اخبار

الحرب الأبدية والحل الممكن..مهند عبد الحميد

شعار «معاً سننتصر» مرفوع في كل ركن من أركان البلاد،  يقول الكاتب الإسرائيلي عوفر ادريت في «هآرتس»، ويرى في الشعار محاولة لتوليد دعم غير مشروط يمنع الحديث عن أهداف الحرب «الذي يقبل بها النظام الدولي والإقليمي. المقال يناقش أفكار المؤرخ الإسرائيلي موشيه زمرمان الذي حاول الاستدلال من الماضي الأوروبي على الحاضر الإسرائيلي، ليحدد أين تتجه إسرائيل، محاولاً  تحفيز الفكر بحثاً عن خيار غير كارثي، كالذي يعبر عنه شعار «معاً سننتصر».
بعد «الانتصار» المجمع عليه، ما هي المشاريع الإسرائيلية المتداولة أو قيد الإعداد من قبل حكومة نتنياهو وأركان الحرب. أمامنا مشروع تطرحه جماعات بن غفير وسموتريتش الفاشية وامتداداتها في معسكر اليمين الديني القومي، ويتلخص بإعادة احتلال قطاع غزة والسيطرة العسكرية عليه وإعادة الاستيطان، وتهجير أكبر عدد من المواطنين الغزيين، واستمرار استباحة الضفة الغربية بالقتل والاعتقال، وبناء البؤر الاستيطانية الجديدة وتوسيع المستوطنات القائمة. مشروع آخر أعده وزير الحرب غالانت يستهله بشرط مواصلة الحرب حتى تحقيق أهدافها» وهي: تجريد حماس من قدراتها العسكرية والحكومية وإعادة الرهائن. بعد ذلك تتولى المسؤولية عن الحياة المدنية جهات فلسطينية غير معادية لإسرائيل تحت إشراف قوة دولية ودول عربية معتدلة. العناصر الفلسطينية التي سيسمح لها بالعمل مع الجهات الدولية ستخضع لموافقة «الشاباك» وأجهزة الأمن الإسرائيلية. وتتولى إسرائيل عزل المناطق الحدودية بالوسائل التكنولوجية والمادية في ظل سيطرة أمنية إسرائيلية، أما الحدود مع مصر فتخضع لسيطرة مشتركة إسرائيلية مصرية، وستكون إسرائيل ضالعة مباشرة بالتفتيش الأمني لكافة البضائع. قوبل هذا المشروع برفض نتنياهو وسموتريتش والوزيرة اوريت ستروك وأقطاب اليمين القومي. وأجهزة أمن تدرس مشروعاً آخر يقضي بتكليف رجال أعمال أقوياء وعشائر لديها مكانة في قطاع غزة، يضطلعون بمهمة توزيع المساعدات غذاءً ودواءً وفرض النظام على مناطق مختلفة.
 سلوك الحكومة الإسرائيلية يشير إلى أنها ترفض مجرد مناقشة مستقبل يتجاوز السيطرة الأمنية، وقد رفضت المشروع المصري والأفكار الأميركية وتحاول تقديم مشاريع اعتراضية. المشاريع المتداولة تؤكد على استمرار حرب مفتوحة مهما بلغت مستويات قتل وتدمير وتهجير المجتمع الفلسطيني. حرب لا تتوقف إلا بعد تحقيق الأهداف، وهي سيطرة أمنية عسكرية على قطاع غزة بمستوى احتلال مباشر، وكبح وجود كيان سياسي فلسطيني من أي نوع، سواء كان بمشاركة حماس أو بدونها. بل والنكوص بالشعب الفلسطيني الى أقل من كيان سياسي من خلال العودة الى مستويات ما قبل كيان مدني، كالعشائر والعائلات والمخاتير. المشاريع الإسرائيلية المتداولة والتي يجري إعدادها تعيد الشعب الفلسطيني 56 عاماً الى الوراء، الى نكبة 48 وأهوالها. ولا يغير من واقع المشاريع والخطط الإسرائيلية لتحويل قطاع غزة  للوراء، ما تقدمه إدارة بايدن من أفكار ومواقف. مثل، فكرة أن تتولى سلطة فلسطينية «متجددة» المسؤولية عن قطاع غزة والضفة في المستقبل. وتكرار أيقونة حل الدولتين بدون ان تحاول منع تقويضه على الأرض في زمن الحرب وما قبلها. ولكن عندما توفر إدارة بايدن الأسلحة والمال والفيتو والدعم السياسي غير مشروط بوقف حرب الإبادة المفتوحة، والالتزام بالقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، وبوقف السياسة الإسرائيلية المنهجية في تدمير مقومات الحل والتسوية والتعايش على الأرض. في هذه الحالة يكون كل حديث أميركي عن دولة وكيان فلسطيني ذراً للرماد في العيون.
الإدارة الأميركية تعطي أقوالاً معززة بالأفعال لدولة الاحتلال، وتعطي قليلاً من الأقوال بدون أفعال للشعب الفلسطيني، هي تحتكر المسؤولية عن حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بدون أن تحله، وتكتفي بإدارته بما يخدم المشاريع الإسرائيلية التي أصبحت بتوقيع بن غفير وسموتريتش والكهانيين وزعيمهم نتنياهو. التدخل الأميركي أفضى إلى إدخال 10% من الغذاء والدواء والوقود الى شعب يتعرض للإبادة، ويدعو الى تخفيف الخسائر بين المدنيين، وكانت النتيجة زيادة الخسائر في صفوف الأطفال والمسنين والأبرياء. والتدخل الاميركي ضد التهجير القسري لمواطني القطاع، لكنه لا يعترض على تدمير اسباب الحياة والبقاء، ما يؤدي الى أشكال من التهجير الذي يسمى طوعياً. التدخل الاميركي لم يساعد في إنقاذ الجهاز الصحي الذي تعرض للتدمير ولخروج معظم المستشفيات من الخدمة، ولا في انقاذ الأفران والصيدليات. إخفاق اميركي بامتياز، مترافق مع تعطيل الحلول والمبادرات والمواقف الدولية التي عبرت عنها قرارات الجمعية العامة والمؤسسات الحقوقية المعنية بالحفاظ على القانون والمعاهدات وقت الحرب.
الولايات المتحدة تقف عائقاً امام ضرورة وقف الحرب وويلاتها، لأنها لا تملك حلاً سياسياً وتكتفي فقط بدعم ومساندة اسرائيل، بقطع النظر عن سياسة حكومتها العدمية المتطرفة التي تشعل الحرب وتجلب الكوارث للشعب الفلسطيني ولشعوب المنطقة. الموقف الاميركي يؤدي الى استمرار الحرب وتوسيعها، ويطرح اهمية البحث في قطع الطريق على استمرار الحرب والحيلولة دون تحقيق اهدافها المعلنة وغير المعلنة، والبحث في جذر المشكلة، وما هو التغيير المطلوب، والأطراف التي تملك القدرة على بناء الحلول الواقعية المنسجمة مع مصالح الشعب الفلسطيني وشعوب المنطقة.
المؤرخ الإسرائيلي موشيه زمرمان ذهب الى الجذر الذي أنتج حرب الإبادة التي تشنها حكومة نتنياهو ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة. يقول زمرمان : مرت القومية اليهودية في أرض إسرائيل بعملية قومية وعنصرية وتعصب عرقي، خلقت حالة من عدم القدرة على التوصل إلى تسوية مع العالم المجاور، وهذا يعني الدخول في حرب أبدية. عندما سئل نتنياهو قبل 8 سنوات: هل سنعيش دائماً بحد السيف، أجاب: نعم. وعزا نتنياهو 7 أكتوبر الى اتفاق أوسلو والنخبة السياسية الإسرائيلية التي توصلت اليه، كونه يعتبر أن الحل او التسوية هي نقيض للحسم بالحرب. أطلق على الذين أبرموا اتفاق أوسلو «مجرمي أوسلو»، ويساريين يقولون انهم أفاقوا من اعتقادهم الساذج بأن السلام مع الفلسطينيين أمر ممكن. ويستنتج زمرمان إنه في الوقت الذي تعمل فيه إسرائيل بمنطق الحرب الأبدية فإنها تعرّض نفسها لنقاط الضعف التي رأيناها في 7 أكتوبر. فلا يوجد غير ثنائية تدمير الفلسطينيين او أن يحاول الفلسطينيون -وربما عرب وايرانيون -بتدمير إسرائيل. العنصر الذي يعزز الحرب الأبدية والعيش الدائم بحد السيف هو الأيديولوجيا الدينية. ففي إسرائيل يتغذى التطرف اليميني العنصري من استخدام التوراة، حيث أصبح المجتمع اليهودي رهينة للرومانسية التوراتية التي تتحدث عن وعد إلهي وشعب مختار وإسرائيل كبرى كما يقول المؤرخ زيمران.. في مقال للكاتب عوفر أديريت بعنوان -مذبحة حماس تظهر فشل الصهيونية كما يقول المؤرخ الإسرائيلي موشيه زمرمان –  (هآرتس 29/ 12 / 2023 ). للحديث بقية ….  

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *