اخر الاخبار

قصة ضياع 3000 مليار !

كشفت الغرفة الثالثة للقطب الجزائي الاقتصادي والمالي لمحكمة سيدي محمد، الثلاثاء، تورط الشركة الإيطالية “ريساني” والتركية “مابا” وكذا إطارات الوكالة الوطنية للطرق السيارة في جرائم فساد تتعلق بإبرام صفقة مشروع “جن جن العلمة” بطرق غير شرعية، مع التلاعب بسعر صرف العملة ووضع ملاحق إضافية تسبّب للخزينة العمومية في خسائر تفوق 3 آلاف مليار سنتيم.

واصلت الغرفة الثالثة للقطب الجزائي الاقتصادي والمالي لمحكمة سيدي امحمد، سماع المتهمين في قضية تبييض الأموال عن طريق إخفاء ممتلكات وعائدات متحصل عليها من جرائم الفساد، واستغلال امتيازات تمنحها الوظيفة لمنح أو للحصول على امتيازات غير مبررة.

وبدأ القاضي جلسة الاستماع لأطراف الملف باستجواب المتهم خليفاوي على، المدير العام للوكالة الوطنية للطرق السيارة (31 أوت 20142019 )، الذي أنكر جميع التهم الموجهة إليه.

ويتابع المتهم بالإخلال ببنود الصفقة القاعدية لمشروع جن جن العلمة، من خلال إقدامه على إضافة 8 ملاحق انجرّت عنها أعباء مالية إضافية تسبّبت في خسائر للخزينة العمومية، ويتعلق أحد الملاحق برفع سعر الصرف إلى 1 أورو 122.52 دج، رغم أن سعر الصرف المتّفق عليه في الصفقة القاعدية هو 1 أورو = 102,30 دج.

وفي تفسيره لأفعاله، قال المتهم إن الملحق هو وسيلة تسمح بإضافة أو إنقاص تفاصيل حسب التطورات، مؤكدا أنه قام بإضافة الملاحق بشكل قانوني وفق ضروريات المرحلة التي زامنت المشروع.

وفي واقعة مرتبطة بالملاحق، يتابع المدير العام للوكالة “خالدي.ع” بمراسلة وزير الأشغال العمومية، عبد القادر والي، عام 2016 وطرحه مشكل كيفية التسديد بالعملة الصعبة والدينار للشريك الجزائري، بعد رفض الصندوق الوطني للاستثمار ذلك، رغم أن الشريك الجزائري يتحصل على مستحقاته بالدينار وليس بالعملة الصعبة وفق العقد القاعدي.

 في رده على الواقعة قال المتهم انه لم يقم سوى “بنقل الانشغال الذي ورته عن المدير الذي سبقه الى وزير الاشغال العمومية عبد القاد والي هذا الاخير الذي ابلغ بدوره عبر المراسلة  رقم 51 المؤخة في 11 فيفري 2016  الوزير الاول عبد المالك سلال بحالة المشروع و مشكل دفع اتعاب الشركاء الجزائرين سابتا و مجمع حداد، كما اتبع وزير الاشغال العمومية الرسالة بزيارة ميدانية لتفقد المشروع في فيفري 2016 اين اعطى امرا باستئناف الاشغال الى حين ايجاد حل لكيفية دفع الاتعاب”.

و تابع المتهم :  “بموجب المراسلة رقم 96 المؤخة في 13 مارس 2016 وافق الوزير الاول على مراسلة وزير الاشغال العمومية، وطلب من وزارة المالية بموجب مراسلة في 16 فيفري رائيا قانونيا في المشكلة”.

وأضاف “بعد أن أبلغ الوزير الأول عبر المراسلة 620 المؤرخة في 12 مارس 2016 وزير الأشغال العمومية بمضمون الرأي القانوني لوزارة المالية، راسل الأخير الوكالة الوطنية للطرق السيارة وقدّم ترخيصا باتخاذ الإجراء المطابق للراي القانوني لوزارة المالية الذي أكد على الدفع للشركات الأجنبية بالدينار و العملة الصعبة، أما الشريكين الجزائريين فتدفع اتعابهم بالدينار فقط، مع أخذ بعين الإعتبار سعر الصرف وقت إعداد الفاتورة”. وهو ما اعتبره وكيل الجمهورية أمرا يتناقض مع السعر العام للصفقة، بحكم أنه لا يمكن معرفة قيمة الصرف لاحقا، وبالتالي لا يمكن التكهن بحجم الأعباء التي قد تضاف لقيمة المشروع.

وبخصوص الشركة التركية “مابا” وكيف دخلت في المشروع، قال المتهم “جاءتنا مراسلة رسمية ممضية من رئيس المجمع الجزائري الإيطالي رقم 726 و ذلك في 7 ديسمبر 2014 ، حيث طلب فيها المجمع إضافة شركة مناولة…. حوّلت الرسالة الى القسم التقني في الوكالة الوطنية كونه المخوّل بدراسة الطلب و تقييم الإمكانيات، وبعد الدراسة قدّموا الموافقة على المناولة لشركة “مابا” التركية”.

وسأل وكيل الجمهورية المتهم، هل العقد الاصلي يتعلق بصفقة مغلقة لا تتقبل التعديل في أطرافها ومصاريفها، أم ان البنوذ لم توضح ذلك ؟ وتابع : “الصفقة مرّت على الصندوق الوطني للاستثمار باعتباره الجهة الممولة للاستثمار، ماذا يعني ذلك؟” ليرد المتهم إنه لا يملك تفسيرا.

ولم يتم التصريح بالشركة التركية في الصفقة الأولى، حيث تم إدراجها في الملحق الثاني عام 2015، وبالتالي فهي تتابع في الملف انطلاقا من اتهام علي حداد باللجوء عبر مجمعه إلى أسلوب احتيالي يسمح له بعدم إنجاز الأشغال الموكلة له، من خلال تعاقده مع شركة المناولة التركية التي لا تتوفر على الإمكانيات المادية والبشرية، في خطوة تشكّل خرقا لقانون الصفقات العمومية لا سيما المادة 109.

 

 

.. شرعنة تحويل العملة الصعبة إلى الخارج

 

ويفهم من مجريات الجلسات، أن الخطوة تستهدف إضفاء طابع الشرعية على تحويلاته بالعملة الصعبة إلى الخارج، حيث تم التنازل حتى عن حصة الأشغال الرئيسية، كالأنفاق والجسور لفائدة الشركة المناولة التي تمنع الصفقة مناولتها، مما يشكّل قرينة ضد “مابا” على استفادتها من امتيازات غير مبررة من الوكالة الوطنية للطرق السريعة خلال إبرام عقد المناولة.

وسبق لعلي حداد أن تعامل مع الشركة التركية في مشاريع سابقة، منها إنشاء ملعب تيزي وزو بعد مغادرة الشركة الإسبانية وكذا طريق السكة الحديدية في العقيد عباس بتلمسان بعد مغادرة الشركة الإسبانية، وكذا إنشاء نفق في سد بني هارون، وهو ما يشكّل قرينة ضد المتهم على استعماله لنفس الطريقة لتحويل العملة الصعبة.

 

شبهات في الحصول على الصفقة

 

وقبل ذلك، تم اختيار مجمع الشركات الإيطالي الجزائري عام 2014 وإبرام عقد معه من طرف الوكالة الوطنية للطرق السيارة عبر صيغة التراضي البسيط، دون تأكد هذه الأخيرة من القدرات التقنية والمالية رغم تحرير تقرير من طرف رئيس القسم التقني بالوكالة وقتها المتهم خالدي محمد (أصبح المدير لاحقا بين 20142019) والذي أبلغ مديرها المتهم محمد زياني بالضعف المادي لشركة “ريساني” الإيطالية من حيث التجربة الفنية وكذا الوسائل والعتاد اللازم لإنجاز هذا المشروع، الأمر الذي أقصى شركات وطنية وأجنبية مؤهلة للمشاركة في المناقصة والتي بإمكانها إنجاز المشروع بأقل تكلفة وفي الآجال المحددة.

وتشكّل هذه الوقائع قرينة ضد كل من المتهمين حداد علي والشريك الإيطالي بخصوص استفادتهما من امتيازات غير مبررة من خلال إبرام العقد معهم دون توفّر الإمكانيات المطلوبة لإنجازه.

كما تشكّل قرينة ضد المدير العام للوكالة الوطنية للطرق السريعة ”زياني .محمد ” (بين 2008 إلى غاية أوت 2014) “في اختيار المجمع الإيطالي الجزائري ومنح امتيازات غير مبررة والقيام بخروقات أدت إلى الرفع من قيمة المشروع من 16.3 ألف مليار سنتيم إلى أكثر من 17.6 ألف مليار سنتيم ومدة الإنجاز من 36 شهرا إلى 72 شهرا، وذلك من خلال إبرام عدة ملاحق رغم أن نسبة تقدّم الأشغال لم تتجاوز 42 بالمائة وقتها.

وفي رده على أسئلة القاضي، أكد المتهم زياني محمد، وجود مراسلة تضم مؤهلات المرشح للصفقة والإنجازات السابقة للمجمع الإيطالي الجزائري من قبل مدير القسم التقني، والتي أشارت الى أن الشركة الايطالية ليس لديها تجربة في مجال تشييد الأنفاق. وتابع ”اتصلت بالوصاية وأبلغت الأمين العام لوزارة الاشغال العمومية بلطرش بالتقرير، لكنه قال لي حرفيا “أنتم ما تعرفوا والو”، كما أنه تواصل مع رئيس القسم التقني وقتها، المتهم خالدي واستدعاه للومه و توبيخه على التقرير السلبي حول المجمّع الإيطالي الجزائري”. وأضاف: “بعد أيام من الواقعة جاءتني مراسلة من المجمع الجزائري الإيطالي، تبيّن قدراته وبالتديد قدرات الشريك الإيطالي في مجال الإنجاز وخاصة إنجاز الأنفاق”.

 

ضغوطات لتمرير المشروع

 

في رد على سؤال القاضي حول كيفية حصول المجمع على الصفقة، قال المتهم: “سنة 2012 راسل المجمع الجزائري الإيطالي الوزارة للحصول على مشروع جنجن العلمة، وبعدها استدعاني الأمين العام لوزارة الأشغال العمومية وسلّمني رقم شخص إيطالي اسمه كونزالي، وطلب مني أن أتصل به بخصوص مشروع جيجل”. وتابع: “لما وصلت مكتبي يومها وجدت نفس الشخص الإيطالي ينتظرني، وقال لي إننا سنأخذ هذا المشروع بشكل مؤكد”.

وأضاف: “في 23 جانفي 2013 استدعاني الأمين العام للوزارة لمكتبه، حيث وجدت هناك نفس الشخص كونزالي، وبدأ الأمين العام الحديث مباشرة عن المشروع وأعطاني أمرا شفويا ببدء مناقشة المشروع وتحضير الوثائق اللازمة له مع الشريك الإيطالي”. واستدرك: “ونحن على أبواب إنهاء العقد، حرّف المجمّع بعض الأمور داخله، فأجريت مراسلة للمجمع للتراجع عن انتهاكاتهم في العقد، كما أرسلت تقريرا للأمين العام للوزارة ونبّهته للخروقات التي تحدث، لكن لم أجد أي تجاوب معه”.

 

تضارب في التصريحات

 

وكذّب المتحدت تصريحات المسؤول الذي تلاه على رأس المؤسسة الوطنية للطرق السيارة، مؤكدا أن تاريخ الصفقة هو البند الذي نصت عليه الصفقة لتحديد سعر الصرف وليس تاريخ الفاتورة. وتابع “عندما وجدت أن مشروع توطين الشريك الأجنبي يقول إنه يجب الدفع للشريك الجزائري أيضا بالعملة الصعبة، رفضت أن أمضي الملحق نظرا للأضرار التي سيلحقها بالخزينة العمومية، وكان ذلك القرار سبب إقالتي من منصبي”.

 

حتى الدراسة مشبوهة

 

كما يتابع “ز.م” بإبرام صفقة بالتراضي البسيط مع المجمع الفرنسي الجزائري ”اجيس انترناسيونال سايتي لبت” لدراسة ومتابعة ومراقبة المشروع، تقدّر قيمتها بـ188 مليار سنتيم و8.7 ملايين أورو، وهو ما يشكّل قرينة منح امتيازات غير مبررة، من خلال إبرام العقد بالتراضي البسيط.

وتنصّل المتهم من المسؤولية في تعليقه على الواقعة، قائلا: “يمنع علينا في المؤسسة الوطنية للطرق السيارة إبرام العقود مباشرة، فالوزارة الوصية هي التي تقرّر إبرام الصفقات وتحديد أطرافها وقيمتها”.

وفي رد على سؤال وكيل الجمهورية، كذّب المتهم تصريحات المدير الذي جاء بعده على رأس الوكالة، وقال إنه لم يقم بإبرام أي ملاحق إضافية أو إمضاء أي وثيقة تسبّب خسائر للخزينة العمومية. ودافع عن نفسه قائلا: “قانون الصفقات منح حق فسخ العقد إذا كان غير مشروع وهو ما لم يقم به المتهم خالدي”.

 

إطارات سامية متورطة

 

وفي وقائع مشتركة، يتابع كل من “خ.م”، رئيس القسم التقني للوكالة الوطنية للطرق السريعة وقت الوقائع، “ا.س” مدير التنمية والتخطيط بالوكالة و”ب.أ” مدیر أشغال الطرق السريعة في الهيئة ذاتها، لموافقتهم على إضافة 8 ملاحق الذي سبق ذكرها سابقا.

ومن بين المتابعين أيضا، رئيس اللجنة القطاعية للصفقات بوزارة الأشغال العمومية، بتاريخ الوقائع “ب.ع” وذلك لتأشيره على مقترح الوكالة الوطنية للطرق، المتمثل في زيادة في تمديد الآجال لمدة 24 شهرا، لتصبح مدة الإنجاز 60 شهرا بالرغم من عدم انطلاق المشروع والتأشير على الملحق الذي تم بموجبه رفع سعر الصرف.

وبالإضافة إلى ذلك، قام ذات المسؤول السابق بالتأشير على الملحق رقم 8 ومنحه الموافقة، بزيادة 12 شهرا للآجال وكذا زيادة في كميات الأشغال، حيث طرأت زيادة أخرى في أعباء المشروع تجاوزت 500 مليار سنتيم و10 ملايين أورو وكذا التأشير على الملاحق الأربعة الخاصة بمكتب الدراسات والمراقبة الفرنسي الجزائري، التي ترتّب عنها زيادة مالية مقدرة بـ400 مليار سنتيم 14 مليون أورو، مما يشكّل قرينة إساءة استغلال الوظيفة بغرض منح امتيازات غير مبررة وتبديد أموال عمومية واستعمالها على نحو غير شرعي.

وفي سياق متصل، يتابع كل من المتهم “ح.أ”، مدير عام الصندوق الوطني للاستثمار والمتهم “ش.م” مدير التجهيز بالصندوق والمتهم “بن. ش” رئيس قسم التجهيز بتاريخ الوقائع، بالإخلال ببنود الصفقة القاعدية رقم 02/2014 من خلال تأشيرهم وموافقتهم على إضافة 8 ملاحق، مما يشكّل قرينة قضائية ضدهم على إساءة استغلالهم لوظيفتهم بغرض منح امتيازات غير مبررة لفائدة المتهم علي حداد.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *