منها المناورة وليس انزالها للواقع. ”
هذا السؤال مر بي بصيغ مختلفة، ولكن جوهره هو معرفة حقيقة المركزية الديمقراطية.
السبب الجوهري بين مزاولة الزملاء لدورهم في النقابات والمجتمع المدني، وفي داخل الحزب من خلال المركزية الديمقراطية، هو الإطار المؤسسي المتباين لهاتين الممارستين. فقد تطور أسلوب إدارة النقابات ومنظمات المجتمع عبر العصور، وتجدد مع تراكم الخبرات. من الجانب الآخر فقد تم الإصرار على المحافظة على أسس المركزية الديمقراطية، يكل كل تفاصيلها، كما تمت صياغتها قبل أكثر من مئة عام.
الديمقراطية النقابية، التي وضع أسسها العامة الزوجان ويب، قبل أكثر من 150 عاما، في كتابهما المسمى الديمقراطية الصناعية، الذي يعتبره النقابيون الأوائل انجيل الحركة النقابية. ومنذ ذلك الحين تم تطوير الممارسة الديمقراطية داخل النقابات، تمشيا مع التغييرات العميقة التي تعرض لها مفهوم ووظيفة وصيغة العمل. كما ان الحركة النقابية العالمية لا تزال مفتوحة القلب والعقل لاي تغييرات تزيد من ديمقراطيتها وفعاليتها وجدواها. مما يعني ان تغييرات مستمرة، حدثت منذ تأسيس الحركة النقابية وتحدث باستمرار حتى اليوم. كما انها قابلة للتغيير حسب مستجدات الظروف مستقبلا.
اهم سمات الديمقراطية النقابية، باختصار شديد، هي:
• الجمعية العمومية هي السلطة العليا، وتمارس رقابة لصيقة، وتملك الحق في تغيير لجنة النقابة في أي وقت، بسحب الثقة عنها.
• للنقابات دورات ثابتة ومثبتة في الدساتير تنهي بمؤتمر نهاية الدورة، لا يحق للقيادة تغييرها، كما للعضوية الحق في طلب عقد مؤتمرات طارئة.
• في أحيان كثيرة يتم عقد اجتماع موسع في شكل مجالس إدارات كل اللجان المنضوية للنقابة لمناقشة قضايا محددة واصدار قرار بشأنها.
• يتم استفتاء كل العضوية حول القضايا الكبيرة والهامة كالإضرابات.
• نفس السمات موجودة في منظمات المجتمع المدني حيث رقابة العضوية واضحة ومقننة، ولا تملك أي سلطة الحق في منع حرية النقاش والحوار وتغيير أسس العمل متى ما تطلب الموقف ذلك وفي مرونة واضحة.
أهم سمات المركزية الديمقراطية، باختصار شديد، هي:
• تمت صياغتها من لينين في ظل حكم قيصري اوتوقراطي باطش لا يسمح بأقل هامش من الحرية.
• تملك القيادة المركزية سلطة مطلقة على كل ما يتعلق بالتنظيم.
• للأعضاء الحق في محاسبة القيادة، بل وتغييرها، ولكن ذلك لا يتم الا من خلال المؤتمر العام وتحديد موعد انعقاده في يد المركزية ويمكن الا ينعقد لعشرات السنين مثلما حدث.
• الحوار الداخلي له قيود ولا يفتح الا بقرار من المركزية والعضوية لا يمكنها المطالبة بعقد مؤتمر او سحب الثقة لأنها لا يسمح لها بالاتصال بالعضوية الأخرى خارج الفرع الذي تنتمي اليه.
• هناك تقاليد صارمة حول أسس مناهج العمل واسس الانضباط ورغم انها غير مكتوبة، ولكنها وعبر الأجيال صارت قواعد صارمة وملزمة، وتملك سلطة يمكن تشبيهها بالرقيب داخل كل فرد.
• هناك مسائل اخري من أراد التوسع فليراجع كتابي حول هل يمكن تجديد الحزب الشيوعي السوداني، به فصل كامل في نقد المركزية الديمقراطية.
كخاتمة:
يمكن لنفس الشخص ان يمارس العمل النقابي او في منظمات المجتمع المدني في مرونة تامة وتقدير لآراء الفئات الأخرى في ذلك نفس المؤسسة ويعمل معها في انسجام تام. بينما نجد نفس الشخص او الأشخاص عندما ينتمون او يعملون في مؤسسة تدار على أسس مبنية على المركزية الديمقراطية ان تتحول ممارساتهم للتقيد الصارخ بالنصوص والطاعة العمياء لها وللقيادة. كما يصبح تعاملهم مع الاخرين في شكل الصراع ولا يقبلون الآخر المختلف في الرأي بسهولة.
أتمنى في هذه العجالة ان أكون قد قدمت إجابة مختصرة للصديق زين العابدين وللعديد من القراء الذين يسألون عن المركزية الديمقراطية.
[email protected]

المصدر: صحيفة التغيير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *