اخبار السودان

كيف تحوّل الجيش السوداني لمليشيا؟

إسماعيل عبدالله

 

     مع تنامي الضخ  الإعلامي الكثيف من منصات فلول النظام البائد، وتركيز آلتهم الإعلامية على استغلال رمزية الجيش لاستنفار الناس ، نسي الكثيرون من الطيبين من أبناء شعبنا الكريم ، الأسباب الجوهرية لسوء الحال الذي آل إليه جيش البلاد ، والذي جعل منه مليشيا فاقدة لكل النظم واللوائح والمعايير المؤهلة لأن يكون جيشاً منضبطاً ، وكذلك تجاهل الغالب الأعم من الشعب وخاصة الأجيال المعاصرة ، للدور الخطير الذي لعبه نظام الجبهة الإسلامية (الاخوان المسلمين) حزب المؤتمر الوطني ، في تحويل الجيش لمليشيا تأتمر بأوامر مدنيين يتبعون للحزب ، وما يعضد مذهبنا هذا اعتراف جهابذة التنظيم بأنهم هم الذين رتبوا ونفذوا انقلابهم الشهير ، الذي جاء بالدكتاتور البشير حاكماً أوحداً للبلاد لثلاثة عقود ، حتى أن كبيرهم وفي إحدى المقابلات التلفزيونية ، أقر بأن شعبتهم الأمنية في الحزب هي التي خطفت العميد قائد الانقلاب من قرية نائية بكردفان ، وجاءت به لأحد أوكارهم بالخرطوم لبث البيان ، كانت الحسرة تغطي وجوه أعمامنا الذين خدموا بالمؤسسة العسكرية سنين طويلة ، عندما بدأ عصر التمكين الاخواني بنحر مؤسسة الجيش ورهن قرارها لحفنة صغير من (الملكية) المدنيين ، وكما هو محفوظ لدى العسكر الصغار منهم والكبار ، أن الضبط والربط هما روح الجندية ، والتسلسل الهرمي للرتب هو العظم الفقري لهيبة المؤسسة ، قبل أن يأتي هؤلاء الذين أبدع في وصفهم الأديب الطيب صالح ، ليعصفوا بكل ممسكات الانضباط والرباط ، ليحل محلها الفوضى وتجاوز النسق الإداري التقليدي، وليسبحوا عكس تيار الأسبقية (الأقدمية) لتزول هيبة الضابط العظيم الذي يوبّخه الضابط الصغير (صلف وغرور الرائد إبراهيم شمس الدين ، وصولاته وجولاته القاصمة لظهور كبار الجنرالات خير شاهد على ذلك)

  المضحك أن نفس الذين فككوا الجيش ومكنوا لكتائبهم الإرهابية ، يتباكون اليوم على ضياع المؤسسة التي نحروها في وضح النهار ، وينشدون الأناشيد لاستثارة الحماسة في نفوس السودانيين ، لكي ينهضوا لينضووا تحت لواء المليشيا التي ألبسوها لباس الجيش، إمعاناً منهم في الاستخفاف بعقل الانسان البسيط ، وبوادر الانشقاق بين جنرالات الجيش الطافحة على المشهد اليوم ، ما هي إلّا امتداد للامتعاض الذي كان يبديه الشرفاء من تحوّل الجيش لمليشيا ، ورغبة من بعض الجنرالات الذين يدينون بالولاء للمؤسسة ويعتقدون في الجيش بنكهته القديمة ، في أن يقفوا موقفاً مغايراً للقادة المدجّنين الموالين للتنظيم الاخواني ، الذين غسلت أدمغتهم وصاروا يسبحون بحمد الكهنوت ، الذي أحرق خيرة شباب الوطن في الحروب العبثية ، بالجنوب ودارفور وجبال النوبة ، وأخيراً العدوان على المؤسسة الشقيقة الوليدة ، وقد بدا واضحاً أن الحصاد المُر الذي حصده فلول النظام البائد ، من تكسيرهم للجيش في سنوات مضت ، تمثل في بكائهم وندمهم على ما اقترفت أيديهم الآثمة بحق مؤسسات الدولة جميعها فالتدمير قد طال أيضاً المؤسسات المدنية ، فالظواهر السالبة التي أصبحت سلوكاً جهيراً لمليشيات الجيش بالمدن أثناء الحرب ، رفع حواجب دهشة الجيل القديم الذي كان يعلم مدى مثالية الضبط والربط للجندي السوداني ، لم يستوعب هذا الجيل العتيق ظاهرة نهب ممتلكات المواطنين بأيدي عسكرية ترتدي (شرف الدولة) ، وتفتح أسواق الحرب التي يباع فيها متاع المواطن تحت حماية بندقية الجيش المليشي ، أسواق أطلق عليها اسم قائد الجيش ، ذلك النحس الذي حل بالبلاد منذ أن قدمه أحد الساسة كحامي حمى ثورة الشباب في يوم مشهود ، فانقلب لبوم شؤم كلما نعق حلقت طائرات الموت فوق سحب المدن السودانية الهانئة المطمئنة.

بعد أن خرج الجيش من الحياة العامة كمؤسسة ، وجب على القائمين على مشروع الدولة الجديدة ، أن يؤسسوا جيشاً وطنياً لا يفاخر قادته بخوضهم لحروب سيناء واليمن والقرم والمكسيك وليبيا ، بل يفاخرون بتحريرهم لحلايب وشلاتين والفشقة وأبي رماد ، ويستميتون في الدفاع عن دستور البلاد وحماية الوطن والحفاظ على أمنه واستقراره وصون كرامة مواطنيه ، وبنفس قدر كره الناس للحرب يكون الأمل في التأسيس والتصحيح الذي لا يمكن أن يكون إلّا بفناء القديم ، وها نحن اليوم نرى زوال المؤسسة المنحورة التي فعل بها الاخوانيون الأفاعيل ، فاخترقوها ونفذوا إلى مفاصلها الصميمة وانتهكوا نسقها الإداري ونمطها العسكري ، فأورثوها دار البوار ، وها هم ذات أنفسهم يذرفون الدمع على ما كسبت أيديهم ، فهم وحدهم من عمل بجد واجتهاد لأن لا تقوم للجيش قائمة، فأعدموا من أعدموا من خيرة الضباط وضباط الصف والجنود ، ووضعوا على رأس كل شعبة عسكرية وأمنية صاحب لحية زائفة ، لا يعلم من فنون الحرب غير السطو على موارد الدولة والتجارة الفاسدة ، فمن منكم لم يشتم روائح الفساد المنتنة لوزير الدفاع الأسبق وصفقات المدرعات الأوكرانية المعطوبة، هذا فضلاً عن بيع الجنود كمرتزقة ، كل هذه التجاوزات التي ترقى لمستوى جرائم الخيانة العظمى ، أرسى دعائمها هؤلاء الذين يحاضروننا اليوم عن جيشنا الوطني ، الذي يجب علينا أن نسنده لكي يدحر (المليشيا المتمردة الأجنبية)، لقد أرهق الاخوانيون خزينة الدولة ، وأضاعوا مواردها الاقتصادية في صناعة الموت الداخلي بين المكونات الاجتماعية ، وصرفوا مدخرات البلاد في زعزعة أمن واستقرار دول الجوار جميعها مصر وليبيا وتشاد وافريقيا الوسطى وجنوب السودان واثيوبيا وارتريا ، ولك أن تتخيل عزيزي المواطن السوداني حجم الجرم العظيم والخطيئة الكبرى التي ارتكبها هؤلاء.

 

[email protected]

المصدر: صحيفة الراكوبة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *