اخبار المغرب

قطع الصبيب يصطدم بـ”الحق في الماء” وسط دعوات لإنهاء “التمييز المجالي”

مازالت السلطات العمومية تناقش مشكلة الندرة التي تتواصل بقطاع الماء بالمغرب بشكل مخيف، مع طرح سيناريوهات عديدة لتقنين بعض الاستعمالات المستهلكة للماء والحد من بعض الممارسات التبذيرية، وكذلك تفعيل إجراء قطع الماء إذا دعت الضرورة إلى ذلك، ضمانا لتدبير أفضل للموارد المائية المتاحة، وللحرص على عدم استنزافها بشكل غير معقلن يقف على الطرف النقيض مع اقتصاد الماء.

ولأن الماء يعد عنصرا أساسيا للتمتع بحياة كريمة، وفقا لقراءات دينية وحقوقية، فإن المعطى الحقوقي بالتحديد عاد بقوة إلى الواجهة بعدما أعلنت السلطات أنها ستلجأ إلى قطع الماء لساعات بمناطق عديدة، الأمر الذي جدد مطلب حماية “حق الساكنة في التزود بكميات كافية من الماء وبشروط تحفظ الكرامة الإنسانية، من خلال تحقيق فعالية التمتع بهذا الحق عبر وقف التبذير والاستهلاك غير المعقلن للفرشة المائية”.

“الحق أولوية”

عزيز اجهبلي، حقوقي اشتغل على موضوع الحق في الماء في المناطق التي تشهد نوعا من الندرة، اعتبر أن “هذا الحق مرتبط بالحق في الحياة بشكل أساسي ومباشر. لذلك، فتفعيل قطع الماء للضرورة القصوى يجب أن يراعي ضمان الحفاظ على هذا الحق الذي يعد أمميا وكونيا”، مسجلا أن “إمكانية الوصول إلى الماء يتعين أن تكون مطروحة في أي تصور للحفاظ على الموارد المائية، لأن القطع في حد ذاته ليس إجهازا على هذا الحق، بل محاولة لإعادة تنظيمه”.

وشدد اجهبلي، في تصريح لهسبريس، على أن “المغرب يمر بمرحلة حرجة بخصوص الإجهاد المائي. ولذلك، يتعين الحفاظ على هذا الحق من خلال الحد من الاستغلال المفرط الذي يلحق به، سواء من طرف المواطن أو من طرف قطاعات اقتصادية أخرى مثل الصناعة والفلاحة، إلخ”، منبها إلى أن “فعلية الحق في الماء تستدعي أن نغير جميعا تدبيرنا لوقف الإجهاد، وبالتالي ضمان السلم الاجتماعي من خلال تأمين الوصول إلى مياه نظيفة وكافية”.

وسجل الفاعل الحقوقي أن “هذا المورد الطبيعي يجب أن يكون بكميات معقولة تغطي حصة الفرد منه، سواء للشرب أو لممارسة كافة الأنشطة الضامنة للكرامة”، مشددا على أن “الماء يعتبر ثروة وطنية مشتركة يتعين على السلطات المختصة حمايتها ووضع التدابير المناسبة لضبط تدبيرها. ورغم التحديات، فإن الوصول إلى الماء في المغرب مازال مستمرا في مناطق عديدة، لكن الإشكالات ترتفع في الصيف، خصوصا في المناطق النائية وذات المناخ الصحراوي والجاف”.

وأوضح المتحدث أن “اعتماد إجراءات لتخفيض الصبيب وقطع التزود بالماء لساعات، من المنتظر أن تساهم في حماية الماء وفي حماية حق الناس في التزود به بشكل متكافئ ومتساو، لكون قلته نجمت عن انتهاك حقوق العديد من الفئات الهشة، بشكل أدى إلى تنامي الهجرة القروية من المناطق المتضررة، وبالتالي تضرر الفلاحة المعيشية التي كانت مصدرا أساسيا للرزق”، لافتا إلى أن “ندرة المخزون المائي الجوفي والسطحي تدق ناقوس الخطر للحفاظ على الحق في الماء، حتى في عز تفعيل القطع لساعات”.

“وقف التمييز”

عبد الرحيم هندوف، رئيس الاتحاد الوطني للمهندسين المغاربة خبير في السياسات المائية، قال إن “الحديث عن الحق في الماء والصرف الصحي صار أكثر حيوية اليوم في المغرب أمام الأوضاع المخيفة التي وصلنا إليها”، مؤكدا “ضرورة ملاءمة السياسة الوطنية للماء مع تداعيات التغيرات المناخية، لكي نضمن وصول المواطنين إلى الماء في مختلف المناطق، سواء في المدن أو القرى، حتى لا نترك أي جهة دون إيصال الماء إليها”.

وأشار هندوف، في تصريح لهسبريس، إلى أن “المقاربة الحقوقية لهذا الموضوع تستدعي ألا يكون تزويد المواطنين بهذه المادة الحيوية في المناطق النائية عن طريق الصهاريج حتى لا نحط من كرامة الساكنة”، مشددا على أن “العدالة المجالية مسألة جد أساسية لوقف التمييز القائم على الفضاء الجغرافي، وبحكم التهميش وعدم توفر البنيات والمرافق الاجتماعية، فالأمر يستدعي مقاربة مختلفة تضمن الحق في المياه كوسيلة للحفاظ على الأمن المائي”.

وسجل المتحدث أن “المشكل يبلغ مداه في الضواحي والهوامش والأرياف، وهو معضلة لأن الإنسان يضطر لقطع كيلومترات عديدة لضمان الوصول إلى الماء الذي صار حقا أمميا، وهناك شروط صارمة لضمان هذا الحق منصوص عليها، من قبيل المسافة المقطوعة والكلفة، إلخ”، موضحا أن “قطع الماء كإجراء احترازي يطرح مشكلا حقوقيا إذا لم توفر له الدولة بديلا، لأن هناك تأخرا في تنزيل العديد من المشاريع التي كان يمكن أن تساهم في ضمان ولوجية أسهل للحق في الماء، أما القطع لساعات فهو إجراء عادي في ظل حالة الطوارئ المائية”.

وخلص هندوف إلى أن “تأثر حق الإنسان اليوم في الماء الصالح للشرب راجع بالأساس إلى مشكل التدبير، فقد كانت هناك دراسات مبكرة تفيد بأن الدار البيضاء مثلا ستعاني من العطش، لكن محطة لتحلية مياه البحر لم تنجز في الوقت الذي كان ضروريا”، لافتا إلى أن “الحق في الماء لا يمكن التفاوض بشأنه، وعلى الجهات الرسمية أن تضمن المياه الكافية للشرب ولممارسة الأنشطة الأخرى، حتى نستطيع توفير الأمن المائي، وبالتالي الحفاظ على التماسك الاجتماعي”.

المصدر: هسبريس

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *