اخبار

هذا ما يحدث لنا..غسان زقطان

يبدو الإصغاء في الحالة الفلسطينية مهمة صعبة، بينما الأصوات تتجول في الردهات وساحات الاحتفالات، والأحداث تتدحرج في كل اتجاه مثل أوانٍ تصطدم بالجدران دون توقف، ومن كل الزوايا يمكن للمتلقي الحصول على الأصوات بطبقاتها المتنوعة ودرجات حدتها، من دون جهد يمكنه العثور على الضجة التي تحدثها الفوضى حيث تتقدم النهايات إلى مصائرها دون أمجاد، وتصعد البدايات السلالم الجانبية والأدراج المهجورة وتظهر من وراء النوافذ متعجلة ونافدة الصبر، في المنتصف، سيلتقي كل شيء، الأطراف التي تتجه نحو المركز، والمركز الذي يواصل انعزاله عن الأطراف، وتتداخل النهايات المستنفدة المتشبثة بالبقاء والبدايات الصاعدة التي لم تكتمل هيئاتها.
ثمة ما يطُوى هنا وثمة ما يُنشر.
جيل يطوي تاريخه تحت ذراعه مدفوعا بفوات الوقت بينما يحاول باليد الأخرى فتح باب لم يعد موجودا، وجيل يلوح بيدين حرتين فيما يشبه مطالبة متأخرة بحقوق جرى التصرف بها.
حين يتحول كل صوت إلى حدث، وحين يتعثر خلف كل تصريح أرشيف طويل من الوقائع، وتختفي الخطوط بين الاجتهاد والارتجال.
أن تكون مصغيا لكل هذه اليقينيات التي لا تقبل النقض وهي تندفع حولك دفعة واحدة، هي بالفعل مهمة صعبة.
يتجادل الفلسطينيون حول كل شيء تقريبا، يتجادلون في المقهى وفي الجنازة وفي التظاهرة وسوق الخضار وفي الإعلام.
يفتقر الفلسطينيون إلى مكان للنقاش، مكان لتبادل الإصغاء، مكان يمكن وضع كل هذه اليقينيات المتطايرة في جدول، لقد بدد الانقسام كل شيء، هذه هي ضربته الكبرى، خسارة الإصغاء.
ليس ثمة جهة تمثيلية متفق حولها لتطرح الأفكار في فضائها، وليس ثمة انتخابات في الأفق يمكن الركون إلى نتائج صناديقها، المجلس التشريعي يتعثر خارج شرعيته منذ زمن طويل، الشرعية التي تحولت إلى ذكرى مشوشة لم يحسن استثمارها، ومؤسسة الرئاسة انتهت  مدتها التي وفرتها انتخابات 2006 ولكنها تواصل تغذيتها بصلاحيات جديدة، والمجلس الوطني تحول إلى آلة طابعة لتصريحات الشجب والمناشدة والتهنئة وبرقيات التعازي.
لذلك يتجادل الفلسطينيون في الشارع، يواصلون الانقسام والجدل وصناعة الخلاف، يضعون يقينياتهم وأحكامهم مثل متاريس ويقفون خلفها.
هذا يحصل عندما يفقد الشعب علامات الطريق إلى قاعة التشريع التي تمثله، حيث يحتكم الجميع إلى الأغلبية دون إقصاء الأقلية وتجاهلها.
حين تفقد النخب بأنواعها فضيلة الإصغاء.
هذا ما يحدث لنا
هذا ما سيواصل الحدوث.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *